أنت هنا

قراءة كتاب في مرايا حانة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في مرايا حانة

في مرايا حانة

كتاب " في مرايا حانة " ، تأليف حسن ناصر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
هو غريب مثل حمام الساحات

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

((أرباضها تنافس في جمالها قبة السماء الزرقاء. و مناخها يضارع نسيم السماء الذي يبعث الحياة في الأجسام. وأحجارها تضارع في تلألؤها الماس والياقوت. وإن شواطئ دجلة ومن عليها من الفتيات الحسان لتفوق بلخ. وجناتها المليئة بالحور العين لتعدل في ذلك كشمير))

اللغة غابة من الظلال.

هل هناك رجل عاش اسمه أحمد الخصبي؟

أم تراه حلماً مشتركاً تنقل عبر عدة مخيلات!

لماذا هذه التواريخ إذاً؟ التواريخ التي ترد في الهوامش! ولماذا هذه الأسماء المعتادة التي يراودني حس بالركاكة كلما ذكرتها؟

هل سيكون هذا الكلام ممكناً بغير الاستناد إلى حياة حقيقية وآلام حية؟

كيف يمكن أن تتصل هذه الخيالات بقوتها عبر زمن ممتد يربو على مدد حياتنا جميعاً، أنا والذي جلبها وأحمد الخصبي والذين نسخوها وأضافوا إليها، إذا لم تكن تتنفس من رئة غير قابلة للتلف؟!

ها أنا أشعر بشهيقه في رئتي. أشعر بارتعاشة جسده في جسدي خارجاً من رحمٍ دافئ إلى قوة الطبيعة!

الخروح من الدرس. تنفس الصعداء، خروجٌ من الكلام إلى المعنى.

إحساس بقوة اللسان الهائل الذي تخرج الطبيعة منه مثل كلام

الكائنات في اتساق وجودها الشامل. سطر واحد مخطوط أعلى الصفحة كتبه أحمد الخصبي، وعلى الذين يضعفون أمام تيارات الكلام الجارف أن يعيدوا الكلام إلى الحياة،يطعموه فرصهم الضئيلة في حقل الزمن!

الفكرة موجودة في الهواء، في الأثاث، في ثنايا الجسد. تحيط بك في كل مكان، يكشفها الضوء فجأة، تراها فجأة، تعثر بها فتتغير تماماً. لن تعود أنت نفسك بعد كل فكرة. أنت تتدحرج على سفح من الأفكار، لفكرة واحدة ـ كما لامرأة واحدة ـ أن تأخذك في خرائطها كليّاً. هذا ما حدث للغوي رصين كان سينفق حياته في فضاء الدرس، يتردد إلى الأبد في حدود النغمة الواحدة. لكنها بدت لعينيه فجأة كما لو كانت هناك طوال ما مضى من الوقت، انبجست على مرمى حواسه فتغير كل شيء، انزاح خط تدحرجه على السفح فمال إلى أفق آخر. إنها نقطة القوة التي كان يحتاج إليها.

(عليَّ بوجه من الأوجه أن أنساق لرفعتها، لعلوها، ولهذا أجزم الآن أن القوة الوحيدة التي يجب أن تحرزها حياتك هي أن تموت بموتك، أن لا تغادر الحياة قبل أن تغادرك.

ليس من طريق غير الانسياق الكامل لضرورتك الشعرية.)

كتبه أحمد الخصبي قبيل رحيله الغامض. ربما كان رحيلاً لم يحمل فيه شيئاً من ماضيه، ولهذا انتهى التسجيل هنا، حيث كانت الخطوة الأخرى هي الخروج نهائياً على القوانين التي التهمت أيامه.

أين الرسول الشاحب الذي جلبها لي، هل ستصلني منه رسالة يوماً! أو، وهذا السؤال يواجهني بقسوة، ما الذي أحدث في ذاكراتنا فجوة كهذه غير الضرورة التي همس بها الخصبي على هذه الأوراق!

وسط فوضى أيامنا وتخبطاتنا، دورات الفصول، نهر الوقت، كيف يمكن الحفاظ على خارطة واضحة لتحولاتنا. لامعنى في إخضاع الأفعال للأزمنة مادام هذا يعيش في داخلنا، ما حدث وما يحدث وما سيحدث. تقسيم حياة واحدة إلى مراحل ينطوي على عبث ضخم، فحيواتنا ليست تراجيديات ولا أيامنا بقصائد، إنها بعثرة ثمانية وعشرين حرفاً يمكن أن تشكل الكلام من أوله حتى أقاصيه. ليس سهلاً أن تكون أنت القصيدة نفسها لأنك ستنتهي بنهايتها. قد يبدو الأمر مستحيلاً، لكنه ما حملته الأوراق الصفر أمامي. حياة مسحورة بإيقاع القصائد العالية. حياة كانت تنمو كفكرة، تنمو لتصل إلى ذروتها وتختفي هناك.

هذا ما خامر أرسطو بعد أن حفر عميقاً في النصوص ليستدل على إمكانيتها. وقف أرسطو أمام هيكلية التراجيديا حزيناً على رثاثة التاريخ البشري الذي لا يصل إلى رقي التراجيديات. وهو ما حلمت به طويلاً بلا شك:

لو أن حياتي كانت غير هذا الخليط العابث من الأحداث. لو أنها كانت ذات بناء أكثر حكمة. لو أنني فكرة واحدة تنمو بلا تراجع، تتقدم وتغيب في مداها.

1997

الصفحات