كتاب " خطاب راكان في الزمان وأهله " ، تأليف باسل عبد الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب خطاب راكان في الزمان وأهله
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

خطاب راكان في الزمان وأهله
والمنجد ليلتئذ لم يكن سوى أمي التي تنبهت لصرختي فأسرعت من الغرفة المجاورة لغرفتي، وضمتني تواً إلى صدرها واستفسرت عن سبب ارتعابي.
الجواب عنها كان حاضراً، ولكن على شاكلة سؤال توجهتُ به إليها. فقد رددتُ لها بنقنقة رافقت بكائي: "ما هو شكل الله؟... وكيف يمكننا أن نلتقيه؟... وهل علينا انتظار الموت؟ وهل هو سريع الغضب كملائكته؟"
ردّة فعل أمي راوحت بين التعجب والمفاجأة، مع تمتمة بذكر متتالٍ لاسم الله، كمن يطلب العفو منه أو يواكب ظهوراً عجائبياً له، ربما اعتقدَت مَصدره حلمي. لكن الأمر لم يستغرق سوى ثوانٍ استدركت بعدها حالتي الحساسة وعادت لتتعامل بدراية مع اضطرابي وارتجافي، مادَّةً لي يد العون، ولكن بطريقة مختلفة.
أجابت أمي عن سؤالي إجابةً جدّ بديهية لإنسان تربَّى على فكرة الإله على الطريقة اليوارية. فقد قالت لي: " نم يا حبيبي نم، لماذا تريد أن تعرف ما هو شكل الله؟ المهم أن تعرف أنه يُحبنا، ويحب الأطفال خصوصاً، ويحب الخير ويكره الشر، وأنت لا تفعل الشر! أليس كذلك؟"
ثم أنهت إجابتها بالقول: " أنظر في قلبك، تجد الله... فالله عظيم جداً إلى درجة أنه يسكن قلوبنا الصغيرة!"
لم أفهم عبارتها الأخيرة، ولكن أمي نجحَت في تهدئة قلقي ومُداراة شغفي بمعرفة شكل أو وجه الله، عن طريق التلاعب بالإجابة وكسر السؤال. ولا أنكر أنني لم أتوقع إجابة أفضل، حتى أنني وجدتُ أن أمي تستطيعُ الإجابة عن سؤال كهذا بطريقة أفضل بكثير من كاهن صف الدين أو من ملائكة الحلم!!
تصريحٌ جميل احتجت إليه حينئذ، وإجابة طبيعية جعلتني أتنازلُ عن سؤالي. حتى أنني لم أحتج أن أجيب عن سؤالها لأنني شعرتُ أنه لم يُطرح إلا من أجل تهدئة انفعالي. وفي جميع الأحوال فإن الإجابة عنه كانت بديهية، فما همّي أنا بشكل وجه الله!
ولا أنكر أنّ ابتسامة أمي الاسترضائية لي ولمساتها الحنونة، واختتام تصريحها بقبلة على الجبين مع تمرير يدها الناعمة برفق بين خصلات شعري، جعلتني أستغني عن سؤالي، وساهمت مساهمة فعّالة، تلك الليلة، بإخماد كل ما اشتعل في نفسي من أسئلة!
***
حين حاولت لاحقاً تفسير حلمي، عطفته مباشرةً على الجدال الذي دار بيني وبين أستاذ صف الديانة قبل أيام من ذلك الحلم. واعتبرتُ نفسي على قدر من الغباوة، لأنني استصعبت دوماً فهم الأمور من دون إعطاء أمثلة عليها، مبرراً لنفسي أن سبب هذا الضعف، كان لربما اعتيادي الدائم في الصف، في جميع المواد التي درستها، أن أطلب مثلاً حسياً كي أفهم ما يُعرض علي! فكيف في أمر يتعلق بخالق السماء والجزيرة!
قد يكون سبب تأخري في طرح هذا السؤال على نفسي وبكائي للحصول على إجابة عنه، لا يتعلقان بمدى خطورة الموضوع المطروح، بل كانا نتاج طبيعة التعاليم الدينية التي كانت تُسقط عليّ وعلى زملائي في الصف إسقاطاً، وتضعني في موضع لا يجوز لي فيه أن أسأل، بل عليّ أن أتلقّى فقط!
لا بدّ أن حلُمي تلك الليلة كان يَنمُّ عن محاولة اعتراض من لا وعيي على معضلة لا حل لها، أو محاولة يائسة مني لأجبر أحداً من الجان أو الملائكة، بحكم استلطافي لقصصهم (قبل مواجهتي لثلاثة منهم في ذلك الحلم)، بأن يَظهر علي بِداعي الإشفاق، فيتبرع بأن يُجيب عن سؤالي، فيُشفي غليلي!
بعد أيام على تلك الحادثة، وَعَدتُ نفسي بألا أطرح هذا السؤال مجدداً! واستعنتُ لهذا الغرض بأن رددتُ في سرِّي ما قاله لي الكاهن وبعده الملائكة: "الصبي في مثل عمري يجب أن يُفكر في اللعب وتلقي الدروس فقط، وليس في طرح الأسئلة الوقحة!"