أنت هنا

قراءة كتاب من وراء البحر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من وراء البحر

من وراء البحر

كتاب " من وراء البحر " ، تأليف د. أحمد محمد المعتوق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

تجربة الشعر ــ إضاءة

ما هو جوهر الشعر وما هو قوامه، ما هي أهدافه وغاياته وطبيعة أدواره، كيف يولد في النفس البشرية، وكيف ينمو وتتشكل صوره ومعانيه وألفاظه؟! هذه أسئلة قديمة حديثة، تضاربت حولها الأقوال واختلفت الآراء على مر الأزمان، حتى أراح بعضهم نفسه وخلص إلى القول بأن الشعر ذاته غير قابل للتحديد والتعريف، ذلك لأنه تجربة مستمرة في الحياة لا تتوقف ليكون لها معنى محدد ومفهوم ثابت.

وما يقدم هنا ليس إجابة عن الأسئلة المذكورة ولا نقاشاً علمياً فلسفياً أو ممارسات عقلية تسعى إلى البحث والتنظير ولا استعراضاً للآراء والأقوال المختلفة فيما يتعلق بها، وإنما هو مجرد عرض موجز لواقع تجربة ذاتية في تذوق الشعر وفي كتابته، امتدت أكثر من أربعين عاماً، تجربة لا تحتمل المناقشة أو البرهنة والتدليل أو التفسير، لأنها تطرح كما تطرح القصيدة نفسها.

الحديث عن الشعر في حقيقته لا يمل ولا ينتهي ولا يمكن اختصاره، لأنه كالحب، تستعذبه النفس الشاعرة وتتلذذ بذكره والحديث عنه، ولا ترتوي منه مهما شربت. ولكنه يبقى أمامها ماثلاً من دون تفسير أو تأويل. وهو كالحب أيضاً، لأن الحب كما يقول المتصوفة. «لا يحد من حيث ذاته، وإنما يحد من حيث نتائجه، ولا يعرف بالمنطق، وإنما يدرك بالذوق، وله من لذة التجلي شراب كأسه القلب». وهو كالحب كذلك، لأنه قدر محتوم، لا يجتلب ولا يصنع ولا يرد ولا يمنع، ولا يعلم كيف يأتي ومتى يأتي، ولا إرادة لأحد من البشر في نشوئه وتكوينه أو في رفضه وقبوله. وهل يمكن لأحد أن يحب أو يقرر متى يحب أو يمتنع عن الحب بإرادته أو بإرادة غيره؟! هذا هو الشعر.

والشعر الحق سر يودعه الخالق نفس من يشاء من عباده، وكائن نوراني لا يعلم في أية زاوية من زوايا النفس مكانه.. ينشأ بالفطرة، ويترعرع في فضاء روحي عامر بالبكارة وباللهفة الغامرة إلى كل ما هو فاتن جميل، وإلى كل ما هو رائع مثير، من الأسرار والأفكار والرؤى والمواقف والخصال والأماني والأحلام وصور الحياة ومشاهد الطبيعة المختلفة. تبلوره المعرفة والخبرة، وتصفيه القريحة المهذبة، ويرقرقه الجمال، وتصقله الممارسة، وتخصبه المعاناة، وتنطلق به مثيرات النفس البشرية إلى ما لا نهاية. ولكن هذه كلها لا تتكفل بصنعه، ولا تضمن نشوءه، ولا تتحكم في انبعاثه.

إنه نور لا ينبثق أو يولد من خارج الذات وإن نما وترعرع بأسباب من خارجها. وهو نار لا تقتبس إلا من النار التي تتأجج في داخل هذه الذات، وإن توهجت بعوامل عارضة عليها.

قد تطلب الشعر ولا يأتيك، وقد يأتيك من دون أن تطلبه، وإذا أتاك لا تستطيع أن ترده أو تتجاهله.. يمكن أن يوجد متى تهيأت له أحوال النفس، ولكن أحوال النفس قد تتهيأ ولا يأتي أو لا يظهر، وإنما يبقى كامناً، يصرخ في أعماقها وتتنادى أصداؤه وتترامى في زواياها، وعندما يأزف الموعد وتأتي القوة الغيبية الضاربة يتفجر كالبركان الهادر. وهذا ما تفسره حياة النوابغ من شعراء العرب والعجم .

الصفحات