أنت هنا

قراءة كتاب في حداثة النص الشعري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في حداثة النص الشعري

في حداثة النص الشعري

يعالج هذا الكتاب موضوع الحداثة في النص الشعري عبر خمسة فصول، تطرق فيها المؤلف لحداثة النص المتمثلة بحداثة الرؤيا، وكذلك إلى الشاعر الحديث ورموزه الشخصية، إضافة إلى حدود البيت وفضاء التدوير، ومن ثم تناول المؤلف الشعر خارج النظم وداخل اللغة، ليتوقف في الفصل ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
الفصل الأول
 
حداثة النص ... حداثة الرؤيا
 
الرؤيا شرطاً للحداثة:
 
يمكن القول إن أهم ما أنجز، على مستوى حداثة القصيدة العربية، لا يكمن في خروجها عن إطار البيت أو القافية الواحدة، على أهمية هذا الإنجاز وخطورته، بل يتمثل في أمر آخر هو الجوهر في قضية التجديد في الشعر العربي الحديث، وفي شعر العالم كله عموماً: الرؤيا الحديثة التي تجسد فعل التجديد حقاً.
 
وتشكل الرؤيا الشعرية، في حقيقة الأمر، مسعى يستهدف الشاعر لا القصيدة، أي أنها تعنى بتجديد الشاعر أولاً: وعياً، وثقافة، وذائقة، ونظرة إلى الحياة والعالم، قبل أن تعنى بتجديد النص.
 
فيما يتعلق بتخلف القول الشعري، ليست المعضلة مقصورة على القصيدة وحدها. لأن القصيدة، في النهاية، ليست إلا محصلة لجهد الشاعر، وتجسيداً جمالياً، حسياً لمسلكه الثقافي والذوقي والنفسي في لحظة حياتية ما.
 
لقد كانت جهود التجديد، في الغالب، تتجاوز الشاعر إلى قصيدته؛ أي أن النص لا المبدع كان هدفها الأساس. وكان التشكيل لا الروح التي أنتجته هو محور الفعل التجديدي وهدف حركته. وبذلك لم يكن الشاعر، باعتباره رائياً ومبدعاً وخالقاً للقصيدة، غاية التجديد، وشاغلاً من شواغله العميقة، بل كان، في معظم الأحيان، لا يتمتع إلا باهتمام جزئي، أو غير مخطط له.
 
ولهذا السبب، كان الشاعر العربي، وهو يهم بتجديد القصيدة يصطدم بتخلف عام هو نفسه جزء منه. وما كان له، إذا حاول الارتفاع بالشعر إلى مستوى الحياة والعالم، في تفجرهما وحركتهما، إلا أن ينحني تحت سقفه الثقافي الواطئ، الذي يفتقد النظرة العميقة إلى الشعر والحياة معاً.
 
ولأن الشاعر العربي لم يكن هدفها الأساس، فقد ضلت حركات التجديد طريقها ولم تصل، لذلك، إلى المحطة المرجوة. فالتجديد حين يبدأ بالنص وحده فإنه لا يتجاوز السطح كثيراً، ولا يجعل من القصيدة كوناً شعرياً عامراً بالتوتر والرهافة. قد ينجح الشاعر، في مثل هذه الحالة، نجاحاً جزئياً، غير أن ما يكتبه لا يرقى إلى مستوى الشعر الحق؛ ذلك الشعر الذي تدفع إليه تجربة ثرة، ووعي حاد. بل يظل شعراً تدفع إليه الرغبة المجردة بالاختلاف، أو مماشاة الجديد، أو التململ الفردي الذي يستند، لا إلى وعي الحجة الإبداعية وضغوطها، بل إلى المزاج المحض.
 
ليس للفعل التجديدي، كي يكون مؤثراً، أن يستهدف القصيدة وحدها، بل الشاعر أيضاً، أو الشاعر أولاً. على الشاعر أن يتمرد على الإيقاع الرتيب في داخله. ويتجاور تلك الأسس التي تشكل ثوابت في التذوق والحساسية، وترتبط بالتقاليد البالية في القول الإبداعي والسلوك الحديث. عليه، بعبارة أخرى، أن يكون جديداً، لا بالقياس إلى العالم المحيط به، أو الثوابت الذوقية والكتابية السائدة، بل بالقياس حتى إلى نفسه.
 
عند ذلك، يكون التحديث الشعري فيضاً من الحيوية الروحية والفكرية والجمالية. ينبثق، على العكس من الحالات السابقة، عن الشاعر باعتباره رائياً وخلاقاً: من نظرته الجديدة إلى العالم، من إيقاعه الروحي الجديد، من توقه إلى الإبداع الحق، وأخيراً، من وعيه لهذا الإبداع ضرورة وخلقاً. فالشاعر، كما يقول أودنيس، لا يستطيع:
 
« أن يبني مفهوماً شعرياً جديداً إلا إذا عانى أولاً في داخله انهيار المفاهيم السابقة، ولا يستطيع أن يجدد الحياة والفكر، إذا لم يكن عاش التجدد، فصفا من التقليدية، وانفتحت في أعماقه الشقوق والمهاوي التي تتردد فيها نداءات الحياة الجديدة »(1).
 
وتأسيساً على ذلك، لا يمكن أن ننتظر شعراً جديداً من شاعر لم يكن جديداً جدّة حقيقية، وليس لهذه الجدة غير معنى أساسي واحد: أن يمتلك رؤيا خاصة به، تختزل موقفه الفكري والجمالي من الحياة والشعر والعالم، رؤيا تجدده من الداخل، وتجعل من عمله الشعري، أو مجموع كتاباته الشعرية، وحدات متفاعلة داخل سياق رؤيوي، متجانس، وشديد الفاعلية.
 
لقد كان لغياب حداثة الشاعر العربي، أعني عدم اكتمال رؤياه، أثر ضار بحركة القصيدة العربية الحديثة؛ إذ صرنا، ونحن نقرأ هذا الكم الهائل من الشعر، لا نلمح وراء الكثير منه إلا العادة حافزاً للكتابة، ولا نلمس غير التقليد السطحي، اللامع، تجسيداً لها.

الصفحات