أنت هنا

قراءة كتاب بول ريكور والفلسفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بول ريكور والفلسفة

بول ريكور والفلسفة

هذا الكتاب الذي أشرف عليه د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

وها هنا سيقحم ريكور اللغة لفهم هذه المعاني وإزالة اللبس الذي أضفته التفسيرات على المعنى الأصلي للأشياء.
- نحو نشريح لغوي لسؤال الذات والآخر:
لعل البداية التأسيسية لدراسة الذات والآخر لدى ريكور تتماهى بطريقة تفكيكية، وذلك عقب النكسات التي شهدها مفهومي الذات والأنا، لذا ستكون أول مرحلة ريكورية في ضبط المفاهيم تتمثل في تحديد الإطار المنهجي لسؤال الذات والآخر، "فنحن نسأل عن الذات بالقدر الذي نهم فيه بالإجابة عن سؤال من؟ وليس عن السؤال ماذا؟ أو لماذا؟ على هذا النحو فإن مقولات القول والقائل، ثم القدرة على الفعل والفاعل، ثم السرد والراوي، وأخيرا مسؤولية الأفعال والذات الحاملة للمسؤولية تخضع كلها للاستقصاء الفينومينولوجي"[53].
هذا الاستقصاء الفينومينولوجي سيدفع ببول ريكور إلى إقامة نوع من الفصل بين هذين المفهومين، فعلى المستوى المعجمي فإن هذا التباعد سيتخذ أشكالا مختلفة بحسب "الخصوصيات الصرفية النحوية الخاصة بكل لغة. ومن وراء هذا الترابط الإجمالي القائم بين الكلمة الفرنسية «soi» والكلمة الإنجليزية «self» والألمانية «selbst» والإيطالية «se» والإسبانية «semismo»، فإن قواعد هذه اللغات تتباعد. غير أن هذه التباعدات نفسها معبّرة حين تضيء كل خاصية نحوية صرفية جزءا من المعنى الأساسي المنشود"[54].
هذا التباعد اللغوي بين عدد من اللغات على المستوى النحوي والصرفي يمس بشكل كبير المعنى العام للمفاهيم ويؤثر في وظيفتها، ويمكن هنا مقاربة التعبير «soi» بالفرنسية مع التعبير بالإيطالية «se»: "ففيما يخص اللغة الفرنسية فإن كلمة «soi» تحدد منذ البداية كضمير منفصل يصاحب الفعل الذي يصرف مع ضمير منفصل يصاحب الفعل الذي يصرف مع ضمير الفاعل (..) إلا أن هذا الحظر يرفع إن نحن قاربنا التعبير «soi» من التعبير «se» الذي يتعلق بأفعال بصيغة المصدر"[55].
بعض التعابير والمفردات تتمأسس مفاهيمها من خلال الحيز اللغوي الذي نشأت فيه، فكل لغة تقبل مفاهيم لتعابير معينة أكثر مما تقبله لغة أخرى.
وقبالة هذا المشكل اللغوي ستتماهى مفاهيم الذات والآخر لدى ريكور من خلال مقاربة هذه التباعدات اللغوية، وإقامة إستراتيجية لغوية تعمل أساسا على تذليل المسافات القائمة خلف هذا التعدد اللغوي، فكان لا بد على ريكور قبل الخوض في مسألة الذات والآخر كقضية أخلاقية أن يؤسس لمفاهيمه الخاصة وتمييزها عن باقي أشكال الفهم، ليخلق نسقا تشكله بنى من المفاهيم يؤثر بعضها في الآخر بصفة تركيبية أو تحليلية، بنائية أو تضمنية، والنسق العام الذي يبتغيه ريكور مدخلا لهذه الإشكالية يتمثل في اعتماد صيغ لغوية واضحة لا لبس فيها كي يتمكن لاحقا من ضبطها فلسفيا، وأولى هذه الصيغ التي ضبطها ريكور هي للذات، فالقول "الإشارة للذات، (..) مشتق هو نفسه من قلب إلى اسم للمصدر، "أن يشير المرء إلى نفسه". إن هذه الصيغة هي التي سنعتمدها بعد الآن كصيغة صحيحة متماشية مع القواعد"[56].
عقب هذا الضبط اللغوي سينتقل ريكور إلى المفاهيم المؤسسة لسؤال الغيرية بغية استشراف النصوص الحاملة لها، إذ يرى أن محاولة توضيح معالم هذا السؤال وكشف امتداداته الوجودية لا بد أن يتولد عن وعي زمني عقلاني يتدارك اغتراب هذه المفاهيم وبالتالي اغتراب الفكر في التاريخ. لأن الغيرية باتت تمثل جوهر حركة التاريخ، وأن مستقبل الذات داخل هذا العالم منوط بترتيب مسبق يرزح تحت العلاقات التي تتحدد داخل نسق الغيرية.
إن هذه المساءلة اللغوية والوظيفية حيال مفهوم الغيرية لا يمثل إلا محاولة لنبش ما وراء هذا المفهوم من ممكنات، فالذات بوصف أمر وجودها حقيقة حتمية، فلن تتأتى اكتشافيته واستيعاب طبيعة ومعطيات هذا الوجود إلا من خلال الآخر، باعتبار أن الغيرية تمثل النموذج الإجرائي الموجه لحركية وتغيرات الذات والآخر على حد سواء.
وعليه فلا مناص من تطويق هذه المفاهيم في مجالها التداولي ثم الفلسفي، مع التأكيد على ضرورة التحرر من قيد هذه المفاهيم وإيجاد تقاربات إجرائية بين بعضها على جميع الصعد. ولعل أهم مقاربة سيقيمها ريكور داخل ثنايا هذا الإشكال والذي يحمل الكثير من اللبس في توظيفه سواء على المستوى الإجرائي أو الفلسفي، تتمثل في إقحامه لمفهوم الهوية كمفهوم مركزي يتماهى بناء عليه حدود فهم الميكانـزمات التي تمثل أنجع المسالك لولوج نسق الغيرية، وبالتالي ولوج العالم بذات واعية، وآخر فاعل يحقق التواصل- ولو بشكل نسبـي - بين الذات والعالم.

الصفحات