حظي الأردن بأنه بلد مبارك؛ لأنه من أكنافِ بيت المقدس؛ وفي بيت المقدس وفيما حوله قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّ
أنت هنا
قراءة كتاب السياحة الدينية الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
السياحة الدينية الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية
أضرحة ومقامات الأنبياء في الأردن
آثار رسول الله لوط عليه السلام
في البحر الميت ومآب والربة وفيها مقام أبي عبدالله الهاشمي
وزغر المباركة ومن علمائها القارئ الزغري
رسول الله لوط بن هاران، ابن أخ رسول الله إبراهيم الخليل عليه السلام، عاصره، وعاش في كنفه، وآمن به؛ قال الله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}16، وهاجر لوط مع عمه عليهما السلام إلى الأردن؛ قال الله تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إلى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}17، ثم نزح عن محلة عمه الخليل عليه السلام بأمره وإذنه، فنزل بمدينة سدوم18، وهي منطقة حول البحر الميت في الأردن اليوم.
وليس لرسول الله لوط عليه السلام مقام معروف في الأردن، ولكن البحر الميت يسمى باسمه؛ فيقال: (بحيرة لوط)، وما جاورها من الأرض هي أرض سدوم، وهي التي كان يسكنها قومه عليه السلام، ولقد سميت بعض الأماكن بأسماء أبنائه وبناته؛ ومن ذلك:
1. زغر قرية مباركة في غور الكرك نجّى الله فيها رسوله لوطاً عليه السلام: زُغَرُ تقع في غور الأردن الجنوبي (غور الصافي)، غرب مدينة الكرك، وبالقرب من مصب وادي الحسا، قال ياقوت19: (قرية بمشارف الشام.. وقيل: زُغَرُ اسم بنت لوط عليه السلام؛ نزلت بهذه القرية فسميت باسمها20)، وقال النووي: (وهي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام)، وقيل: عين بالبلقاء21، وقيل إن فيها الحجر الذي ضربه موسى فانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً22.
وفي زغر عين صغيرة ضئيلة، ويُخبر من حولها من السكان أنها كانت فيما مضى دفاقة الماء قوية الجريان، ويسميها أهلها بلهجتهم: (العين الزغيرة)؛ أي الصغيرة، وقد جاءَ ذكر عين زُغَر في حديث الجساسة، وأنها تغور في آخر الزمان، وغورها من علامات الساعة23، وقد وردت القصة في صحيح مسلم24، عاش في زغر القارئ محمد بن الحسن أبو الطيب الزغري25، فلها في التاريخ ذكر طيب.
2. قرية الرّبة مرّ منها رسول الله لوط عليه السلام ودفن ابنته فيها وفيها مقام أبي عبدالله الهاشمي وآثار القلعة التاريخية: الربة بلدة في محافظة الكرك؛ قال ياقوت الحموي: (الربة قرية في طرف الغور بين أرض الأردن والبلقاءِ)26، كان اسمها "رّبة مؤاب" أي عاصمة مؤاب؛ حيث تعني ربة المدينة الرئيسة أو العاصمة.
يقال: إنها سميت بهذا الاسم بسبب دفن ربة بنت رسول الله لوط عليه السلام؛ قال ابن أبي حاتم: (خَرَجَ لُوطٌ عليه السلام مِنْهَا بِبِنَاتِهِ وَهُنَّ ثَلاثٌ، فَلَمَّا بَلَغَ مَكَانًا مِنَ الشَّامِ مَاتَتِ الْكُبْرَى فَدَفَنَهَا، فَخَرَجَ عِنْدَهَا عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: عَيْنُ الرَّبَةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى إِذْ بَلَغَ مَكَانًا آخَرَ مَاتَتِ الصُّغْرَى فَدَفَنَهَا، فَخَرَجَ عِنْدَهَا عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الزّغْرِيَّةُ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْوُسْطَى)27، ومثل هذا قال ياقوت الحموي في معجم البلدان28، وهذا يدل دلالة واضحة على أن رسول الله لوط عليه السلام قد مرّ منها، ودفن ابنته فيها.
ولقد عاش في الربة من العلماء أبو عبد الله بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي29.
ومن آثار الربة مقام ينسب للإمام زيد بن علي الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو عبارة عن كومة من الحجارة، يظهر فوقها نقش كتب عليه: (هذا القبر المبارك قبر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عمله العبد الفقير إلى الله تعالى سليمان القانوني)، وقد استشهد زيد رضي الله عنه في عهد الخلفية الأموي هشام بن عبدالملك، وقد يعود هذا النقش في تاريخه إلى العهد التركي، وقد تم نقل هذا النقش إلى متحف المزار الإسلامي في مزار الكرك، ومعروف أن زيد بن علي رحمه الله هو الذي يُنسب إليه الزيدية؛ ففي نسبة المقام إليه شك، والذي يظهر لي أن هذا هو مقام أبو عبد الله الهاشمي، والله تعالى أعلم.
وفي بلدة الربة موقع أثري؛ ويدل ما بقي من البناء على أن الموقع هو أساس قلعة قديمة؛ ويتألف من سقف، وتحت السقف ينحدر حائط من ثلاث طبقات فيها شبابيك مستطيلة، وعلى جانبيها سراديب بالإضافة إلى برك لجمع المياه، هذا ما تبقى من آثار الربة، وما تحت الثرى أكثر بلا شك؛ والله تعالى أعلم.
3. مآب سميت باسم مؤاب بن لوط عليه السلام: مَآب، ويقال: مؤاب؛ بِلادٌ شَرْقِيَّ الْبَحْرَ الْمَيِّتَ، وَيُقَالُ: إنَّ مُؤَابًا اسْمٌ لابْنِ لُوطٍ عليه السلام، ومن نسله شَعْبُ مُؤَابٍ، الَّذِي أُعْطِيَ اسْمُهُ لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ، ومِنْ هنا نَعْرِفُ أَنَّ مَآبَ هِيَ السَّرَاةُ – الشراة- الَّتِي تَمْتَدُّ بِمُحَاذَاةِ الْغَوْرِ الأُرْدُنِّيِّ مِنْ الشَّرْقِ، وَتَقَعُعَلَيْهَا مُدُنُ كثيرة؛ منها الْبَتْرَاءُ، وَالْكَرْكُ، وَالسَّلْطُ، وَعَجْلُون، وَرُبَّمَا جُرَشٌ وَعَمَّانُ، قال المقدسي البشاري30: (أما الشراة فجعلنا قصبتها زغر، ومدنها مآب، ومعان، وتبوك، وأذرح، وأيلة، ومدين)، ومن مدنها صَرَفَةُ؛ قال ياقوت31: (صَرَفَةُ: قرية من نواحي مَآب قرب البلقاء يقال: بها قبر يوشع بن نون)، وقال ياقوت32: (مَآبُ في اللغة المرجع، وهي مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء)، ويقال لها مُؤَابٌ؛ ففِي الْمُنْجِدِ33مُؤَابٌ، بِلادٌ شَرْقِيَّ بَحْرِ لُوطٍ، وَبَحْرُ لُوطٍ، ويُسَمَّى الْيَوْمَ الْبَحْرَ الْمَيِّتَ.
تتميز مآب بأنها جبلية غالباً، وهي كثيرة القرى، وكثيرة أشجار اللوز والأعناب، وقريبة من البادية، وَمِيَاهُ هَذِهِ السَّرَاةِ تَنْحَدِرُ غَرْبًا عَلَى الْبَحْرِ الْمَيِّتِ وَنَهْرِ الأُرْدُنِّ، وَأَوْدِيَتُهَا الشَّرْقِيَّةُ تَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى إلَى الْغَوْر، وَهِيَ سَرَاةٌ جَبَلِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْقُرَى وَالزَّرْعِ، وَتُغَطِّي قِمَمَهَا الأَشْجَارُ.
قال ابن جرير الطبري34: (أول صلح كان بالشام صلح مآب، مرّ أبو عبيدة بها في طريقه، وهي قرية من البلقاء، فقاتلوه، ثم سألوه الصلح فصالحهم)، وذلك أنه لما خرج أبو عبيدة والمسلمون إلى الشام مروا بوادي القرى، ثم أخذوا على الحِجر أرض صالح النبي عليه السلام، ثم ذات المنار، ثم على زيزاء، ثم ساروا إلى مآب بمعان، فخرج إليهم الروم، فلم يلبثهم المسلمون من أن هزموهم حتى دخلوا مدينتهم، فحاصروهم فيها، وصالح أهل مآب عليها، فكانت أول مدائن الشام صلحاً.