أنت هنا

قراءة كتاب الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

لقد مثلت الرواية في العالم العربي إحدى سمات الفكر والتصور العربيين، إذ مثلها مثل الروايات العالمية، ساهمت في نقل التجربة العربية الإنسانية إلى العقل الإنساني رغم حداثتها مقارنة مع العالمية، ولقد أرجع النقاد تاريخ ميلادها إلى فترة1914 حيث ظهرت أول تجربة تمثل

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 1

المقدمة
قد لا نبالغ حين نذهب إلى أن عصرنا هذا هو عصر الرواية، كونها مثلت منذ زمن بعيد صوت المبدعين، وكانت إلى أمد بعيد وسيلة لترجمة أحاسيسهم، ونقل تصوراتهم وأفكارهم ومن هنا حظيت بالاهتمام الكبير من لدن النقاد والدارسين على حد سواء.
ولقد تنوعت هذه الدراسات، فشملت جميع الجوانب الموضوعية والفنية، والتاريخية والإبداعية... الخ.
لقد مثلت الرواية في العالم العربي إحدى سمات الفكر والتصور العربيين، إذ مثلها مثل الروايات العالمية، ساهمت في نقل التجربة العربية الإنسانية إلى العقل الإنساني رغم حداثتها مقارنة مع العالمية، ولقد أرجع النقاد تاريخ ميلادها إلى فترة1914 حيث ظهرت أول تجربة تمثلت في رواية "زينب" للأديب "حسين هيكل"، ولم تكن الرواية في سوريا بعيدة عن هذا، إذ ساهم مبدعوها بإنتاجهم في حقل الرواية عن طريق المد الفكري وعملية التأثير والتأثر. ولقد أرجع الدارسون ملامح الرواية إلى رواية "نجائع البائسين" "العسلي شكري"، التي صدرت عن مجلة المقتبس "القاهرة"(1)
وقد كانت البداية التي حملت بذور الرواية، لتتلوها أعمال روائية أخرى بدت أكثر نضجا وإحاطة بالجوانب الفنية مع الروائي السوري الكبير "حنا مينا" في رواية "المصابيح الزرق" الصادرة عام1954 عن الكتاب العربي- القاهرة هذا الكاتب الذي عمل على تطوير أدواته الفنية , بغية الخروج بالرواية من النفق الضيق الذي وضعت فيه, و قد كان له ذلك حينما أصدر جملة من الأعمال الروائية أبرزها "الشمس في يوم غائم" و"الباطر" هاتان الروايتان اللتان شهد لهما النقاد بالتفوق من حيث الطرح والبناء الفني لا سيما الأولى التي عبئت بقوة بالآثار الجليلة التي مكنتها من وضع نفسها على مصاطب الروايات القلائل.
ولولا استثناءات قليلة-نجيب محفوظ قمتها-لكانت الرواية ككل شيء في حياتنا، هامشية، مرهقة، تقليدية، لم تتعلم بعد كيف تنهض على قدميها، ورواية "الشمس في يوم غائم"من تلك الإستثناءات بغير شك، على تميز هو طموحها وربما شموخها(2)
"إن حنا مينا" أحد هؤلاء القلائل الذين بذلوا جهدا لا يضاهى في سبيل جعل الرواية تقف على قدميها، وكانت في جميع وجوهها ملتزمة بقضايا الأمة.
إن الروايتين محاولتان جادتان في العمل الروائي تحملان أسئلة شتى تبحث عن أجوبة يفترض أن تكون لدى المتلقي بصفة عامة، وقد كانتا حاملتين صورا لمدن وقرى المجتمع السوري، ساعيتين إلى سبر مضامينهما الاجتماعية، ومناقشتين الأوضاع المتباينة.
ولقد جسدتا معا موروثا هاما، تجلى بين السطور، إذ وأنت تقرأ تصادفك عوامل التأثير الحية والباردة في الكاتب، وقد هيمنت بقوة على عقله حتى أصبحت موجهة للعمل الروائي ككل، وهذا كله ألهمني الرغبة في تتبع أثره واقتفائه بغية الوصول إلى الأسباب التي دفعته إلى تمثلها في كل خطواته، ولقد عملت على أن ألتزم بالنص الروائي الذي بين يدي مستبعدا التأثر بتصريحات الدارسين عن دلالات العملين الروائيين، إذ قدمت تفسيري الخاص لجزئيات النص الروائي، وجهدت في تبيان الصورة الكلية له، ولم أطلب من الروايتين ما أريده منهما، بل حرصت على تقديم ما تتضمنه الروايتان تبعا لما وجدته فيهما، بما يسمح بوجود تأويلات أخرى للنصوص نفسها.
لقد كنت أقرأ الروايتين باستمرار محاولا إقامة علاقة شخصية بيني وبينهما، حتى أتمكن من معرفة كل جزيئاتهما الدقيقة والكاملة ولقد حاولت أن أجسد مسوغات كافية لمختلف الأشياء التي جسدها الروائي في العملين، معتمدا على خيالي ووجداني في الوصول إلى القاموس الخاص بهما، ولهذا لا أدعي أني وصلت إلى حقائق نهائية بشأنهما لأنه ليس هناك حقيقة نهائية في الدراسات النقدية، وإنما هناك تأويل للعمل الروائي، بمعنى الكشف عن وجه من وجوه الروايتين كما هو مبثوث فيهما.
وقد التزمت بتحليل الروايتين أولا، ثم حاولت قياس مدى تعبير الشكل الفني عنهما، ولم يكن لدي فصل بين الشكل والمضمون لسبب وحيد هو وجود تلك العلاقة المتينة بينهما، والشكل مرتبط بمدى الوظيفة المؤداة فيهما، وبمدى تأثيره في القارئ تبعا لعناصر الانسجام والوحدة والاتساق الموجود فيه، التي حملت المضمون وبينت خلله، والملاحظة التي يمكن للقارئ أن يخرج بها من الدراسة، هي أنني اعتمدت المنهج التكاملي في دراستي لأنه كان الأفضل لها، ولأنه كذلك يدرس العمل انطلاقا من عدم الخضوع لمنهج معين، فهو المنهج الذي لا يتأثر بالمناهج، فهو كل المناهج النفسية والاجتماعية والتاريخية والجمالية معا.
ولقد رأيت أنه الأفضل من حيث الرؤية التكاملية للعملين الروائيين. وكما قسمت بحثي إلى ثلاثة فصول، كانت تباعا كالآتي:
الفصل الأول (أثر الثقافة الذاتية في عالم حنا مينة الروائي). فقد مهدت له بتقديم نظري حول الموروث الثقافي الفاعل في ذاتيته من منطلق التأثر والتأثير، وسعيت إلى توضيح الأسباب العاملة في ذات الروائي ململما شتاتها بكل أبعادها ابتداء بالبيئة فالبحر فالغابة. هذه التي كان لها حضور قوي في العملين، فالطبيعة بمفهومها الواسع كانت مشاركة في صنع الحدث، وحفلت بالوصف الطويل لمختلف المشاهد.
اثر ذلك انتقلت إلى الفصل الثاني، وركزت فيه على الثقافة المنقولة، الأمثال والمعتقدات والأسطورة التي عملت في نفسية الروائي، وتجذرت بقوة في نفسه حتى أصبح حضورها يملأ عليه فكره ويوجهه .
وكانت دراستي في العملين مزيجا بين النظري والتطبيقي، وفي كل ذلك مكنت للتطبيق من الحضور، بنقل جل الصور التي دبج بها الروائي عمله في مختلف المشاهد، بنقل الثقافة النظرية كموروث فاعل، وفي الفصل الثالث ركزت على الخصائص الفنية بصورة عامة، التي طبعت العملين، وسعيت في كل ذلك إلى إبرازها انطلاقا من مقاربتها بغيرها من الأعمال الفنية الأخرى.
وقد كللت بحثي بخاتمة حاولت أن أرصد فيها النتائج المتواضعة التي أحسب أنني وصلت إليها، ثم ذيلت بحثي بقائمة المراجع التي كانت قليلة للأسف نظرا لانعدامها في السوق من جهة، وقلة الدراسات المكتوبة حول الروائي، والتي عدت بتسعة وعشرين كتابا كما رصدها محمد البردي في كتابه:حنا مينا كاتب الكفاح والفرح.
وأشير هنا إلى اعتمادي الكلي في دراستي على كتاب"عالم حنا مينة الروائي"لعبد الرزاق وكامل الخطيب، في وضع منهجية البحث لا سيما وقد عدت هذه الدراسة من الأعمال النقدية المفردة لحنا مينة.
ولا يسعنا هنا إلا أن أقدم شكري إلى أستاذي الكريم"بوجمعة بوبعيو"الذي أخذ بيدي، وجنبني الكثير من الصعاب . كما أشكر كل من أمدني بمساعدته لإنجاز هذا العمل فإليهم جميعا أوجه كامل الاعتراف والتقدير والاحترام.

الصفحات