أنت هنا

قراءة كتاب العلم وشروط النهضة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلم وشروط النهضة

العلم وشروط النهضة

كتاب " العلم وشروط النهضة "، تأليف سمير أبو زيد ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 1

مقـدمة

ليس العلم في عالم اليوم، في بدايات القرن الواحد والعشرين، مجرد فكرة أساسية أو نشاط مهم بالنسبة لنهضة المجتمع، وإنما هو مرادف لتحقيق النهضة ذاتها. فليس من معنى للنهضة في عالم اليوم إلا باعتبارها نهضة علمية.
وليس هناك من شك في أن النهضة الأوروبية الحديثة إنما قامت بشكل اساسي على العلم الحديث. فرغم أن التحولات الفكرية التي جرت في أوروبا بدءا من عصر الإصلاح الديني حتى العصر الحديث كانت أساسية لتحقيق النهضة والسيطرة على العالم . إلا أن ظهور العلم الحديث في المجتمعات الأوروبية كان هو العنصر الحاسم نحو تحقيق هذه السيطرة. فقد أدت الاكتشافات العلمية والتكنولوجية المتتالية إلى تحولات جذرية في قدرات هذه المجتمعات ابتداء من القرن الثامن عشر الميلادي وحتى الآن.
كذلك فتحقيق النهضة العربية ليس فقط مرهونا بالفكر السياسي وإنما أيضا وبشكل جوهري بتحقيق الفكر العلمي الصحيح المعتمد على التصورات العلمية الحديثة. وليس ذلك فحسب، وإنما هو مرهون أيضا بتحقيق الارتباط بين هذه التصورات والمجتمع ككل. وهذا ليس جديدا، فقد تنبه فكر النهضة العربية مبكرا لأهمية ارتباطه بالعلم، وأهمية ارتباط المجتمعات العربية بالمعرفة العلمية. فظهرت منذ أوائل القرن العشرين كتابات عديدة تركز بشكل أساسي على نشر المعرفة العلمية، وعلى التصورات العلمية عن العالم.
ولكن على الرغم من هذا الاهتمام المبكر بأهمية الاعتماد على العلم إلا أنه رغم دخول البشرية القرن الواحد والعشرين، وحدوث تقدم كبير جدا في العلم والتكنولوجيا، وتحول العديد من دول العالم الثالث إلى دول منتجة للتكنولوجيا ومشاركة في التقدم العلمي، لم يحقق العرب أي تقدم بهذا الخصوص. فلم تحقق المجتمعات العربية النهضة العلمية المطلوبة ولا أصبح العلم مكونا أساسيا في الشخصية العربية ولا المجتمع العربي. لذلك وجب التساؤل عن أسباب التخلف العربي عن ركب العلم وعدم تحقيق النهضة العلمية.
الإجابة السائدة في الفكر العربي حاليا هي أن السبب في عدم حدوث النهضة العلمية هو الأنظمة السياسية الحاكمة التي جمدت الحريات وجمدت الإبداع فأصبحت طاردة للعقول العلمية. إضافة إلى نقص التمويل اللازم للبحث العلمي عن معدلاته المناسبة وانخفاض مستوى التعليم الجامعي وما فوق الجامعي. وانشغال الغالبية من عموم الشعب بتوفير سبل الحياة بحيث لا يكون هناك مجال للتفرغ للإبداع العلمي. الى آخر هذه العوامل، والتي تعبر في مجموعها عن تدني معدلات التنمية البشرية في كافة جوانبها.
ليس هناك من شك في أن هذه العوامل هي عوامل صحيحة ومؤثرة سلبا بشكل كبير على الارتباط بين العلم والمجتمع. ولكن الحقيقة أن هناك عوامل أكثر عمقا تمثل أسبابا أكثر جوهرية أدت إلى هذه النتيجة. وهذه العوامل ترتبط بشكل أساسي بالعلاقة بين طبيعة الفكر المستقر في أعماق الفرد في المجتمع العربي وبين تصورات العلم الحديث. وهذه الطبيعة جزء منها مرتبط بالتصورات المستقرة في الأذهان عن موقف الدين من العلم، من ناحية، وعن موقف العلم من الدين، من ناحية أخرى. وجزء منها مرتبط برسوخ بعض التصورات والتقاليد المعادية من حيث المبدأ للتفكير العلمي الصحيح.
فسوء أداء الأنظمة العربية وحده ليس كافيا لمنع ظهور التوجهات العلمية والابتكارات التكنولوجية وحب العلم للعلم باعتباره قيمة في ذاته، أو لمنع انتشاره في تصرفات الناس الطبيعية في المجتمع..الخ. فضعف النظام المجتمعي وكبت الحرية يضعف الأداء في كافة نواحيه ولكنه لا ينهيه تماما كما هو الحال مع العلم. فعلى سبيل المثال رغم ما مر به المجتمع المصري خلال القرن العشرين ظهر الفن المصري متميزا في أنواع عديدة من الفنون، وظهر حب الفن للفن وقامت مبادرات أهلية عديدة لدعم الفن والفنانين. كذلك تطور النشاط الرياضي وظهر الاهتمام، الذي هو أحيانا مبالغ فيه، بالرياضة والرياضيين. وظهرت جمعيات أهلية عديدة في كافة نواحي أنشطة المجتمع المدني، وظهرت حركات الدفاع عن المرأة وترقيتها ومشاركتها في المجتمع. فقط العلم، بما يرتبط به من تعليم وعلماء وبحث علمي، سقط تماما من اهتمام المجتمع العربي.
أي أن العائق الحقيقي لتغلغل العلم في المجتمع العربي هو عائق على مستوى أعمق من مستوى النظم المجتمعية السائدة، هو عائق على مستوى التصورات الفكرية أكثر منه على مستوى الواقع المعاش.
1 - الأسباب الحقيقية الفشل
ولتحديد الأسباب الحقيقية لعدم تغلغل العلم في المجتمعات العربية من الضروري إدراك أن العلم الحديث ليس مجرد تصور عن الأسلوب التجريبي الصحيح للتعامل مع الطبيعة، وإنما هو مفهوم مرتبط بفكر الحداثة ومفاهيمها الأساسية. فقد تمثلت المفاهيم الأساسية للعلم الحديث في الموضوعية، بمعنى الانفصال التام للعلم عن التوجهات الذاتية للفرد العالم والمجتمع ككل. وانتظام الطبيعة ومنطقيتها والقدرة المطلقة للعقل على معرفة كافة حقائق الكون. والحتمية الصارمة، بمعنى أن كل حوادث الكون ناتجة بشكل حتمي عن حالة الكون في اللحظة الحالية، ويمكن معرفتها بشكل كامل إذا أمكن معرفة كل شيء عن الكون حاليا.
وحينما حاول الفكر العربي الحديث معالجة قضية العلاقة بين العلم والمجتمع تمت معالجتها على مستوى السطح فقط. أي على مستوى نقل المعارف والنظم العلمية فقط، بدون تناول المستويات الأعمق للموضوع. ولم تجر أية محاولات لإنشاء العلاقة بين الأسس الفكرية للعلم الحديث وبين الأسس الفكرية للثقافة العربية. فظهرت الأنظمة المزدوجة، تعليم حديث وتعليم أزهري، قضاء حديث وقضاء شرعي، وانفصلت الشخصية العربية ما بين مقتضيات العلم الحديث في الدراسة والعلم وما بين التصورات التقليدية الكامنة في اللاوعي.
ونتيجة لعدم بذل أي مجهود فكري على مستوى الأسس الفكرية ظل العلم مفهوما سطحيا بالنسبة للمجتمعات العربية. العلم التجريبي هو وظيفة للفرد أكثر منه اي شيء آخر، وظيفة للمعلم، ووظيفة للباحث، ووظيفة للدارس. لذلك لم ينشأ اي نوع من البحث العلمي المستقل عن الغرب ولا أي نوع من الابتكار التكنولوجي حتى ولو كان في تطبيقات بسيطة لا تحتاج إلى تكنولوجيا ومعارف معقدة. وظلت المكونات الثقافية التقليدية للإنسان العربي كامنة كما هي، متعارضة أحيانا، ومحايدة أحيانا أخرى، مع التصورات الأساسية للعلم الحديث. كما ظهر التناقض واضحا في تصرفات الممارسين للعلم، أي العلماء، ما بين تطبيقهم للمفاهيم العلمية في أبحاثهم وما بين أسلوب حياتهم خارج مؤسساتهم البحثية.
ولم يكن هذا الموقف مختلفا أو شاذا عن موقف الفكر العربي على وجه العموم في هذه المرحلة من التحديث. فالموقف السائد حتى الآن هو التوفيقية، أي التوفيق السطحي بين التصورات الحديثة الغربية وبين النظم المجتمعية القائمة بدون محاولة معالجة الخلفيات الثقافية المختلفة بين الجانبين. فالفكر التوفيقي هذا لم يكن السمة المميزة لمعالجة قضية العلم فقط، وإنما لكافة الجوانب التحديثية للمجتمع.
ولأن المحاولة التوفيقية لجعل العلم أساسا للنهضة لم تنجح يصبح من الضروري معالجة المشكلة على المستوى الأعمق، وهو إنشاء العلاقة الصحيحة بين ثقافة الذات ونظرتها إلى العالم وبين العلم الحديث.
ويعتمد تصورنا لمعالجة هذه القضية على أن هناك جانبين للمشكلة، أحدهما مرتبط بتصورات الثقافة الإسلامية عن العالم ككل وعن العلم، كجزء منها. والآخر مرتبط بالتصورات العلمية الحديثة عن العالم. فإذا تقاربت، أو حتى اختلفت قليلا مع عدم التعارض، تصوراتنا عن العالم، مع التصورات العلمية عنه كانت النتيجة إزالة التعارض الكامن في العقل العربي. وهذا التصور يرتكز على مفهوم أساسي مستقر في الأدبيات العلمية والفلسفية هو مفهوم "صورة العالم" أو النظرة إلى العالم "Worldview".
ولتحقيق ذلك نحتاج إلى وضع صياغة لنظرة الثقافة الإسلامية للعالم على وجه العموم، و لأسس المعرفة فيها، على وجه الخصوص، بشكل يسمح بمقارنتها بالتصورات العلمية عن العالم. وعلى الجانب العلمي يحتاج الأمر إلى طرح الصورة العلمية المعاصرة للعالم بحيث يمكن مقارنتها بصورة العالم في الثقافة الإسلامية. ولأن صورة العالم التي يطرحها العلم الحديث قد تغيرت بشكل جذري في العقدين الأخيرين كنتيجة لظهور تصورات علمية جديدة عديدة بدأت مع ظهور نظرية ميكانيكا الكم ولم تتوقف حتى الآن . لذلك يصبح استعراض التطورات العلمية الجديدة المعاصرة وأثرها على التصور العلمي للعالم مهمة أساسية بالنسبة لموضوعنا. وذلك قبل الشروع في بيان العلاقة بين نظرة الثقافة الإسلامية ونظرة العلم الحديث للعالم .
ولسوف يظهر من سياق استعراضنا للتطورات المعاصرة في العلم وللتصورات العلمية الجديدة التي انتجتها أن هذه التطورات تخدم القضية التي نحن بصددها. ولسوف يتبين أيضا من هذه التطورات أنه كانت هناك أسبابا موضوعية للتعارض بين الثقافة الإسلامية والعلم الحديث ليست كلها تخص تصورات هذه الثقافة. وإنما هي في جزء ليس قليل منها تخص التصورات العلمية الحديثة التي أصبحت كلاسيكية الآن. بمعنى آخر، نتيجة للتصورات الجديدة المعاصرة للمعرفة العلمية، والنظرة إلى العالم التي تطرحها، أصبحت مهمة حل التعارض بين العقل العربي والإسلامي وبين العلم الحديث أقل صعوبة، وإن كانت لا تخلو من صعوبة على أية حال.

الصفحات