أنت هنا

قراءة كتاب بحث في الإقتصاد العادل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بحث في الإقتصاد العادل

بحث في الإقتصاد العادل

كتاب " بحث في الإقتصاد العادل " ، تأليف بيار كالام ، ترجمه إلى العربية محمد صالح فليس ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدّمـــــــة

الدرّاجة وسنتريون(*)

هذا الكتاب هو قبل كلّ شيء مسار بحث وتقصٍّ مع ما يتضمنه ذلك من تجريب؛ ذلك أنَّ المشاركة النشطة في حركيّة عالميّة غير رسميّة، متمثّلة في التحالف من أجل عالم مسؤول، تعدديّ ومتضامن (ت أ ع م م AMSR)، وبتحديد أكثر، في الجمعيّة العالميّة للمواطنين التي التأمت في مدينة ليلّ فيكانونالأوّل/ديسمبر 2001 أقنعتني بأنَّ ثلاثة تحوّلات يجب أن يصار إلى تحقيقها في القرن الواحد والعشرين: الأوّل يتعلّق بالحوكمة لبلوغ تسيير ترابطات جديدة في طبيعتها ومداها وحجمها. الثاني يخص المنظومة الأخلاقيّة لبلوغ تأسيس مقوّمات «العيش المشترك» لمختلف الحضارات، ومختلف الأوساط على قاعدة قيم مشتركة. أمّا الثالث فهو الانتقال من أنموذج للتنمية غير قابل للحياة إلى مجتمع مستدام. ولقد تقدّمنا فيما يخص النقطتين الأولى والثانية بإعلان المبادئ العامّة للحوكمة، وبتبنّي ميثاق المهمات الإنسانيّة الموفرة لعناصر قاعدة من المبادئ الأخلاقيّة المشتركة. ولكن كيف ننتقل من أنموذج للتنمية غير قابل للحياة إلى مجتمع مستدام؟

إن جوهر المشكلة يكمن في نظام الإنتاج والتبادل الذي نعيشه، وكذلك في النظريّة الاقتصاديّة التي يستند إليها هذا النظام، ومعها الفاعلون الأقوياء الذين ينجزون هيكلته. ولكن بماذا يمكن استبدال هذا الواقع؟ لقد تركنا انهيار الشيوعيّة التاريخيّة أيتاماً مفتقدين الحلم. أليس ثمة بديل لأنموذج اقتصاد السّوق السائد، وعقيدته والفاعلين في إطاره؟ فسوق الأفكار لا يخلو من مقترحات، بدءاً من الانكفاء على المحليّ إلى الاقتصاد التضامنيّ مروراً بالتراجع في النمو، ولكن كلّها مقترحات لم تسد جوعي.

فنظامنا الراهن يرتكز على توازن الدرّاجة، هذا التوازن الذي لا يستمدّ وجوده إلّا من الحركيّة، ومن نمو الاستهلاك، خصوصاً وأنَّ استهلاك الطّاقة والموارد الطبيعيّة في تناقض صارخ مع محدودية إمكانات المحيط الحيويّ. أمّا عن التعديلات المقترحة على النظام الحاليّ، والتي يرمز إليها بالمضادّين التنمية المستدامة، فإنَّها تذكّرني بالسنتريون لـ«أستيريكس» (Astérix) الذي، ظناً منه أنَّه تجرّع الدواء السحريّ، يحاول رفع الصخور ثم أحجاراً أصغر فأصغر لينتهي برفع حصاة صغيرة صائحاً: «إنَّني قويّ إنَّني قويّ!»، ولن يكون لنا خلاص على يد مثل هذا القائد الممتطي دراجته.

على هذا النحو انطلق بحثي عن بديل حقيقيّ على قدر الرهانات. وكان عليّ أن أتحاشى الانغلاق داخل العقائد، أيّاً كان منشأها، وأيّاً كانت مغرية وجذّابة. وكان عليّ العودة، بمثابرة، إلى الواقع، وكذلك إلى المعرفة التي بإمكاننا بلوغها وإن ظلّت جزئيّة.

لقد اعتمدت مرحلتين عكسهما الكتاب بقسميه. الأولى كانت مرحلة الجرد، وتهديم ما قدّم لنا على أنَّه في الغالب مسلّمات خارجة عن الزمان: ومن ثمّة فقد لُذْتُ بالتاريخ الواسع اقتناعاً منّي بضرورة فهم مصدر «كلّ هذا». بعد ذلك كان عليّ أن أكوّن فكرة مدعّمة بأفضل وجه، وموضوعيّة قدر الإمكان، حول فضائل الإجماليّة الاقتصاديّة وحدودها. وهذا ما قادني إذاً إلى إجراء دراسة نقديّة للنظريّات المتوافرة، ثم لتقويم إمكانات التجديد التي انطوت عليها مختلف محاولات البحث عن البدائل، وانتهى بي الأمر إلى الاستنتاج القاضي بضرورة بناء نظريّ أكثر تقدّماً. على أنَّ مصطلح «الاقتصاد» كان مشحوناً بالمعاني بدرجة عالية، وشديد الارتباط بالنظريّات والممارسات السائدة إلى درجة بدت معها محاولة تغيير مساره غير ذات جدوى؛ وعندها قررت، طبقاً للأصل الاشتقاقيّ، أن أسمّي «الاقتصاد العادل» ما نطمح إليه على كثرتنا، أي قواعد اللعبة لعمليّتي الإنتاج والتبادل اللتين تضمنان، على السواء، رفاهية الكائنات البشريّة والعدالة بين المجتمعات، والحفاظ على المحيط الحيويّ، وعلى حقوق الأجيال المقبلة. وبذلك فإنَّ القسم الأوّل يختتم، منطقياً، بمنطوق الاقتصاد العادل ودفتر شروطه الذي يبيّن أنَّ الاقتصاد العادل لا يسعى لأهداف أخرى غير الأهداف العامّة للحوكمة؛ فليس على هذه الأخيرة أن تكون خادمة «القوانين الاقتصاديّة» المرفوعة إلى مصاف «القوانين الطبيعيّة»، ولكنَّ الاقتصاد العادل هو فرع من الحوكمة.

لقد كان هذا الإثبات على بساطته الظاهرية، بالنّسبة إليّ، ينطوي على جدوى أساسيّة، إذ إنَّه يسمح بصوغ الاقتصاد العادل بتطبيق المعارف المحققة في مجال الحوكمة عليه. وهذا ما قمت به بطريقة مكثّفة بالتّدرّج من العامّ إلى الخاصّ، وبإبراز البون بين أسلوب السير الحاليّ للاقتصاد وما أدت إليه مبادئ الحوكمة. وهذا قادني، مثلاً، إلى التأكيد على ما من شأنه أن يبني ويحافظ على العلاقات بين البشر والمجتمعات والمحيط الحيويّ، والخروج من التناقضات البسيطة بين رأس المال والعمل، بين الخيرات القابلة للاتجار بها والخيرات غير القابلة، وإلى التصريح بشروط شرعيّة الاقتصاد العادل وإلى إعادة تعريف الروابط بين الاقتصاد العادل والديمقراطيّة، وتعويض الزوج المركزيّ للاقتصاد الحاليّ – المنشأة والدولة – بزوج آخر – السّلسلة والمقاطعة؛ ولتوضيح أنَّها ستكون ترتيبات مؤسّسيّة محكمة بالنّسبة إلى الأولى، والتي تؤلف السّلسلة العمودية للنسيج الاقتصاديّ، وكذلك بالنّسبة إلى الثانية التي هي اللّحمة الأفقية؛ وأخيراً لوضع أسس نظام نقديّ وماليّ جديد.

ولقد واكبت هذا التسلسل في فترات الصيف عندما كنت أتمكّن من التفرّغ نسبيّاً من إدارة (مشلم) خلال المدّة بين حزيران/يونيه 2005 وآب/أغسطس 2008، على أنَّ التسلسل‏ قد غذّته ملاحظات وتفكير ترسّب طوال أربعين عاماً. ولم يكن بوسعي أن أنهي السّبر من دون العون الناجع لأورورلالوك (Aurore Lalucq) التي مكّنتني من أن أوضح دغل الأدب الاقتصاديّ، والتي نجحت، بانتظام، في العثور على المعلومات الثمينة للإجابة عن تساؤلاتي. وكذلك من دون التسامح الودود لزوجتي پوليت (Paulette) التي قبلت المشاق لاقتناعها بضرورة هذا البحث، فإلى كلتيهما عبارات شكري الحارة.

وبمجرّد الفراغ من إعداد مخطوط الكتاب دخلنا في تشرين أيلول/سبتمبر، عام2008، في المرحلة الثانية من الأزمة الماليّة ثم الاقتصاديّة التي أطلقتها الأزمة الأميركيّة لانهيار الهرم بسبب العجز عن تسديد سندات الرهنيّات العقاريّة الأميركيّة (Subprimes). لقد كنّا ندرك أنَّ هذه المرحلة الثانية سوف تحدث، وقد قدّمت الأسباب في الكتاب. على أنَّ إذاعة نشرة جوية تعلن عن مجيء زوبعة قد حدثت، هو بمثابة التكهّن بنتائج لعبة الحظ بعد الإعلان عنها. ماذا كان يجب عمله؟ كان تفكيري أنَّ التحليل الذي خضته والمقترحات التي نتجت عنه لا تكتسي أيّ بُعد ظرفيّ؛ إذ إنَّ الأزمة، بعيداً من تجاوزه، أعطت للتحليل وللمقترحات المتمخّضة عنه مزيداً من التحيين ومن الضرورة، ففضلت إذاً إبقاء النص على حاله والبرهان كما تطوّر في شريط الفصول، مع سد الفراغات هنا أو هناك في أسفل الصفحات كلما أتت الأحداث الجديدة بأضواء إضافية، وأترك للقارئ أمر الحكم على وجاهة هذا الاختيار.

كلمة أخيرة، مرّة جديدة، حول طريقة استعمال هذا المؤلَّف، فهو وإن صيغ في شكل بحث فإنَّه لا يقرأ كما تقرأ القصة البوليسية، ولذلك فقد كتبت فهرساً مصحوباً بحوصلة لكلّ فقرة، حتّى يتمكّن كلّ قارئ من الولوج عبر المقتطف الذي يختاره على أمل أن يكون راغباً، بعد ذلك، في قراءة مقتطفات أخرى بدافع من حب الاطلاع المتيقظ.

الصفحات