أنت هنا

قراءة كتاب ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي

ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي

كتاب " ما هو العلم - رحلة التفكير العلمي " ، تأليف د. نزار دندش ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

الفصل الأول

العلم جزء من حضارة الإنسان

لوعدنا بعكس الزمن بعيداً إلى الوراء لتفحص حياة الإنسان في كل العصور الغابرة والتعرف إلى مستوى معيشته والى الأدوات التي كان يملكها ويستعملها، وللاطلاع على مقدار معارفه وطرق ومستوى تفكيره، ولو قارنا كل مقومات عيشه بين عصر وآخر لوجدنا علاقة واضحة بين مستواه العلمي وامكاناته التقنية وبين مستوى معيشته وطريقة تعاطيه مع الطبيعة المحيطة به. هذه العلاقة لم تكن دائماً في نفس الوضوح، وربما كانت غير واضحة للبعض في بعض المراحل التاريخية، خاصة في مرحلة مشاعية الإنسان البدائية، لأن الإنسان الأول لم يكن يختلف كثيراً في أسلوب عيشه البدائية عن أساليب عيش الحيوانات التي عايشته تلك المرحلة. فالإنسان البدائي لم يكن يملك في نظر البعض لاعلماً ولاحضارة، مع أن هذه المسألة بحاجة الى تدقيق.

لكن الحضارة لا تبدأ من فوق الصفر بكثير ولا تبنى على العدم، ولا بد لها من بداية ولو متواضعة، "فاكتشاف" الحجر المسنن واستعماله اداة لصيد الحيوانات، أو لقطع الأغصان، كان بداية من بدايات الإكتشافات والإختراعات التي نمت وتطورت على مر التاريخ، كان نموها بطيئاً في بداية الأمر، ثم تسارعت وتائر تطورها الى أن وصلت الى الحد الذي نعرفه في هذا الزمن- الى الحد الذي نستطيع معه تحقيق رحلتنا بعكس الزمن التي اقترحناها في هذه الفقرة. هذه الرحلة لم تكن واقعية قبل مئتي عام، ثم أصبحت ممكنة في الوقت الحاضر فكلما ابتعدنا عن الماضي يخولنا العلم أن نصبح أقرب اليه، فمن عاش قبل الفي عام يعرف عن حياة الإنسان القديم وعن بداية الحياة أقل مما نعرفه نحن بكثير.

الإنسان الذي افترق منذ بداياته الأولى عن عالم الحيوان، وعن عالم النبات طبعاً، قد بنى لنفسه حضارة تتسع كل يوم، وفي ذلك خاصة هامة، ولعلها الخاصة الأهم، في خواص الإنسان.

وقد يكون من المفيد أن نعطي العلم أوراقه الثبوتية قبل التوسع في شرح وظائفه واستراتيجيته وخططه وطرق عمله، فهو من خاصيات الإنسان دون غيره من الكائنات، ومرة أخرى، فهو جزء من حضارة الإنسان التي كانت أدوات صيده الأولى ووسائل انتاجه البدائية أولى ظواهرها. وكان اجدادنا الأوائل أول من بدأ بتأسيس هذه الحضارة التي ما زالت مستمرة وفي حالة تطور حتى اليوم. الأدوات البدائية هي التي ساعدت الإنسان على الإستمرار في الحياة وأمنت البقاء للجنس البشري، وحمته من الأخطار الخارجية، والأدوات المتطورة هي التي ساعدته فيما بعد على تغيير الظروف المحيطة به.

لقد لعبت الحضارة الإنسانية الدور الأهم في حماية حياة البشر وتسهيل سبل عيشهم عبر تأمين الغذاء والحماية من الأعداء، وتغيير الظروف المحيطة لكي تصبح أكثر ملاءمة للحياة. وعلى عكس الحيوانات والنباتات التي تتأقلم مع الظروف المحيطة فإن الإنسان يؤثر في محيطه ويغير في ظروفه ويسعى دائماً الى الأفضل. والحضارة الإنسانية التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات تشمل فعاليات عدة، والعلم منها إن لم يكن أهمها.

يمكننا إذاً، ان نصنف العلم على أنه جزء من حضارة الإنسان، وان نصنف المعارف العلمية، على أنها جزء من ثقافة الإنسان، بغض النظر عن مكانة هذه الثقافة في سلم الأولويات.

ولكي تقوم الحضارة بواجبها تجاه الإنسان تتعاون كل فروع هذه الحضارة فيما بينها. والعلم كواحد من هذه الفروع يتكامل مع المكونات الحضارية الأخرى فيساهم في حماية الإنسان وفي تحسين معيشته...

ان حماية الحياة من الأمراض ومن الظروف الخارجية، من جهة، وتطوير أساليب العيش بشكل دائم، من جهة أخرى، يتطلبان فهم ما يدور حولنا، حيث لا بد من ادراك الواقع والحصول على أكبر قدر من المعلومات عن الطبيعة بكل مكوناتها الحية والجامدة. ولا بد من دراسة الإنسان نفسه، دراسة تركيبه الجسماني، ومتطلباته الجسدية والنفسية، وامكاناته الصحية والعقلية وغيرها. من هنا نرى دور العلم رائداً في هذا المجال، فهو الأقدر على تنفيذ المهمات الحضارية والإجابة عن الأسئلة المطروحة في شتى المجالات.

والعلم متميز عن باقي فروع الحضارة الإنسانية، فهو يتميز عن الفن بالموضوعية والعقلانية واستخدام المفاهيم والنظريات لا النماذج الفنية (العلم يسعى إلى تعميم الملاحظات والمشاهدات الفردية الخاصة وصياغة القوانين والنظريات التي تقود اليها هذه المشاهدات، بينما يسعى الفن الى تخصيص العام وسبكه في نماذج فنية)؛ ويختلف العلم عن الفلسفة بامكانيته على التدقيق في معلوماته واختبار نظرياته للتأكد من صحتها وصحة استنتاجاته؛ ويختلف العلم عن الدين باعتماده على العقل دون الإيمان المسبق؛ ويختلف عن الميثالوجيا في كونه يتعاطى مع أجزاء العالم، ويتعاطى مع صياغة القوانين. والعلم يرفد عالم المعرفة بالمعارف العلمية التي تتكون من معطيات يتم التحقق منها بواسطة التجربة، ومن استنتاجات يتم التوصل إليها على قاعدة قوانين المنطق. هذه المعارف العلمية هي الأقدر على المساهمة في فهم العالم لتحويل وتعديل ما لا يتناسب منه مع أسلوب عيش الإنسان (بغض النظر عن رأينا في هذا التعديل).

العلم ينتج المعارف العلمية فيتم الإعلان عن بعض هذه المعارف ويبقى البعض الآخر كجزء من أسرار الدول والمؤسسات الممولة.

ويشمل العلم حالياً حوالى 15 ألف فرع من موضوعات مختلفة. وحتى نهاية القرن العشرين كان عدد العلماء، والعاملين في حقل العلم حوالى خمسة ملايين شخص، أي حوالى الواحد بالألف من سكان الكرة الأرضية. وهناك مئات الآلاف من المجلات العلمية المسجلة التي تنشر نتائج الأبحاث العلمية، أو تعمل على تقديم هذه النتائج مبسطة إلى القراء، هذا اضافة الى مواقع الإنترنت التي لا تحصى. والجدير بالذكر ان حوالى 90% من نجاحات العلم قد تحققت في القرن العشرين.

المعارف العلمية، كما ذكرنا، هي مجموعة من المعارف الموضوعية، تنتجها النشاطات العلمية، من أبحاث وتجارب وفرضيات ونظريات. ويتم تمييز ثلاثة حقول من هذه المعارف هي:

- أولاً: المعارف عن الطبيعة، وتقوم بانتاجها العلوم الطبيعية.

- ثانياً: المعارف عن المجتمعات، وتقوم بابرازها العلوم الاجتماعية.

- ثالثاً: المعارف عن الإنسان، ككائن يفكر وله شخصيته، وتعتبر من اختصاص العلوم الإنسانية بشكل رئيسي.

هذه الحقول العلمية ليست على تناحر فيما بينها، رغم أنه يوجد بينها فروقات كبيرة، ففي العلوم الطبيعية، مثلاً، يجب أن يكون التحليل (والتجربة أيضاً) موضوعياً لا يتأثر بالإنسان، أما في العلوم الإنسانية فإن الإنسان هو المحور والموضوع. لذلك تتأثر النتائج بالشخص ولو كان الباحث مجرداً عما حوله. فالعلوم الإنسانية التي تدرس الآدمي وتعطيه تقييماً معيناً، لا بد أن تأخذ في الحسبان المعايير الأخلاقية؛ بينما لا يمكننا ان ننعت الظواهر الطبيعية مثلاً بالقبيحة أو اللئيمة أو الطيبة او ما شابه ذلك من صفات... هناك مكان لذاتية الموضوع وهنا مطلوب موضوعية الى آخر الحدود (مع الإحتفاظ بالتفريق بين انشطار الذرة كعلم، وبين صنع القنبلة الذرية كنزعة عدوانية عند الإنسان).

وهناك حقول تتطلب الإستعانة بأكثر من فرع من فروع العلم؛ هذا ما نراه مثلاً أثناء دراسة المحيط الحيوي ومشاكل البيئة. فعند البحث عن حلول للتدهور البيئي تتم الإستعانة بقوانين الفيزياء والكيمياء، لدراسة الغلاف الجوي؛ وبعلم النفس وعلوم الحياة، لمعرفة سلوكيات الكائنات، وهكذا دواليك...

ولقد وصل الإنسان اليوم الى مرحلة يصعب فيها تصوره مستمراً في حضارته بدون العلم. فالعلم يؤمن في أيامنا حتى البقاء على قيد الحياة للجزء الأكبر من بني البشر، فلولا العلم لقضى الكثيرون برداً وجوعاً ومرضاً. ومما لا شك فيه ان للعلم دوراً ريادياً في هذا العالم، وان لم يكن يلعب دوراً قيادياً في حياة كل المجتمعات.

الصفحات