أنت هنا

قراءة كتاب ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي

ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي

كتاب " ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي " ، تأليف د. نزار دندش ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

يعرف الإنسان منذ طفولته أنه اذا وضع أصبعه في الماء الحار فانه يسخن (أو يحترق) واذا وضعه في الثلج يبرد (أو يتجمد) مع ان الإنسان القديم لم يكن يعرف معنى الحرارة من وجهة نظر علمية، فالعلم نفسه لم يكن قد توصل الى معرفة هذه الظواهر ولا الى ايجاد تفسير لها، والإنسان العادي لم يكن على دراية بنتائج العلم على أية حال. وعندما فسر العلم فيما بعد ظاهرة الحرارة والبرودة معتمداً في ذلك على النظرية الذرية والفيزياء الجزيئية، فإنه قد ارتقى بالمعلومة إلى درجة النظرية العلمية. فالمعارف اليومية كانت تشكل على الدوام حوافز قوية للعلم وتحدياً للنظريات العلمية لكي تبحث عن أسبابها وعن تفسير للظواهر وتعليل للعمليات التي تجري في هذا الكون.

ان المتتبع لتاريخ العلم يلاحظ أن مفهوم العلم قد تغيّر على مرّ التاريخ، وان العلم قد تطوّر، وقد جاء تطوّره بالتراكم حيناً وعن طريق الوثبات والثورات العلمية حيناً آخر.

من القفزات العلمية نذكر مثلاً تلك القفزة التي حققها العلم الاغريقي الذي سجل شمولية فاقت شموليته في مراحل تاريخية لاحقة. ونذكر أيضاً ماكشفه تلسكوب غاليليه من تشابه بين سطح الأرض وسطح القمر حيث لم تعد، بعد ذلك، قوانين السماء متميّزة عن قوانين الأرض.

الثورة العلمية الكبرى الأولى التي سيحفظها تاريخ العلم بدأت مع نظرية كوبرنيك التي شكلت انقلاباً في العلم وفي كل الثقافة المعرفية، واستُكملت هذه الثورة مع غاليليه، ديكارت ونيوتن، واستمرت خلال القرن السابع عشر والنصف الأول من القرن الثامن عشر فتكللت بما سُمي بالعلوم الكلاسيكية ورسم اللوحة الكلاسيكية (الميكانيكية) للكون.

الثورة العلمية الثانية بدات مع نهاية القرن الثامن عشر واستمرت خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر وكانت نتيجتها صياغة لوحات جديدة للعالم خارج اللوحة الميكانيكية، هي اللوحة البيولوجية واللوحة الكيميائية. وقد تمت المحافظة على عملية المعرفة الكلاسيكية وطرق التفكير الكلاسيكي.

الثورة العلمية الثالثة هي تلك التي شهدها العلم في نهاية القرن التاسع عشر واستمرت حتى أواسط القرن العشرين وجاءت بالنظرية النسبية والنظرية الكوانطية أي الفيزياء ما بعد الكلاسيكية أو"الفيزياء الحديثة". كما جاءت بعلم الوراثة ومفهوم الكون غير الثابت، وانتعشت بنتيجتها السببية الاحتمالية على حساب السببية الكلاسيكية.

أما الثورة العلمية الرابعة فقد بدأت في منتصف القرن العشرين ومازالت مستمرة حتى الآن حيث مخاض ولادة علم جديد يرجح أن يطلق عليه تسمية العلم ما بعد الحديث. وأدت هذه الثورة الى تغيرات جذرية في اسس المعارف والنشاطات العلمية، وقد شهدت هيمنة الكمبيوتر على العلوم وشهدت تعقيدات في الأجهزة المخبرية التي يستعملها العلم، كما شهدت تنامي الأبحاث في الحقول المشتركة بين الاختصاصات والتئام الأبحاث النظرية مع الأبحاث الامبيريقية والأساسية مع التطبيقية. ومن المهم جداً أن نلاحظ أن هذه الفترة قد شهدت تفاعل اللوحات العلمية المختلفة التي رسمتها فروع الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا إضافة إلى علم الكون.

الثورات العلمية دليل عافية في الحركة العلمية يستطيع من خلالها العلم تنقية نفسه من النظريات القديمة، ويرتقي بنتيجتها الى مستويات أعلى. لكن هذه الثورات تتطلب ظروفاً ناضجة على الصعيد العلمي النظري وعلى صعيد الكادر العلمي البشري، كما تحتاج الى تهيئة العقول لتقبّل نتائجها. ويلاحظ انّ النهضة العلمية في أوروبا قد جاءت بعد جهود النهضويّين، الذين روّجوا هناك لفكرة أنّ الإنسان بحدّ ذاته مبدع وخلّاق؛ هذه الفكرة تمّ التعبير عنها بواسطة الفن أولاً، لذلك كان للفن فضل كبير على العلم في عصر النهضة.

لكن مع أن عصر النهضة قد حمل لواء فكرة الإنسان الخلاق فإن الفيزياء الكلاسيكية التي سادت حتى بداية القرن العشرين قد ركزت على مبدأ الوجود الموضوعي للطبيعة الذي تحكمه السنن الطبيعية، مهملة دور الإنسان فيها.

في العلوم الكلاسيكية لعبت الميكانيكا دور النموذج الذي اعتمده العلم في بقية الفروع. وبعد الانتقال الى العلوم الحديثة تمّ استبدال النظرة الميكانيكية والميتافيزيقية بالنظرة الشمولية وبالمفهوم التطوّري، فلم تعد مواضيع العلم معزولة عن بعضها، بل صارت مادة تفاعل مع الأشياء المحيطة وتشترك في دراستها مختلف الفروع العلمية. واستبدلت الحتمية الكلاسيكية بالحتمية الكوانطية، كما ذكرنا، ولم تعد المعرفة عبارة عن عملية انعكاس ميكانيكي للواقع الطبيعي في ذهن الإنسان، بل اعترفت العلوم " الحديثة" بوجود بصمات للإنسان على نموذج العالم.

اذا كان ينظر الى العلم حتى الماضي القريب على أنه خير مطلق فإن الحاضر والمستقبل يجعلاننا ننظر اليه مع شيء من الريبة والحذر، فما يحدث من تغيّرات في نظام المعرفة العلمية المعاصرة من تجيير لمصلحة أيديولوجيا مسيطرة، وما يحدث من تغيير في العلاقات والشروط الحضارية الاجتماعية للتطور، وما يقود اليه سوء استعمال العلم، أو استعماله لأهداف تجارية أو عدوانية بحتة، كل ذلك جعلنا ننظر الى العلم المعاصر نظرة ترقّب. فالعلم في نظر الكثيرين (خاصة أنصار البيئة) لم يعد يُستعمل للخير المطلق ولخدمة الإنسان وبيئته تحديداً. بل ان ما تشهده بيئتنا اليوم من تلوّث متعدّد الوجوه ومن خطر على وجود الطبيعة وكل ما فيها وما يقوم به الإنسان المتسلح بالعلم من تعديات على الطبيعة تؤدي الى الاحتباس الحراري وتحلل طبقة الأوزون، وما شابه من مشاكل خطيرة، كل ذلك يوحي بأننا في خضم مرحلة انتقالية من تاريخ العلم.

الصفحات