أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات الجرذان الغريقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات الجرذان الغريقة

مذكرات الجرذان الغريقة

رواية "مذكرات الجرذان الغريقة"، للكاتب الأردني وائل رداد؛ الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

كنت حقا مأخوذا بجمال الفتاتين, لكن شغيلة المحل بدوا كالآتين من دنيا أخرى غير دنيانا, استحالوا ذئابا متضرعة, الكل يرغب بالصعود وأخذ طلباتهما..
لكن لسوار فكر آخر ماكر كدأبه, اجتمع بالشغيلة وطرح عليهم فكرته, استحسنوها بالإجماع, وهكذا نادى (جبريل), وقال له بنبرة اعتيادية:
ـ اصعد لسيكشن العوائل, وانظر ما يريدونه من طلبات..
غاب (جبريل) فوق, المسكين حسبها عائلة كريمة ذات رب أسرة موقر, أتت لالتهام الكنافة وابتياع بعض قطع «الجاتوه» أو «الآيس كريم» للصغار.. سمعنا على الفور صراخا غاضبا واتهامات قذف مشينة, ثم سمعنا صوت ركض على الدرج وضحكات أنثوية جريئة, ظهرت الفتاتان وقد التصقتا ببعضهما, فسألهما (سوار) باسماً:
ـ خيراً؟..
هتفت الأقصر قامة والأثرى أنوثة:
ـ صاحبكم حمار!..
ـ لماذا؟.. ماذا حدث؟..
ضحكتا معا بمرح, ونزل (جبريل) ليجدهما واقفتين معنا, فصاح وقد اربد وجهه:
ـ برّة!.. هذا مكان أكل عيش وليس ماخور مومسات!..
هرعتا خارجا وهما لا تكفان عن الضحك, فتساءل (سوار) ببراءة عما حدث..
ـ «تسأل يا ماكر؟.. بغايا والعياذ بالله!.. تحسبني لا أعلم بما يدور بينكم؟.. هذه من بنات أفكارك الشيطانية حتما»!..
ضجّ المكان بضحك صاخب, وحسبنا الموضوع سيمر مرور الكرام, لكننا صنعنا من (جبريل) داعية لا همّ له سوى إصلاحنا وتقويمنا, فصار يلح علينا كي نذهب معه للمسجد وسماع خطب الشيخ (عبد القادر)..
ـ «خطبة واحدة منه كفيلة بإدخالك الإسلام يا (سوار)»!..
والعجيب أن (سوار) وافق على الاستماع لتلك الخطبة المبهرة, لم يكن (كهف) متحمسا للذهاب, أما عني فلم تكن تلك بمشكلة..
ـ «و(خربق)»؟..
ـ «دعك منه, لو أن الملائكة أدخلته بالقوة إلى النعيم لفرّ هاربا كي يلوذ بالجحيم»!..
وهكذا ذهبنا نحن الثلاثة برفقة (جبريل) إلى مسجد صغير غير بعيد عن المحل, حيث يصلي فيه الشيخ (عبد القادر) إماما على المصلين..
وعقب الصلاة وقف الرجل حامدا الله على نعمه ومثنيا عليه.. كان رجلا طويل القامة كث اللحية, يرتدي جلبابا قصيرا على طريقة أهل السنة, وحطة بيضاء لفّ طرفها حول عنقه, كانت يده اليمنى مبتورة, أخبرنا (جبريل) أنه فقدها إثر انفجار عبوة ناسفة أيام الاشتباكات ما بين قوات الجيش الأردني وأفراد أيلول الأسود في الجوفة, أصابته شظية تطلبت بتر يده خوفا من انتشار الغرغرينا..
وجدت خطبة الرجل ممتازة, لكن حديثه عن العذاب المنتظر ظلّ عالقا ببالي, ولا زلت أذكر إلى يومنا هذا ما قاله, لا بتهديد وإنما بمرارة وأسى:
ـ «أما الرجال فباللحى، وأما النساء فبالذوائب والنواصي.. فكم من ذي شيبةٍ من أمتي يُقبَضُ على لحيته وهو ينادي: واشَيْبتاه واضعفاه، وكم من شاب قد قُبض على لحيته، يُساق إلى النار وهو ينادي: واشباباه واحُسن صورتاه، و كم من امرأة من أمتي قد قُبض على ناصيتها تُقاد إلى النار وهي تنادي: وافضيحتاه واهتك ستراه، حتى يُنتهى بهم إلى مالك، فإذا نظر إليهم مالك قال للملائكة: من هؤلاء؟.. فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء، لم تَسْوَدّ وجوههم ولم تَزرقّ أعينهم ولم يُختَم على أفواههم ولم يُقرّنوا مع الشياطين ولم توضع السلاسل و الأغلال في أعناقهم!.. فيقول الملائكة: هكذا أُمِرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة»..

الصفحات