أنت هنا

قراءة كتاب وردة هي الحياة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وردة هي الحياة

وردة هي الحياة

كتاب : وردة هي الحياة " ، تأليف هنا فرح حلاحل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

قراءة في كتاب هناء حلاحل

قرأت الكتاب وبي همّ الكتابة عنه لا عن صاحبته فإذا بي بعد قراءته أكتب عنها بفعل التماهي القائم بين النصّ والذات.

الذات تكتب نفسها نصّاً يتحرّك يحيا، يتألم، يعاني، يغضب، يثور، يستكين، يفرح، يحزن، يعشق، يتذكّر، يحلم، ييأس، يفكّر، ينفعل... إنّها تكتب كما تتحرّك في يومها العادي.. وهي صادقة في كلّ ذلك مخلصة لما تكتب.. نصوصها لوحة حياتها بما فيها من وجوه وأحوال.. تنعم بالفرح السرمدي وتشقى بالقلق الوجودي.. ربيعية الطلّة خريفية الرحيل..

الذات تكتب نفسها نصّاً واقعياً اعترافياً بارداً يقارب التقرير عن حال أو حدث أو فكرة.. وتجده في موضع آخر نصّاً رؤيوياً إيحائياً حارّاً تتدافع فيه الصور بحيوية الروح الملتهبة بأسمى المشاعر وألطف الأحاسيس والمرتقية بالصلاة إلى سدنة باريها.

الذات تكتب نفسها نصّاً مكشوفاً تعليمياً فيه من حقائق الوجود وحكم الحياة واختباراتها الصعبة ومن منظومة القيم الإنسانية ما يجعله يبرز الوجه الآخر للذات النافرة من تشوّهات واقع لا يرضي طموحها والمثال والمتيقّظة دوماً للخدمة والمحبّة والترفّع عن الابتذال والحقد والاستنارة بالمحبّة والتسامح طريقاً للحياة.

الذات تكتب نفسها نصّاً غوّاصاً في منازع النفس البشرية ومنطوياتها فتنفتح له كشفاً عن مسوءاتها والمعايب في موضع وكشفاً عن فضائلها والمحاسن في موضع آخر.. الذات في نصّها جوّابة آفاق وسبّارة أغوار وكشّافة ما استسرّ في دواخل النفوس وبواطن المواجد والقلوب والأفئدة وما طفح منها أو طفر سيّالاً فوق صفحات يوميّاتها اعياناً أو اذهاناً أو استحضاراً لذكرى.

الذات تكتب نفسها نصّاً تكتبه بالجرح والجمر والعصب في مكان وتكتبه بالعقل البارد أو الفاحم والذاكرة الصقيعية في مكان آخر.. أجمل ما في هذه الكتابة جدلية الثنائيات ما يغني النصّ ويمنحه قوّة امتلاك القارئ بكلّية كيانه وتحريك ما في أعماقه ومسطّحاته من حقائق وحالات ومنازع والتحامات وتشظّيات كامنة أو سافرة... نصوصها مرآة قارئها..

الذات تكتب نفسها نصّاً مشفوعاً بالأمل المزهر انتصاراً للحقّ على الباطل وللضوء على العتمة وللصحوة على الغثيان وللسكينة على القلق وللخضرة على اليباس وللانشراح على الغمّ وللارتقاء على الانحدار وللامتداد على الضيق ولاختراق المسافات على التجمّد في المكان.. هذه الشبوبية دفع من سماء وزخم من إيمان بالفرح العظيم.

الذات تكتب نفسها نصّاً يمجّد باريها، نصّاً صلاتياً من لحم ودم غارقاً في التسابيح تنفتح له السماوات.. والنصّ الأدبي في أعلى مراتبه الابداعية صلاة..

الذات تكتب نفسها نصّاً بوحياً لذاتية موّارة بالبشائر والصلوات والقلق الوجودي المرهف لا الصاخب ولا القاتل يتطلّع إلى نعمة الخلاص وباب الحرية..

الذات تكتب نفسها نصّاً استحضارياً لصور عمرها من عمر الذاكرة يعيد تكوينها بحميّة وشفافية وإبداع هندسي يحترم أشكال السردية الصادقة.

الذات تكتب نفسها نصّاً يتماهى والكائنات فلا تعود هي إيّاها فتحلّ فيه وتنعقد بصوفيّة تتعشّق أنفاس المكان في استكانة جسد وهدأة روح.

الذات تكتب نفسها نصّاً هارباً من عقم وسواد تشدّه رؤية الثمر وانبساط الخضرة في امتداد المسافات فيتمدّد بارتياح وانخطاف بهيّ وتفلّت من متاعب الوقت والأرقام.

إنّها تكتب باسترخاء كلّي فلا تصنّع أو افتعال.. تأتي الفكرة أو الحالة بحلّتها الأصلية حتى أصبحت الكتابة عندها فعل نوم أو قيام أو واحدة من حركات يومها المتعاقبة. إنّها تحيا بالكتابة ولها.. فلا همّ عندها إن طال نصّها أو قصر.. الفكرة أو الحالة تكتب النصّ في أيّ وقت.. وهي لا تخضع لقانون مدرسي... فالكتابة بالطبع تمنح النصّ فرادته.. نصّها لا يشبه ما عداه.. يتكوّن ويتكيّن في ذاته بقدرة ذاتية ولا تجري عليه قواعد الفهم بالتماثل أو بالقياس.

بعض نصوصها عادي في موضوعه مفاجئ في معانيه المستخلصة من حدث أو تجربة أو تأمّل أو رغبة في التجاوز والازهار في الجرح المفتوح على صلاة ما أن تنتهي بالتئام واحد حتى تتصعّد من آخر طلباً لنعمة تسمو بها الروح فوق المكاسب وتنقى بها وتنأى عن عبادات دنياها والغوايات.

هذا ونجد الكاتبة في غير مكان تكتب بالجسد المغلول نهراً طافراً من زمن الاحتباس في السأم المطبق إلى الجريان الحرّ والمتألّق إقداماً وإبداعاً وأحلاماً وردية مصاغة بالعصب الثائر على البلادة والكآبة يضجّ بها نفور من أسر المكان وقيد الزمان ترفده رغبة في التجدّد ومعانقة الضياء اللامنتهي والمتمدّد فوق الأزمنة والمساحات ومعاينة البراعم تتفتّح في الأرض اليباب... إنّه النور في الأعماق قوّة ربّانية ترتفع بها "لأسبح في الفضاء مع الحرية الواسعة "، تقول..

هنا الذات تكتب نفسها نصّاً مشبعاً بالتلهّف إلى السموّ بالروح إلى منازلها السماوية.

نصوص الكاتبة عصارة عمر قطّرتها وسكبتها فوق أوراق لا تزعج قارئها وفضلها في ذلك حمله على اكتشاف أنّ ما فيه هو إيّاه ما فيها..

ساسين عساف

عبرين في 17 تشرين الثاني 2011

الصفحات