أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والعلمانية في العالم العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والعلمانية في العالم العربي

الإسلام والعلمانية في العالم العربي

كتاب " الإسلام والعلمانية في العالم العربي " ، تأليف حيدر عبدالله شومان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

المقدمة

لقد كان المجتمع العربي تربة خصبة للكثير من التيارات التي تغزوه من كل حدب وصوب، فيتفاعل معها، ويذوب في تفاصيلها، ويؤسس على إثرها تكتلاته وأحزابه ومنظماته مدافعاً عنها بأساليب وصلت أحياناً إلى صراعات وحروب... ولا تكاد تجد بلداً عربياً واحداً إلا وفيه من يُعجب بالفكر الذي استورده داعياً إلى تطبيقه والسعي إلى السير باتجاه التجدد، والابتعاد عن كل قديم بالٍ ورثه عن الأجداد.

وحيث إن الدين في العالم العربي عنوانه الإسلام في الغالبية العظمى من المجتمعات، كانت دعوة التجدد والتغيير تتجه في مقابل هذا الدين بمبدئه، أو التصدي لكثير من تفاصيله التي تعيق حركة المستقبل في توجههم.

وفي أوروبا، وبعد طغيان الكنيسة في القرون الوسطى وعبث السلطة الدينية واستغلالها، وبعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 وامتدادها الأوروبي، وبعد القضاء على الدولة العثمانية مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط البلدان العربية تحت سيطرة الاستعمار الغربي، بدأت تتضح صورة العلمانية كإحدى النظريات الغربية الوافدة إلى كنف المجتمعات العربية، مع تفاوت وهجها بين بلد وآخر وفئة وأخرى.

والعلمانية مصطلح - ونحن نعيش فوضى المصطلحات - يكثر تداوله في الاتجاهات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. وكثيراً ما يستعمل في ما يغاير المعنى الذي يقصد منه المتحدث به. فهذه الضبابية التي يعيشها مفهوم العلمانية لا تقتصر على عامة الناس، بل تتعداها إلى الكثير من المثقفين وأحياناً الأكاديميين. فكم من متباهٍ بالانتماء العلماني وهو في هذا التباهي والانتماء يرمي إلى التنزه عن الصراعات الطائفية أو المذهبية، وآخر يدعو من خلال ذلك إلى شعار الإنسانية وحقوقها الذي لا يقف عند أي نوع من التمييز الانتمائي وخصوصاً الديني منه، وآخر ينشد المدنية والتجدد في مقابل التخلف والرجوع إلى الوراء، ليأتي من الطرف الآخر من ينعت ذلك بالإلحاد أو الكفر أو العمالة للغرب؟

ومع إحباط الشعوب العربية ومشاعر الهزيمة التي تعيشها، بالإضافة إلى بريق ما قَدُم من الغرب وما أحدثته النهضة الأوروبية من قفزة نوعية في كل مجالاتها مع تزامن ذلك والإطاحة بالواقع الكنسي ورجالاته، فقد كان للقادم من الغرب وقعُهُ المدوي في الآفاق والأنفس، وجُنّدتْ الجموع للانضمام تحت ألويته، خصوصاً مع تهيئة الأرضية الملائمة، والطاقات الجبارة التي سُخرت لذلك. ولا شك أن العلمانية كانت من أبرز تلك الأفكار التي ذاع صيتها وكبر حجمها.

فهل نرفض العلمانية لأنها منبت غربي غريب عن تربتنا وواقعنا والأصالة التي نفخر بها، فنوصف بالتقوقع والهروب إلى التاريخ والماضي والتعلق بأمجاد السلف؟ هل نتهم العلمانية باجتياحها، والاستعمار الغربي، بلادنا ومجتمعاتنا من أجل القضاء على الإسلام واقعاً في حياة الأمة، نظاماً وحركة ووجداناً؟ هل صحيح أن العرب الذين يعيشون الدونيَّة أمام الغربي المتطور، مغرمون بإطلاق التهم التآمرية جزافاً لكي لا يصطدم تخلفهم بتطوره؟

أفلم تقض العلمانية، بتغييبها الدين، على الحروب الطائفية التي أثقلت كاهل الغرب في أكثر من مكان وزمان؟ أفلا يتشابه موقف العلمانية تجاه حروب الغرب، وموقفها تجاه الحروب العربية الدينية الواقعة أو التي من الممكن أن تقع؟

قد يكون لكل هذه الأسئلة وكثير غيرها مبرراتها عندما تنطلق في تشكيكها، بغض النظر عن الجهة التي تطلقها وتحمل لها أجوبة تلائم توجهاتها، أو عن دور التآمر الخفي الذي يحرك خيوط القضايا الساخنة في مصائر الشعوب. وهذه ما سوف تحاول هذه الدراسة الولوج في غمراته الواسعة عسى أن تجد أجوبة شافية عن هذه التساؤلات التي أصبحت هاجساً عند الكثيرين في واقعنا العربي النازف.

ولذلك وقع اختياري على هذا الموضوع، الذي بات يشكل في تداوله في بيئتنا مفصلاً أساسياً، لإبراز النقاط العامة التي تضيء على العلمانية بطريقة لا يكتنفها أي غموض، شكلاً أو مضموناً، ونظراً إلى خطورته في ما يلي:

- الوضع العربي المتأزم في معظم أقطاره التي تعيش حروباً ونزاعات، أو احتقانات طائفية ومذهبية.

- الاستعمار الغربي لأكثر من بلد عربي إما احتلالاً، وإما هيمنة مباشرة وغير مباشرة.

- اعتبار العلمانية الحل الأكمل للتغلب على كل الأزمات والسير بالبلاد نحو ركاب الحرية والتطور والحضارة.

- اعتبار الإسلام من أبرز العوائق التي تحول دون ذلك.

- غياب الفهم الكامل لمفهوم العلمانية لغالبية من ينشدون الحل العلماني في بلادنا.

ولا شك أن أبحاثاً كثيرة كتبت في هذا المجال، وسعيت جاهداً إلى الاطلاع على أهمها، وسأحاول بمشيئة الله عز وجل أن أتوخى الموضوعية في هذا البحث، فلا أعتبر ما أؤمن به خيراً مطلقاً، وما لا أؤمن به شراً مطلقاً.

لقد جعلت هذا البحث في فصول سبعة:

ينصرف الفصل الأول إلى تعريف العلمانية وأنواعها، مع العرض بإيجاز لبعض الاختلافات في الآراء والتعليقات، ثم كيف دخل هذا المصطلح أوروبا.

ويتناول الفصل الثاني نشأة العلمانية في الغرب، ولمحة سريعة خاطفة لعدة مراحل تاريخية عاش الغرب تبعاتها، وكان لها التأثير الفاعل في تلك النشأة، وإن كانت هناك مراحل وأحداث وشخصيات أخرى كان لها تأثيرها أيضاً، لم أتعرض لها منعاً من الإطالة والغوص في التفاصيل، بما لا يتلاءم وطبيعة هذا البحث وخصوصيته.

ويتناول الفصل الثالث نشأة العلمانية في العالم العربي وتطورها، حيث مررت بإيجاز شديد على محطات تاريخية تزامنت معها.

ويعالج الفصل الرابع امتداد العلمانية في عصر الاستعمار للعالم العربي ومنهجيته التوسعية، وما اتخذ من وسائل مختلفة الاتجاهات لترسيخ العلمانية في تلك البيئة، وما كان من ردود أفعال عليها.

ويتناول الفصل الخامس واقع العلمانية بعد استقلال الدول العربية، واتساع دائرتها على حساب الدين الإسلامي.

أما الفصل السادس، فيتطرق إلى العلمانية بين العالمين العربي والغربي، والفروق بين الإسلام والمسيحية التي تحدد موقفها من العلمانية وتوجهاتها.

وأختتم البحث في الفصل السابع مستفيداً مما سبق من الفصول، لاستنتاج الحكم الإسلامي في عدم قبول العلمانية.

والجدير ذكره، أن للوقائع التاريخية حيزاً واسعاً في هذا البحث، إلا أني تجنبت الولوج إلى جزئياتها مقتصراً على الخطوط العريضة التي تخدم هدف البحث، وترسم الصورة العامة لبعض المراحل التي مرت بها نشأة العلمانية في كل من البلدان الأوروبية والعربية، وتفاعلها مع المجتمعات العربية بعدها. وقد استعرضت الآراء المختلفة التي تتصل بالعلمانية وما يدور في فلكها، معلقاً على ما قد يحتاج إلى إشارة أو ملاحظة أو تنويه. ولا بد من الاعتراف، أن موضوعاً كهذا، يحمل في طياته عدة مواضيع، في سعته، وتنوع عناوينه، واختلاف مراحله، مكاناً وزماناً، وما يتصل به من جوانب تاريخية واجتماعية وفلسفية وغيرها، تطَلَّب مني جهداً في التنقل بين المصادر العديدة المختلفة والمتنوعة في مضامينها، بالإضافة إلى تأطير أقسامه المتشعبة، وتفاصيله الكثيرة، في صفحات محدودة قليلة.

ولا يسعني في النهاية إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة الدكتور إبراهيم العاتي الذي كان بتوفيق من الله المشرف على هذا البحث، وما أتحفني به من نصح وإرشاد وتوجيه، كما أشكر الأخ الصديق الأستاذ حسن سليمان خليل على دوره في خروج هذا الكتاب إلى النور، والله الموفق.

الصفحات