أنت هنا

قراءة كتاب في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

كتاب " في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه " ، تأليف حبيب صادق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

تقـديـم

جاء، في كتاب أمثال العرب البليغة الدلالة، مثل سيَّار هو: "كصائحٍ في واد ونافخٍ في رماد" . هذا المثل العربي المعبِّر كان يُضرب، ولمَّا يزل، في معرض الحديث عن "الخيبة المريرة" التي تصيب المرء في معركة الحياة، الخاصة والعامة، الحافلة بصنوف الثنائيات المتناقضة: الأمل والخيبة، النجاح والفشل، التمني والإحباط، التقدم والنكوص...الخ.

ومن شأن هذه الثنائيات أن تصيب الفرد كما تصيب الجماعة بخيرها أو شرها. ولعلَّ أثرها المكروه أشد ما يكون إيلاماً وأفدح ما يكون إصابة إذا نزل بالعام جماعةً وليس بالخاص فرداً. ذلك لأنَّ الفرد، مهما نأى بنفسه عن الجماعة، فهو محكوم بالوقوع في المكروه الذي يصيبها، على هذا النحو أو ذاك، فكيف به إذا كان من أولئك الأفراد الذين لا يحققون وجودهم، في الحياة، إلَّا في قلب الجماعة أو، بتعبير آخر، لا يجدون معنى لحياتهم الخاصة، بل لا يجدون مبرراً لهذه الحياة الخاصة إلَّا إذا التحمت، التحاماً عضوياً، في نسيج الحياة العامة وكانت نبضاً في حركتها المحتدمة ليل نهار...

أزعم أني انتسبت، اختياراً، منذ ولادة وعيي النقدي، إلى تلك الأسرة التي تؤثر العام على الخاص سواء في توجهها الفكري والوجداني أم في ممارستها العملية، وذلك في حدود الممكن والاستطاعة ليس أبعد. وقد تجلَّى توجُّهي الفكري والوجداني في ضروبٍ من القول متنوعة تتراوح بين صيغتي القول المنبري أو القول الكتابي. أما ممارستي العملية فقد تعددت المجالات التي استضافتها، بهذا القَدْر أو ذاك من السَّعَة، فجاءت الممارسات كلها وقفاً، في شتى المراحل، على هموم عامة تمحورت، في شتى الأشكال، حول القضايا الوطنية ـ القومية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

ولئن كان من المتعذَّر عليَّ، في حيِّز هذا التقديم الضيِّق، أن أقف، وأستوقف، على جملة مواضيع القول المتنوعة التي وسعني أن أعالجها، بما تيسَّر لديَّ من قدرة متواضعة، فأراني، هنا، محمولاً على الاكتفاء بالوقوف على ضفاف صيغة القول الكتابي أو المكتوب فلا أتعداها إلى غيرها، مع التقيُّد بمدى زمني محدَّد لا يتجاوز مدى العقد الواحد، المتراوحة سنواته العشر بين تخوم العام 1995 وتخوم العام 2005 ليس غير...

ففي خضم هذا العقد تكاثرت الأحداث الجسام، وتعاظم شأنها وخطرها على الصُّعُد المحلية والإقليمية والدولية، كما هو معروف لدى كل من تسعفه الذاكرة على استحضار صور تلك الأحداث، واستعادة أصداء تداعياتها المتلاحقة.

وحيال ذلك، كان من لزوم ما يلزم، أن تسارع الأسرة الفكرية والسياسية، التي انتسبت إليها اختياراً، إلى اتخاذ مواقفها في ميدان العمل الوطني العام، وهكذا وجدتني أسارع إلى اتخاذ موقعي جنباً إلى جنب مع أفراد الأسرة. واقتناعاً بأهمية العمل المنظَّم والممنهج وبجدواه الفاعلة بادرت إلى مفاتحة لفيف مختار من أفراد الأسرة برأيٍ يرمي إلى بلورة صيغة تنظيمية جديدة لعمل وطني جبهوي غير حزبي، إنما يرحِّب بمشاركة المنضوين إلى الأحزاب الوطنية التقدمية، وما إن اكتمل نصاب التوافق، بين أفراد اللفيف المختار، حتى أنتج الجهد المشترك صيغة "الحركة الشعبية الديمقراطية" التي أطلقناها في المؤتمر التأسيسي الذي عقدناه في صيدا في 2/11/1997، وسرعان ما لاقت ترحيباً واسعاً في الأوساط الاجتماعية والسياسية والثقافية. إنما هذا الترحيب، وإن أسعدنا بالغ السعادة، إلَّا أنه لم يحقق طموحنا في أن يتسع نطاق الحركة عابراً حدود مناطق الوطن ومكونات المجتمع، ولعلَّ هذا الطموح قد تحقَّق لاحقاً في حركة "المنبر الديمقراطي" التي انطلقت من بيت "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي" في بيروت، وذلك في أواسط عام 2001، وما أسرع أن استوى "المنبر" على مقام الثقة العامة به والإنضواء إليه باعتباره "مساحة مترامية الأبعاد تتحرك على أديمها، بمشيئتها الحرة، إرادات وطنية ديمقراطية متنوِّعة الانتماءات الفكرية والعقيدية والجهوية... إنما هي على تنوعها، مسكونة بهاجس التغيير الديمقراطي تأسيساً على قاعدة السيادة والاستقلال، وعلى مبادئ الحرية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وشرعة حقوق الإنسان" .

بإيقاع سريع ومنضبط مضى المنبر قُدُماً في سبيله إلى غايته المرسومة، منطلقاً بقوة دفعٍ جماعية منسَّقة تضافرت، على توليدها، مكوناته كافة، على تعددها وتنوعها، ما أهَّله إلى بلوغ مستوى متقدم مشهود له، على ساحة العمل السياسي الديمقراطي في لبنان، من موقع المعارضة الوطنية، المتحررة من أغلال الطائفية والمذهبية والجهوية.

وعلى مدى أربعة أعوام ونيف، استمرَّ "المنبر الديمقراطي" ماضياً في سبيله متماسك البنية، موحَّد الهدف، واضح الرؤية، مستقيم النهج، وقد أصدر الكثير من الوثائق والبيانات، إلى أن عصفت به رياح "التحالف الرباعي" العاتية، إبَّان الانتخابات النيابية التي جرت عام 2005، فتصدَّع بنيانه وضعفت قوته وذلك بخروج مكونات أساسية منه، والتحاقها، فوراً، في تحالف انتخابي هجين جمع الأضداد سياسياً، ضاربةً، بعرض الحائط، كلَّ ما أجمع عليه المؤسِّسون الأوائل للمنبر، من مبادئ وأهداف ونهج عمل وخطاب سياسي واتفاق على خوض معركة الانتخابات صفاً واحداً... وكان من شأن ذلك أن دفع، من تبقَّى أميناً على العهد من أوائل المؤسِّسين، إلى تجميد عمل "المنبر" فوراً، في حين دفعني، شخصياً، إلى اتخاذ قرار حاسم بالانقطاع التام عن مقاربة السياسة، بمفهومها السائد في لبنان، قولاً وعملاً...

وها أنذا اليوم أعود إلى مقاربة الكلام، عقب سنوات أربع من الصمت المطبق الذي التزمت به اختياراً، ولكن يجري هذا الأمر في مجرى الخروج عن حدود ذلك الالتزام بل يجري، من حيث الفعل الزمني، في مجرى تواريخ ميلاده إلى عقدٍ من الزمن يتراوح بين عامي 1995 و2005.

أما لماذا عدتُ أدراجي، في شأن الكلام، إلى تلك الحقبة الحافلة بالأحداث الجسام، وكيف عدت إليها بعد انقطاع مديد، فالأمر يستدعي بعض التفصيل التوضيحي.

لا أدَّعي، مطلقاً، في مستهل هذا التوضيح، أنَّ كثرة أو قلَّة من أقاربي والأصدقاء قد زيَّنت لي العودة إلى الكتابة، بخلاف ما ألزمتُ به نفسي، بل الأمر يعود إلى ما رأيته مجرد ممارسة آلية ترمي إلى جمع ما كتبته في الصحف والمجلات من مقالات ودراسات وما ألقيته، من على المنابر الثقافية، من محاضرات وخطابات.. وذلك من باب المحافظة على ثمار تلك الجهود التي بذلتها في حقل الكتابة السياسية، بوجه عام، والثقافية بوجه خاص، تعبيراً عن رأيي الشخصي في شؤون البلد وشجونه في تلك الحقبة المحدَّدة المكتظة بالأحداث والمتغيرات على الصعد المحلية والإقليمية والدولية.

إنَّ ما دعاني إلى الانصراف، إلى جمع ما كتبته وما ألقيته، خلال الحقبة الزمنية المتراوحة بين عامي 1995 و2005، هو ما طالعني من كمّ، ليس بالقليل، من أوراقي الخاصة المطوية في أدراج مكتبي، حتى ضاق بها، وقد بدأ التآكل يتسلَّل إلى أطرافها ويهدِّد متونها بالتلف، فعزَّ عليَّ ذلك كثيراً وحملني على محاولة إنقاذها، ليس لكونها ذات وزن ثقيل في ميزان القيمة الأدبية والثقافية بل لكونها تمثلني، رأياً وموقفاً، من تلك الأحداث والمتغيرات والتحديات التي حفلت بها حقبة تلك الحقبة، بسنواتها العشر، من تاريخ لبنان المعاصر.

إذاً فالداعي الذي دفعني إلى العودة هو قرار محض ذاتي يغلب عليه مزيج مركَّب من الانفعالات الوجدانية والاستجابات البيانية للزوميات التعبير عن الموقف من التطورات والانتكاسات التي وقعت في حدود تلك الحقبة اللبنانية المُشار إليها سابقاً ليس غير...

هذا ما وسعني قوله جواباً عن سؤال لماذا؟ أما سؤال كيف؟ فليس أمامي للردِّ عليه سوى بيان ما أقدمت عليه من إعادة قراءة تلك الأوراق المطوية في أدراج مكتبي واختيار ما أجده وافياً بغرض التعبير عن الموقف الآنف الذكر. فكانت حصيلة هذه العملية ما انبسط بين دفَّتي هذا الكتاب من نصوص توزَّعت على خمسة فصول هي: فصل أول: في الثقافة وفي أهلها وهيئاتها الفاعلة، و فصل ثانٍ: في السياسة الراهنة وتلاوينها المختلفة، و فصل ثالث: في العدوان الإسرائيلي وسبل مواجهته، و فصل رابع: في الطائفية وسبل مقاربتها، و فصل خامس وأخير: في الانتخابات النيابية: قانوناً وتطبيقاً وتداعيات.

إنَّ مضامين فصول هذا الكتاب الخمسة، تفصح، إلى هذا الحد أو ذاك، من الإبانة والتوثيق، عن قراءتي الشخصية لطبيعة تلك المرحلة الزمنية وتجلّياتها، في مخاضات الأحداث وعصف المتغيّرات والتداعيات، وذلك منظوراً إليها من زاوية رؤيتي الذاتية التي لا أدَّعي لها الصواب، في المطلق، بل هي تخضع لقانون النسبية الذي يتسع، في أحكامه، للقبول بالخطأ والصواب في ما يصدر، سواءً عن الفرد أم الجماعة، من قولٍ أو فعل، في حيِّزين محدَّدين من الزمان والمكان..

وقصارى ما يسعني، اليوم، الإتيان على ذكره، في هذا الصدد، هو أنَّ ما جاء في هذا الكتاب ليس غير ما يشبه المرآة التي عكست، بهذه الصورة أو تلك من الوضوح والدقة، ما كنت عليه من قدرة، تحليلية واستنتاجية وبيانية، على قراءة ما يجري حولي من تطورات وارتدادات عاصفة في لبنان، خلال تلك المرحلة التي كانت مشحونة بديناميات جدل الداخل والخارج العالية التوتر إلى حدود قصوى.

وأخيراً يتعيَّن عليَّ أن أوضح، حرصاً، منِّي، على الأمانة، بأنَّ ما ألقيته من على المنابر الثقافية قد نُقل إلى متن هذا الكتاب كما جاء على لساني، إلى حد بعيد، أما ما نشرته في الصحف والمجلات فقد عملت على تصحيح الأخطاء المطبعية الواردة في نصوصه، كما صوَّبت بعض العبارات، التي وجدت فيها شيئاً من الالتباس والغموض أو شيئاً من التكرار غير المحمود...

وثمة إشارة توضيحية أخرى تفيد أني حرصت على تبيان تاريخ كل نص في ذيله من الكتاب وأني اتبعت الأسلوب التراجعي في تأريخ النصوص بادئاً من التاريخ الأقرب تسلسلاً إلى الأبعد. إذاً فليس هناك من نص واحد في الكتاب إلَّا ويحمل التاريخ الذي نشر فيه على صفحات هذه الجريدة أو تلك، أو ألقي من على هذا المنبر أو ذاك من المنابر الثقافية المعروفة مكانةً وعنواناً...

وبعد فمهما يكن من أمر فإنَّ غايتي من وراء نشر هذه النصوص، التي مرَّ عليها الزمن، لا يتعدى إنقاذ أوراقها من الذبول والتساقط، ليس لارتفاع مستوى قيمتها الأدبية أو الثقافية أو السياسية بل لتعبيرها، عندي، عن فصل مفعم بالثنائيات المتناقضة: الأمل والخيبة، الفرح والحزن، التفاؤل والتشاؤم، من فصول عمري المتقدِّم.

أما عنوان كتابي هذا فقد اقتبسته، من مثلٍ، ذي دلالة، من أمثال العرب القديمة الشائعة، وهو: "كصائحٍ في وادٍ ونافخٍ في رماد" . وإذْ اخترت مجزوء هذا المثل، فليس من قبيل الادِّعاء بفرادة صياحي في وادي لبنان، بل لكون صياحي، كما أزعم، مجرد رافد متواضع من روافد الصياح الذي يَهدُر، منذ ما يزيد على سبعة عقود، في وادي الوطن من غير أن يخلِّف صدىً مثمراً في أسماع المسؤولين عن لبنان على مرِّ عهودهم المتعاقبة...

... وأخيراً فالحكم، في ما أقدمت عليه، لا يعود إليَّ، مهما تكن الاعتبارات التي أخذت بها نفسي، بل يعود، أولاً وأخيراً، إلى مَنْ يقع بين يديه جزء من هذا الكتاب للاطلاع عليه وإبداء الرأي فيه إذا شاء ذلك مشكوراً...

بيروت في 9/9/2009 حبيـب صـادق

الصفحات