على الرّغم من كلّ ما قد يقوله المتزمّتون، وما قد يتندّر به السّاخرون من أنّني تخلّيت عن الوقار في كهولتي، وقد كنتُ وقورًا رصينًا في كلّ ما كتبت في شبابي، وعلى الرّغم كذلك ممّا قد يتبادر إلى أذهان بعض البسطاء من أنّني قد أردت بهذه الرّواية أن أدغدغ عواطف الم
أنت هنا
قراءة كتاب ليلة في القطار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
الّذي كان يقرأ الجريدة شابٌّ طويل القامة، مليء الجسم، جميل الشّكل، وهو منصرفٌ إلى جريدته لايرفع عنها بصره، والرّجل الآخر كهلٌ أصلع قليلًا، ويتناثر الشّعر الأبيض على جوانب رأسه الصّغير، وهو ينظر إليّ حينًا وحينًا إلى السّيّدة بجانبه، وبيده سيجارة ينفث دخانها أمامه تارةً، وإلى الأرض تارةً أخرى.
أمّا المرأة فكانت شابّة جميلة في نحو الثّلاثين من عمرها، يتدلّى الشّعر الأشقر الذّهبيّ على كتفيها كشلالٍ من ذهبٍ، وخصلة منه محبوكة بشكلٍ حلزونيّ على طرف جبينها، وعيناها زرقاوان واسعتان تشعّان ببريق السّحر، تزيده ابتسامتها المشرقة، ووجهها الأبيض المستدير، والذّقن الدّقيق الصّغير في أسفله، وكانت ترتدي جونيللة صوفية ضيّقة رماديّة اللّون، وبلوزة زرقاء من (المهير) مجدولة جدلًا غليظًا، عريضة الياقة تترامى على الكتفين، وكانت جونيللتها الضّيّقة ترتفع قليلًا فوق ركبتيها المتلاصقتين في جلستها، وكانت المرأة بوجودها معنا في الحجرة وتفكيري في أنّها ستقضي اللّيلة كلّها في سريرٍ تحت سريري، سببًا في إحراجي وجلستي المضطربة المرتبكة.
ومن خلال ارتباكي واضطرابي كنت أرفع عينيّ أحيانًا عن الأرض، فأرى السّيّدة تنظر إليّ وعلى ثغرها ابتسامة إشفاق، فأعيد نظري إلى الأرض، ويتخضّب وجهي بالحياء بحيث يكاد يقطر منه الدّم.
ولاحظ الرّفاق الثّلاثة ارتباكي، وأكثر من لاحظ ذلك منهم السّيّدة، ولذلك كانت تطيل النّظر إليّ، وهي تبتسم ابتسامتها الّتي تحمل معاني الإشفاق والمجاملة والتّشجيع معًا، لقد لاحظت وفهمت، بحسّ المرأة أنّني غريبٌ، وأنّ الأمر جديدٌ وصعب عليّ، ولا شكّ أنّ الزّميلين الآخرين أدركا ذلك أيضًا، ولكنّ النّساء دائمًا أسرع إلى إبداء شعور المجاملة والتّشجيع من الرّجال.
ولم أستطع أن أكتم حيرتي وارتباكي طويلًا، كان كلّ حياء الشّرق وتحفّظه يتجمّع في وجهي.. فقلت للسّيّدة: