أنت هنا

قراءة كتاب الله الحياة والانسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الله الحياة والانسان

الله الحياة والانسان

"الله الحياة والإنسان"؛ كتاب فلسفي علمي واجتماعي، فلسفي بنظرته إلى الله وإلى الدين؛ علمي بدراسته للإنسان؛ واجتماعي بدراسته للمجتمعات البشرية. لكن على الرغم من أنّ دراسته موجزة ومختصرة، بشكل كبير، إلا أنها تسدّ فراغاً تعاني منه ثقافتنا القومية والوطنية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مقدمـة

كان سؤالاً محيّراً، ذاك الذي اعترض تفكيري في باكورة الشباب، ولم يؤت لي الجواب عليه في حينه. بعد ذلك، راح يحضرني كلما خلوت بنفسي، وصار وضعي معه أشبه ما يكون بوضع طفل في الخامسة من عمره، أثار اهتمامه غرض ما، ورغب في الحصول عليه... بقيت على تلك الحال سنوات، وسنوات، خلالها بحثت، درست، وفكّرت، وفي نهايتها توصّلت إلى ردّ عليه، علماني، منطقي ومقنع.
ها أنا، اليوم، أعرض في كتيّبي هذا، السؤال والردّ الذي توصّلت إليه، آملاً في أن يكون ردّي هذا جواباً مقنعاً للسائلين، ونبراساً مضيئاً للباحثين، وفائدة مرغوبة من القارئين. وأؤكّد أنّ ليس في العالم حقيقة مطلقة، وأنّ المسلّمات والبديهيات عند الناس تتغيّر مع الزمن، وتختلف باختلاف الثقافة والتربية.

الفصــل الأول 

السؤال

توطئة للسـؤال

إن السماء الصافية، في ليلة قمراء، لآلاءة بالنجوم، تؤلّف منظراً، ولا أبدع! يبعث نشوة في النفس، ويجذب الناظر إليه من على سطح مركبتنا هذه، ويدفعه، إما للتأمّل والتحليق بأجنحة سحرية في جوّ شاعري رومانسي، وإما للبحث والتنقيب بحشرية علمية لمعرفة السرّ الكامن وراء الوجود. هكذا منذ القديم القديم، منذ كان الإنسان، كان يتكرّر المشهد، ويتكرّر معه التأمّل والبحث، ومع الأيام تراكمت معلومات وصور.
إن القبة الزرقاء هي مدى النظر من فضاء لانهائي... إن ما نراه من نجوم ليس إلّا بعضاً من مجموعة تعدّ مليارات، وتسمّى مجرّة (طريق التبّان). إن عدد المجرّات ملايين، كلها تسبح في أوقيانوس أبدي اسمه الكون، وإنّ بعض النجوم يبعد عنا ألاف السنين الضوئية؛ منها العملاق الضخم، ومنها الوسط والصغير. إن الشمس التي تضيء دنيانا و تبعث فيها الحرارة و الحياة، لا تعدو كونها نجماً بسيطاً بين بقية النجوم، يبعد عنّا ثمان دقائق ضوئية، أي ما يساوي 8 دقائق ضرب 60 ثانية ضرب سرعة الضوء في الثانية 300000 كلم. إن ما نراه اليوم هو ماضي السماء وليس حاضرها. إن ما نعرفه عن الكون نزر قليل من كثير لا نعرفه. إنّ حجم الكرة الأرضية ووضعها بالنسبة لبقية الكواكب والنجوم، يشبه وضع حبة رمل من رما ل المحيط. وهي كوكب بيضوي الشكل، طول محيطه يتراوح بين أربعين، واثنين وأربعين ألف كيلومتر، ومساحة سطحه 500 مليون كلم مربّع، تشغل المسطّحات المائية 73 بالمئة منه، والباقي يابسة. يبرم حول نفسه برمة كل 24 ساعة، ويدور حول الشمس دورة كاملة كل 365 يوماً وربع اليوم، ومن ذاك البرم وهذا الدوران، يتبدّل الليل والنهار وتتغيّر الفصول. والقمر ليس أكثر من تابع للأرض، بسيط، يدور حولها دورة كل 28 يوماً ونصف اليوم.
إن الكرة الأرضية هذه، قبل أن تأخذ شكلها الحالي، مرّت بتغيرات وتبدلات خلال أحقاب سحيقة من عمرها. فكم من جبال شاهقة، كانت، واختفت، وأخرى برزت ورست! والبحار لحقها تبديل وتغيير... وما جغرافيا اليوم سوى شيء آخر، غير جغرافيا ما قبل التاريخ. إن قمماً تناطح لهاثات الغيوم الراكضة من فوقها، كانت بالأمس مرتعاً للأسماك ومرعى، والمتاهات الرملية كانت غابات وأفياء ظليلة. ثم، أو لم تكن القارة الأمريكية لصقاً بأفريقيا وتخماً للعالم القديم؟!
إن في البراكين والأغوار درساً وعبرة، وفي البلّورات والمستحاثات علماً وخبرة. إن ما نعرفه عن الكون نزر قليل من كثير لا نعرفه. وما علم المرئيات سوى وجه واحد من حقيقة لها وجوه أخرى. إن الطاقة الشمسية والمحيط الهوائي، والدورة المائية أساس لتوزّع الحياة على سطح هذا الكوكب...
والحياة ميّزة الأرض، بها تتزيّن وتظهر بأحلى رونق لها. غابات تكسو الجبال وتملأ الوديان، مراعي خضراء مزركشة، سهول تمور بالمزروعات، مناظر منوّعة، تتفاوت بين أبيض وأزرق وأحمر وأخضر وأصفر، وكل ما يخطر على البال من ألوان... بحار وأنهار، غياض ورياض، أشجار وأزهار، طيور وحيوانات، زواحف وأسماك... أعشاب وطحالب، ثم بكتيريا وفيروسات... وإنسان! عمار ودمار... حروب وهروب، و... ونضال بين الجميع!
هذه الحركة الدائمة، والمستمرّة ليل نهار، مالئة سطح اليابسة وعباب اليم، ذاهبة بضعة كيلومترات عمقاً وارتفاعاً، متفاعلة مع كل شيء تأخذ منه وتعطيه، فإذا الأرض لوحة فريدة من الروعة لا شبيه لها بين الكواكب المعروفة. إنها موطن الحياة، موطن الجمال والإعجاز... تصوّر أرضاً بلا حياة، ألا تكون قفراً تعلوه كآبة وأسى؟! وفي أفضل الاحتمالات سوف لا تكون أكثر من صورة مجسّمة للقمر، مجرّد غبار ورماد، ورمال وجماد.

الصفحات