كتاب " الفلسفة والتسامح والبيئة "، تأليف فريال حسن خليفة ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الفلسفة والتسامح والبيئة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الفلسفة والتسامح والبيئة
ثانيا : البعد الأول في معنى الفلسفة هو المعرفة
المعرفة بصفتها بعدا أساسيا لمعنى الفلسفة ليس المقصود بها مجرد المعلومات ، فنظرية المعرفة إنما تجسد منهج الفيلسوف في البحث والنظر ، وفي الفكر وفي الواقع بكل أبعاده وأشكاله الثقافية والسياسية والاجتماعية ، ومسار تطور المعرفة الإنسانية من المرحلة البدائية حتى العصر الحديث هو مسار التحرر من الغيبيات والخرافات . كما أن تطور المعرفة وتنوع أشكالها ما هو إلا تطور في الرؤى المنهجية ، وتباينها بين فيلسوف وآخر .
واعتبار نظرية المعرفة بعدا أساسيا في معنى الفلسفة ليس فيه إنكار لبعد الوجود . وذلك لأن " نظرية المعرفة تتضمن - باعتبارها شرطا أوليا - الاعتراف بموضوعية العالم ، ولا يستطيع المرء أن ينظر إليها خارج النظرة إلى العالم"(4) .
1 - المعرفة والأسطورة قبل نشأة الفلسفة :
يمكن القول إن المعرفة معاصرة لوجود الجنس البشرى ، ومن ثم فالمعرفة موجودة قبل أن تكون فلسفة ، ولكن ثمة فارق بين المعرفة باعتبارها نظرية أو وعيا منهجيا في الفلسفة وبين المعرفة قبل نشأة الفلسفة ، حيث المعرفة قبل ظهور الفلسفة مختلطة بالأساطير والعقائد الدينية ، وكانت الأسطورة هي مصدر الوعي عند الإنسان . والأسطورة - كما يقول هيجل - هي : " تعبير عن عجز الفكر في أن ينهض مستقلا بذاته . " وليس العجز هنا بالمعنى البيولوجى ، بل قضية تطور شكلت فيها الأسطورة البداية الأولى أو المصدر الأول للوعي الإنساني قبل نشــأة الفكر الفلسفي خلال القرنين 7 ، 6 ق . م في الصين والهند ومصر واليونان القديمة"(5) .
وعندما صاغ قدماء اليونان مصطلح فلسفة بمعنى " حب الحكمة "لم يكن هناك أدنى اختلاف بين اليونانيين حول ما يجب اعتباره حكمة . حيث كانت الحكمة تنسب للآلهة أو على الأقل للبعض منهم . وكانت أثينا معبودة عند الإغريق بوصفها إلهة الحكمة ، وصورت في تمثال " البومة " لأن البومة ينظر إليها بوصفها طائرا مقدسا باعتبارها قادرة على الرؤية فى الظلام ، وبالتالي فإن ما يعتبره اليونانيون حكمة هو معرفة الأشياء التي هم على جهل بها ولا يستطيعون فهمها ، لأن الحكمة - وفقا للميثولوجيا - هي نبوءة خاصة تمنحها الآلهة لأفراد مختارين تخصهم بالحكمة مثلما تخصهم بكل الفضائل الإنسانية الأخرى"(6) .
ولذلك يقول هوميروس : "إن العراف أو الكاهن عالم بالماضى والحاضر والمستقبل، والتكهن بالغيب هو منحة من أبولو إله الجمال والشعر والموسيقى". معنى هذا أن الحكمة في المجتمع البدائي هي معرفة المجهول ومصدر هذه المعرفة هو الأسطورة . ومن هنا لم تكن الحكمة تشكل وجهة نظر خاصة بالفرد بل هي وعى اجتماعي عام للقبيلة ، لأن القبيلة كانت هي العنصر الفعال ، فهي مجتمع تذوب فيه الفردية والتميز . وهذا يفضي إلى أن ظهور الفلسفة يتوافق وتشكيل المجتمع الطبقي حيث تظهر فاعليات الفرد ولكن يظل المجتمع الطبقي في بداياته الأولى موجهًا بالتصورات الأسطورية ، باعتبار الأسطورة وعيا اجتماعيا سائدا وموروثا له فاعلياته في ذلك الوقت .

