كتاب "تحولات الصورة" للكاتب أثير السادة، يناقش من خلاله أهمية الصورة على واقعنا المعاش من كافة جوانبه، الاجتماعية والسياسية، فهل الصورة فعلاً تختصر تعقيدات الحياة، وتختصر تناقضاتها؟
أنت هنا
قراءة كتاب تحولات الصورة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
صورة الصورة
حين كان آباؤنا يصفون الصورة بـ"العكس" كانوا يشيرون بنحو أو بآخر إلى آلية اشتغال هذا الجهاز الجديد على عالمهم، فقد وجدوا فيه قدرة على عكس صور الأشياء، تماماً كما تصنع المرايا، فامتدَّ الوصف ليصبح المصور عكاساً ومجموع الصور عكوساً وهكذا.
لقد كانت تلك إشارة أولية إلى طبيعة وعينا للصورة الفوتوغرافية، ولعل الاستخدام الشعبي لمفردة "عكس" يبدو مخالفاً للمعنى القاموسي، غير أنه واضح بأن المراد منه فعل الانعكاس، أي انعكاس صورة المرئي على رقائق التصوير آنذاك.
لم يكن السؤال عن ماهية الصورة الفوتوغرافية وحقيقتها يتجاوز هذا الحد في الوعي الجمعي، إلا أن الخطاب الديني الذي ظل متحفظاً على هذه الممارسة انشغل مبكراً في توصيف دور الإنسان في هذه العملية، فالذين انتهوا إلى تحريم التصوير كانوا يرون بأن في ذلك مضاهاة لفعل الخالق، وهم يجمعون في ذلك بين التصوير باليد وبالآلة، وبين الصورة المنحوتة وَالصورة المطبوعة، وبعضهم توقف عن القول بالحرمة على اعتبار أن فعل التصوير بالكاميرا هو فعل الآلة أولاً، ونقل للشيء على صورته ثانياً، أي أن الصورة هي انطباع للشيء كما خلقه الله دون مضاهاة.
هذا السجال الديني على ما فيه من تعميم أحياناً وتسطيح أحياناً أخرى، بدا قريباً من سجالات قديمة وأخرى متقدمة في فضاء الصورة الفوتوغرافية، تختص بحقيقة الصورة، وبحقيقة اتصال الصورة المباشر بالحقيقة، ومدى تأثير المصور والآلة في إنتاج المعنى والحقيقة في هذه الصور.
كانت النظرة السائدة منذ البدايات أن الصورة هي منتج جاهز تصنعه الآلة، ولذلك كانت موضع تشكيك في جدارة انتسابها للفن، فعلى خلاف الممارسات الإبداعية الأخرى التي هي من صنيعة الإنسان، وبالأحرى صنيعة يده التي كانت تكتب وترسم، بدت الصورة الفوتوغرافية التي تستند إلى الضوء في وجودها مجرد إعادة إنتاج ميكانيكي للحظة الأصلية، للموضوع المنظور، أي أنها بالنتيجة ليست سوى هذا الجهد لاستثمار مصدر الضوء لإبصار الأجسام وخلق أشباه لها على الورق ضمن عمليات كيميائية خاصة بالاستظهار.