كتاب " حياة جديدة " ، تأليف لطيفة الحاج قديح ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قدتُطفُأالأضواء في الدروب كلها ،
ويبقى البصيص الأخير..
أنت هنا
قراءة كتاب حياة جديدة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

حياة جديدة
وأمُّ شهد، أُمٌّ رؤوم، تحبُّ ابنتها كثيراً، تسهر على راحتها ليل نهار ولا تتعب. وقد سألها عدنان مرَّة ممازحاً، وهي أمام صورة ابنتها تناجيها:
ـ لماذا لم تنجبي يا "تانت" بنات أخريات مثل شهد، بدلاً من واحدة؟
فأجابتْ باعتزاز: "لقد ملأت شهد عليَّ حياتي، وشغلتني عن العالم بأسره، فلم أشعر بالحاجة للإنجاب مرّة أخرى".
ولم تكن الوالدة تخفي خوفها من زواج ابنتها من شاب حديث التخرُّج، وتؤكّد أمام الجميع على ضرورة إطالة فترة الخطوبة، كون الخطيب لن يستطيع تأمين الاستقرار الماديّ لمنزل الزوجية في فترة قصيرة، ما جعل عدنان يتوجس خيفة من ذلك الحبِّ الذي تكنُّه أم شهد لابنتها، ومن سعيها لتوفير فرص السعادة لها، حسب قاموسها.
وما إنْ مضى زمن قصير على الخطوبة، حتى بدأ عدنان يفكر بإتمام الزواج وبأي ثمن، ضارباً بعرض الحائط كلَّ تلك التعهدات التي قطعها لوالدَيها بمساعدة خطيبته على إنهاء دراستها، وبالتريُّثِ حتى تخرّجها في الجامعة. وقد خاف أن تضيعَ منه حبيبته الجميلة، التي يحسِدُه عليها الكثيرون، ولا سيما أنّ والدتها لا تخفي أنها كانت ترغب بتزويجها من رجلٍ غني يوفر لها العزَّ والجاه اللذين تعوَّدت عليهما. وكيف لا يخاف عدنان وكلُّ مَنْ حول شهد يبتسم لها، ويتمنى رضاها؛ فأصدقاء العائلة ُكثر، ومعظمهم يتبارون في خطب ودِّها، ويتمنّونها لأحدِ أولادهم أو لقريبٍ لهم، فضلاً عن وجود الأب الحنون الذي رضي من الدنيا أن يكون والد شهد وحسب، فكيَّف حياته ونشاطه بما يناسبها. كل ذلك جعل عدنان ينزعج من الاهتمام الشديد بخطيبته، فبات يغار عليها حتى من والديها، فعَمِلَ جاهداً على إقناعها بإتمام الزواج وبسرعة.
إقتنعتْ شهد بوجهة نظر عدنان، فالحبيب لا يرى سوى حسنات حبيبه، وقد يرى سيئاته حسنات، فانساقت خلف أهوائها، وخالفتْ رغبة والديها بتأخير الزواج، وتخلَّتْ عن دراستها الجامعية، لتلتحق بإحدى الدورات المكثَّفة لتعلّم المعلوماتية، التي سوف تؤهِّلها وبسرعة لتأمين وظيفة، تستطيع من خلالها مساعدته في تأسيس منزل الزوجية.
وقد عَمَدَ عدنان الى استئجار منزل صغير، اشترى أثاثه بالتقسيط، ما سوف يضطرّه إلى دفع معظم راتبه، في نهاية كلّ شهر، ولكنَّه لم يهتم لذلك، ظنّاً منه أن والده التاجر سوف يساعده بما يملك من مدّخرات على تسديدها. ولكن "حساب الحقل لم ينطبق مع حساب البيدر"، فما لبثت تجارة الوالد أن تعرَّضَتْ لانتكاسة لم يكن أحدٌ يتوقّعها، فبقيت الديون لتثقل كاهل الخطيب؛ ومع ذلك فقد صمَّم على المضي قدماً بما خطَّط له.
وقد كان قوس قزح الحبِّ قد لوَّن حياة الحبيبين بالسعادة، فظنَّا أنَّه سيدرأُ عنهما المخاطر، وسيحميهما من غدر الزمان، فلم يتريثا في الانتقال إلى عش الزوجية. وعاشا في فرح وهناء عدة شهور، زرعا فيها شوارع العاصمة بمطاعمها، ونواديها، لهواً وتسلية ولعباً، حتى لفظتهما تلك الأماكن، بعد أن أنفقا كلَّ ما بحوزتهما من مال.
وبدخول الفقر والديون إلى حياتهما، تعثّرت خطوات الحبّ، واهتزّ كيانه، ولم تعدْ شَجَرَته تجدُ من يرويها، فأصابها الجفاف، وفقدتْ براعمها وأوراقها. وما عاد النحلُ الذي صنع لهما الرحيقَ شهداً في الشهور الأولى لزواجهما، يجد عندهما المواد الأولية لصناعته!.
ووجدتْ "شهد" نفسها ُمجبَرةً على القبول بعيشة الضَّنْك، فرضيتْ بعمل متواضع، بأجر زهيد، لتستطيع مساعدة زوجها، والإنفاق على نفسها، بعد أنْ عجز عن تلبية طلباتها الكثيرة. وإلى جانب ذلك، بدأ بينهما صراعٌ خفيٌّ: فعدنان يعتقد أن من حقِّ الزوج أنْ يمارسَ ولايته على زوجه، هذا ما خَبِره من الحياة، وهكذا يفعل والده مع والدته، وصهره مع شقيقته شادية.. وهو محبٌّ غيورٌ، يضيق بالآخرين، فلا بأس إنْ منع حبيبته عن الخروج بمفردها أو استقبال أي زائرٍ من دون عِلْمِه، أو حتى زيارة عائلتها من دون إذنه، فـ"الباب اللي بيجي منو الريح سدّوا واستريح!". ولم يأخذ رأيها في ذلك، ولم يناقش الأمر معها، فهذا، بالنسبة إليه، أمرٌ بديهي لا يحتاج إلى مناقشة! وكذلك راح يطالِبها بواجباتها كزوجة، حسب مفهومه، من دون أن يسمح لها بالاعتراض أو الشكوى، أو إبداء الرأي: فعليها أنْ تقومَ بأعمالِ المنزلِ، وإعداد الطعام، وبات لا يرضى بأي تقصير في هذا الأمر..!
فوجئت العروس الشابّة بهذا الجانب من شخصية حبيبها الذي لم تطّلع عليه من قبل، ولم يعجبها ذلك، فبدأت تتذمَّر من معاملته لها، وتشتكي؛ صارحته: "أنا لا أقل عنك شأناً في الحياة، وقد تخليت عن دراستي الجامعية، ورضيتُ العمل بمرتَّب زهيد، لأساعد في تسديد ما علينا من ديون. وأنا مثلك أخرج في الصباح، وأعود وقد هدَّني التعب، فكيف أستطيع القيام بأعمال البيت الشّاقة، إن لم يمدَّ لي أحدٌ يده بالمساعدة؟ ولماذا لا تساعدني أنت؟ وما الضرر في ذلك، ما دام ليس بوسعنا الاستعانة بخادمة؟ ولماذا عليّ أنا أنْ أقوم بكل تلك الأعمال، بينما تُسلِّي نفسك بالمكث أمام شاشة التلفاز، أو بالخروج لرؤية الأصحاب؟".