أنت هنا

قراءة كتاب اللغة في المعرفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة في المعرفة

اللغة في المعرفة

كتاب "اللغة في المعرفة"، المعرفة بخصائصها الأساسية لا تحقق وظيفتها في الفن إلاَّ عبر المفاهيم، بما هي بنى عقلية في لبوس لغوي، وهي في العلوم الإنسانية كما في الأدب والميادين التي تتخذ اللغة جسداً لها معطى عقلي، حيث تفرض اللغة على الأدب وعلى الفكر المتجسد بها

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

استهلال

كان هذا الكتاب أول الأمر مجموعة محاضرات في مادة مقاربات نصية، سجلها طلاب العام الدراسي 2004/2005، صححها المحاضر في ما بعد وأضاف إليها، وضبط مفاهيمها النظرية، وهو مثل الكتاب الأول «الألسنية محاضرات في علم الدلالة»، نتاج التدريس الجامعي، بما هو تفاعل ما بين المحاضر والطلاب، ليصير أكثر استجابة للحالة المعرفية العامة، ممثلة باستجابة الطلاب للمادة المعرفية. لكنه يختلف عنه في أنَّه حصيلة التدريس في ثلاثة مقررات جامعية، وفي ثلاث كليات؛ هي أولا مادة «تحليل النص»، والتي بدأت تدريسها في أوائل التسعينيات، ولكن من منطلق الألسنية، إلى أن تغيرت في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة إلى مادة «مقاربات نصية»، فوجدت أنّ الأساس النظري الأول ومعالجة المادة في جوهرها العام لا تزال صالحة، وكان هذا المقرر مرتبطا مع مادة «علم الدلالة» ومكملا لها، وكان الارتباط النظري قويا ما بين المقررين، لكنني أضفت إلى المقرر الأول «تحليل النص» العديد من التحديدات العلمية والتعريفات النظرية، نتيجة لاستفسارات الطلاب وأسئلتهم، ولا ضير من التصريح أن هذه المادة كانت شيقة لغالبية الطلاب ومنفرة للبعض منهم، وكان يأتينا طلاب من الكليات الأخرى المجاورة مثل كليات العلوم الاجتماعية والحقوق، فيجدون فيها متعة وإجابة عن العديد من الاستفسارات التي كانت تراودهم، وبخاصة أن مضمون المقررين كان ينصبّ على القراءة المنهجية للنصوص. وكلا الاختصاصين يتعامل مع النص؛ الأول مع النص القانوني، حيث أفضت دراسته ومعرفة دلالة لغته إلى علم النص، والثاني حيث نصهم الذي يقومون بقراءته هو العلاقات الاجتماعية.
المكون الثاني لهذا الكتاب كان مقرر «أنواع أدبية وأنماط التعبير»، أحد مقررات كلية التربية في الجامعة اللبنانية، وكان يستند إلى منهجية التعلم وعلم النفس المعرفي، ويرى إلى دور القارئ في دراسة النص، كونه الركن الأساس في المعرفة، وإعادة الدور له في فهم النصوص، وليس إلى فهمنا نحن المدرسين أصحاب السلطة الفكرية، الذين يفرضون على الطلاب آراءهم وخياراتهم المعرفية.
المكون الثالث كان تدريس مادة لغة الاختصاص، ولكن هذه المرة للمتدربين من معلمي الحلقة الأولى والثانية في المدارس الرسمية، وهي تمزج ما بين هذين المقررين، وتستند إلى منهجية التعلم، وليس التعليم، وقد اكتشفت كم كان تحصيل المتدربين السابق ضحلا وشكليا وبعيدًا عن المنهجية الحديثة، التي كانت تستند إلى التلقين والتعليم في اكتسابهم المعرفي وفي تدريسهم لتلامذتهم، واكتشفت كم أنّ التحصيل المدرسي لتلاميذنا سيكون مدمرا لأجيالنا في المدارس الرسمية والخاصة.
هذا الكتاب في نهاية الأمر مغامرة في النقد الأدبي انطلاقًا من المنهج الجديد، مهمته مختلفة عن دراسات النقد التقليدي، فهو دراسة نقدية على الأساس اللغوي، ترى إلى دور اللغة في الأدب، وفي المعرفة بشكل عام، ومنطلقه الأساس رؤية دور القارئ في إنتاج النص الأدبي، وليس دور الأديب، بما هو الأساس في إنتاج النصوص الأدبية والفكرية بشكل عام، علما أنَّ النصوص تنتج لأجل القرّاء.
اللغة هي الوجود الموضوعي في الوعي الجمعي، والكلام هو التجسيد الذاتي للغة، واللغة تتطور من الكلام، أي من ممارستها في وجودها الشخصي، وليس من وجودها الموضوعي. نقول دور القارئ أساس في النقد، وفي اللغة وموقعه كان غائبا في النقد وفي الحياة السياسية والاجتماعية، فهو المتلقي السلبي عليه واجب القبول. لقد رأينا انطلاقًا من منهجنا اللغوي، أن القارئ هو الذي ينتج النص، فهو ينتجه لنفسه قبل كل شيء. وهذا ليس تغييبا للبعد الموضوعي في رؤية الأدب، إنما رؤية الذاتي في الموضوعي، فوجود القارئ هو الأساس، وفهمه الذاتي للنص الأدبي وإنتاجه بنفسه للقيم الأدبية.
لقد تبين لنا من خلال معرفة الطلاب للأدب، أنها معرفة غامضة دون مفاهيم ودون منهج؛ تكرار فارغ لبعض أقوال قديمة معزولة وأحكام تراثية عامة تقليدية حول الأدب والفن، وهذه لا تسمن ولا تغني من جوع ، لكنها تنشئ لديهم التفكير اللفظي، بدل التفكير المنطقي العلمي.
هذا الكتاب ليس مبحثًا في الأسس الفكرية والفنية للعمل الأدبي، وليس أحكاما وآراء ناتجة عن فلسفة فكرية منهجية جديدة في الفكر الأدبي، ولا في خلفياتها الاجتماعية، إنما هدفه الأساس هو معرفة كيفية قيام الأدب بدوره في تشكيل المكوِّن الجمالي في المخططات المعرفية لدى القارئ، الأساس في عملية التربية انطلاقًا من منهج أساسي في المعرفة، يبحث في كيفية تجلي الفكر في الممارسة الإنسانية، وقد نقلنا المعرفة من الطابق العلوي في العلم، وتداوله ما بين العلماء والاختصاصيين إلى الطابق الأول في المعرفة، ذلك الطابق المشاع للعموم، لأن العموم هم أساس إنتاج اللغة بمعطياتها الموضوعية، وبناء الحضارة، كما تتجلى اللغة في الكلام والممارسة الفكرية بما هو الذاتي من الموضوعي. وبخاصة بعد أن صار للقارئ دوره في الحياة الاجتماعية والفكرية على حد سواء.
المنطلقات الأساسية في منهجنا المعرفي الذي اعتمدناه في هذا الكتاب هو إعادة الاعتبار إلى الذات الفردية، وهي الأساس في التربية الحديثة، بما هي تجلي الموضوعي في الذاتي، لأننا لا نرى، وليس من أهدافنا العلمية رؤية تطور مادة المعرفة في بعدها الموضوعي الاجتماعي، وهذا سيقوم به كثيرون. ولكن تجسد المعرفة في الفهم الخاص لدى كل ذات عارفة، لأن منطلقنا هو المعرفة في ممارستها الإنسانية، ولأن الأدب في جوهره هو الذاتي من الموضوعي، والتعبير الذاتي عن هذا الموضوعي.
هكذا كان هدفنا وسعينا لنكون على مقربة من التيارات الفكرية الحديثة في المعرفة، وفي أساسها الفردي، والتي ترى إلى ما يحدث من تفاعلات على صعيد العقل، وربطه بالمعطيات البيولوجية الدماغية، التي تقترب من التحديدات العلمية في العلوم الدقيقة، وكان منهجنا بينيًا، يستفيد من منجزات العلوم المساعدة وهي النقد الأدبي وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التواصل والتربية، ويوظفها في ميدانه العلمي ويرتكز على المعطيات التي يقدمها علم تشريح الدماغ. ولا نبحث في هذه العلوم، ولكن نستفيد من معطياتها، وأحد تعريفات النقد: استخدام المعطيات غير الأدبية للوصول إلى أدبية النصوص. هكذا لم نبتعد عن المنطلقات الأساسية لعلم الأدب.

الصفحات