أنت هنا

قراءة كتاب الفعل السياسي بوصفه ثورة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفعل السياسي بوصفه ثورة

الفعل السياسي بوصفه ثورة

كتاب " الفعل السياسي بوصفه ثورة " ، تأليف مجموعة مؤلفين ، الذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

تقديم

د. محمد شوقي الزين

كانت الفيلسوفة الألمانية الأميركية حنّه آرنت الغائب في الدراسات الفلسفية العربية ما عدا بعض المقالات أو الترجمات أو الكتب الضئيلة (1) أو الرسائل الجامعية التي ننتظر يوماً أن تخرج إلى النور لتفيد القارئ العربي بالأفكار الأصيلة والتثويرية لهذه الفيلسوفة. بعض أعمالها مثل «الشرط الإنساني» ( 1958 )، «حياة الفكر» ( 1978 )، «محاولات في الفهم» ( 1983 )، «قراءات في الفلسفة السياسية عند كانط» ( 1992 )، «المسؤولية والحكم» ( 2003 ) هي في حاجة ماسّة إلى الترجمة. أقول كانت غائبة بالمقارنة مع كثافة الدراسات والترجمات والكتب والملتقيات المخصَّصة لها في القارات الخمس من العالم. تأتي هذه المحاولة لتلبّي الحاجة وتضطلع بقراءة في أفكار آرنت من زوايا مختلفة وتشمل مباحث متنوّعة لها علاقة بالفاعلية البشرية وسؤال الحرية ومسألة السياسة والفضاء العمومي ومعضلة العنف والاستبداد بالإضافة إلى مباحث الثقافة والتربية والتاريخ والتراث. في ظل الانتفاضات الحامية الوطيس التي مرّت بها الرقعة الجغرافية العربية ولاتزال تتكبّد هزّاتها الثانوية، ألا تُشكّل أفكار آرنت مادّة دسمة وثريّة في قراءة الشرط الإنساني العربي؟ ألا يمكن لنظرياتها في السياسة والحرية أن تُضيء بعض الزوايا المعتمة من وجودنا وحياتنا؟ يشتغل فكر آرنت كـ«نسق فلسفي» تتعاضد فيه المفاهيم وتتحوّل وتتّخذ مواقع جديدة تبعاً للتفسير الممكن وضعه بشأن تطوّر السياسة أو الثقافة عبر التاريخ. يمكن أن نطرح جُملة من البداهات التي التزمت بها آرنت طيلة مشوارها الفكري والتي تُدبّر الهيكل العام لكتاباتها الفلسفية والسياسية. تكمن هذه البداهات في اعتبار الحرية جوهر السياسة؛ وأنّ هذه الحرية لا تتحقّق سوى في السياسة.

كيف ذلك وبأيّ معنى؟ يمكن إيضاح بعض المفاتيح المفهومية التي جعلت من هذه الفكرة بداهة ممكنة. فالحرية ترتبط بالفعل والسياسة ترتبط أيضاً بالفعل، فلا يمكن للحرية أن تتحقّق سوى في المجال السياسي؛ ونقصد بذلك مجال الفضاء العمومي والتشاور والسجال لتشكيل رؤية جمالية حول الوجود البشري يتحقّق فيها الخير والعدل وكل المقولات التي شكّلت بدورها المعجم الثريّ والخصب لدى القدماء. فماذا تقصد آرنت بالحرية والسياسة والفعل؟ هذا ما يعكف هذا الكتاب على مقاربته. إنّ الثلاثية «العمل والأثر والفعل» هي ثلاثية جوهرية في كتابات آرنت، بينها علاقات متحوّلة وليست ثابتة، علاقات لم تنفكّ عن التطوّر والتقهقر عبر التاريخ؛ ولذلك جنّدت آرنت الأدوات الفلسفية في قراءة هذه الثلاثية وتبيان المواطن التي أصبحت فيها هذه الثلاثية لعبة شطرنج تتحوّل فيها المقولات تبعاً للعصور والعقليات. إذا اختفى الفعل في السياسة، فما الأمر الذي حلّ مكانه؟ هل هو العمل؟ هل هو الأثر؟ وقبل كل شيء، ما الذي نعنيه بهذه المفاهيم؟ كيف ترتّبت هذه المفاهيم وتحوّلت؟ وقبل كل شيء، على أيّ أساس بُنيت وتطوّرت؟ هذا ما تحاول الدراسات المجموعة في طيات هذا الكتاب الإجابة عنه. أشير إلى أنّ المعرّبين ليسوا متّفقين حول المفردات المناسبة: «الكدح ـ العمل ـ الفعل» (علي عبود)؛ «العمل ـ الحِرفة ـ الفعل» (زهير الخويلدي)؛ «الشغل ـ العمل ـ الفعل» (عبد الإله دعال)؛ وأخيراً اقتراح المفكّر طه عبد الرحمن «الشغل ـ الصنع ـ العمل» في كتابه «سؤال العمل: بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم» (2) .

لا يمكن أن نفرض مصطلحاً ما لم نوضّح كل الأبعاد التقنية واللغوية والفكرية التي تتفق مع المقاصد النظرية للفيلسوفة، ولأنني أنطلق من قناعة راسخة وهي أنّ «المتعذّر ترجمته» ( intraduisible ) هو فاتحة ثراء وتنوّع ومواظبة في البحث ، ولأنّ المقولات ليست بالضرورة مترادفات، بل هناك معطيات تاريخية وإيديولوجية تحدّد خاصية كل مفهوم وتُلبسه هذه الدلالة أو تلك في هذا العصر أو ذاك تبعاً لهذا النزوع المهيمن أو ذاك. إذا كنتُ أميل إلى الأخذ بهذه المفردات (العمل ـ الأثر ـ الفعل)، فلأنّ «العمل» هنا ليس فقط الكدح أو الشغل (اليدوي خصوصاً) ولكن «عمل» الأجهزة الهضمية والتناسلية، أي الكائن البشري برمّته، بأعضائه وأجهزته، في «عمل» ويشترك في ذلك مع الحيوان، لأنّ آرنت تربط هذا النظام بالحياة في وظائفها العضوية والبيولوجية، عكس الفعل الذي يرتبط بالعالم (بالمعنى الفينومينولوجي، وخصوصاً المعنى الهايدغري الذي أخذت به)؛ و « الأثر» هو البصمة، ما يتركه الإنسان من أدوات وصنائع ويدخل في نطاق «الشيئية» (أشياء يدوية، لوحات فنية، نصوص شعرية أو نثرية مكتوبة، إلخ)، واختيار «الأثر» له مسوّغ من حيث أنّه يحيل إلى «الأثر الفني» الذي جعلته آرنت في نطاق «العالم»، لا في نطاق «الحياة». أخيراً، «الفعل» هو المباشرة بالمعنى التداولي (أن تقول هو أن تفعل كما يسلّم التداوليون مثل أوستن وسيرل ) وبالمعنى الأدائي كأداء عبقري لسيمفونية أو رقصة. لهذا السبب تربط آرنت الفعل بلحظة الميلاد (حدث جديد) وبالمعجزة (شيء يفتتح الوجود )، أي أنه ينخرط بحذافيره في العالم فقط.

هذه الثلاثية هي «العمود الفقري» الذي يشدّ أجزاء الهيكل العام لفكر آرنت وكل التنظيرات حول السياسة والعنف والثقافة والثورة هي مبنية على هذا الأساس ولعبة التبادل بين المقولات: اقتحام العمل للأثر هو طغيان الحياة على المجتمع، ويتحوّل الفعل (السياسة) إلى مجرّد عيالة الأفراد بتوفير المأكل والمسكن والمنكح أو ما يسميه ميشال فوكو «السياسة الحيوية» ( biopolitique )؛ اقتحام الأثر للفعل هو طغيان النموذج الاجتماعي على الأداء السياسي، حيث يتمّ نقل نموذج الأب الراعي للأسرة (النشاط الخاص: priv é ) إلى الحاكم العائل للمجتمع (النشاط العام: public )، ونقل نموذج الأثر من صُنع وفبركة إلى النظام السياسي والقضائي بحياكة القوانين وفبركة الأحكام، إلخ. ويتعرّض هذا النموذج إلى الجحوظ باستعمال «الأثر التقني» لتدعيم النشاط السياسي: تقنية الردع والتسلط بالبيروقراطية والعنف واستخدام السلاح من أجل القهر والاستبداد، وهي حالات شاذّة ولاإنسانية ميّزت الأنظمة التوتاليتارية (الكلانية، الاستبدادية) عندما أصبح الفعل السياسي فيها عبارة عن «أثر تقني» في تجميع القوّة وبسط الهيمنة وتطويع الحشود، إلخ؛ وهو أمر توقفت عنده دراسات علي عبود ونادرة السنوسي وعامر عبد زيد ورشيد العلوي ورفقة رعد، ومحمد بكاي. فكما نرى ، التغيّر في أنظمة السلوك والحكم السياسي، بين تطوّرها أو تقهقرها، هو رهين هذه «اللعبة في الشطرنج» بين المقولات التأسيسية للفاعلية البشرية. فإمّا «تنقبض» هذه الأشكال وتصبح أدوات تخدم «جدلية الوسائل والغايات» كما تسميها آرنت وتتعدّى حدود بعضها البعض، أو «تنبسط» لتصبح أشكالاً مرنة تنفرد بالاضطلاع بمهام حصرية وإقليمية تخص الثقافة والتربية والوعي التاريخي والسجال في الفضاء العمومي وقضايا الفكر والمسؤولية والحكم والأخلاق وهي مسألة عالجتها بحوث زهير الخويلدي والعياشي الدراوي وأنيس المليتي ونبيل فازيو ومديحة دبابي وهيفاء النكيّس وسعاد حمداش.

و انفردت دراسات علي عبود ومحمد جلوب الفرحان ونداء ابراهيم خليل بتقديم سيرة ذاتية عن الفيلسوفة ومواقفها الفلسفية تجاه عصر عاينته بثقله الإيديولوجي وتراجيديته البشرية وثرائه الفكري والنظري. وتكفّلت أماني أبو رحمة وعبد الرحمن باجودة وحاج محمد وجهاد شارف ونبيل فازيو بتعريب بعض المقالات الأساسية للفيلسوفة للاطلاع المباشر على أفكارها ومواقفها الفلسفية والسياسية.

يعتبر هذا العمل إضافة مفيدة إلى المكتبة العربية في انتظار دراسات وقراءات أخرى تُبرز جوانب أخرى من الحياة الفكرية والنضالية للفيلسوفة حنّه آرنت.

حنّه آرنت: كشف انحجاب الفعل ونسيانه،

أو في م لابسات الوضع الإنساني.

د. علي عبود المحمداوي

مدرس الفلسفة في كلية الآداب

جامعة بغداد ـ العراق

الصفحات