أنت هنا

قراءة كتاب في بلاد الدخان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في بلاد الدخان

في بلاد الدخان

كتاب " في بلاد الدخان " ، تأليف هدى عيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

(2)

لا زال يتصفح جريدة «النهار» والنادل لم يحضر فنجان قهوته. اجتذبته دائماً قهوة «الومبي» إلى جلستها ومقعده فيها لا يكاد يتغير، وقد رحب به النادل الأشيب طويلاً حينما علم أنه عاد ليستقر نهائياً في لبنان، ولن يعود للسفر مجدداً. طوال الفترات التي كان يعود فيها إلى بلده، كان يختص هذا المقهى ولو بزيارة سريعة يجلس فيها قرب النافذة الزجاجية ويراقب الناس في شارع الحمراء. كان يحلو له أحياناً أن يعد الأقدام المارة قبل أن ينتقل إلى الوجوه، لم يكن يحب الوجوه هناك. كان يفقد الإحساس بالانتماء وهو يرقبها لشدة اختلاطها وفقدانها عنصر التمايز، فهو لا يستطيع أن يحدد المار هل هو لبناني أو سوري أو مصري أم فرنسي، سيريلانكي أو بريطاني؛ بيروت مدينة مفتوحة مشرّعة الأبواب، وهو أحياناً يفقد فيها حس الاتصال! تبثّ فيه إحساساً مغايراً لذاك الذي يشبع منه في قريته.

يقرّب النادل فنجان قهوته، يشتم عبيرها بشغف ويحاول تأنياً في الارتشاف يستطعم مرّها، يجده ألذّ من مرارته الدفينة التي تأبى عنه الرحيل.

يسقط عينيه مجدداً على الصحيفة لكنّ أفكاره تأبى أن تركن إلى قراءة السطور. زيارة البارحة هزّته وأكّدت له حقيقة البعث من جديد.

ما أتى بها إلى منزلهم، وفيقة الجميلة؟!؟! وفيقة!! يا له من زمن ولّى! حانت منه التفاتة إلى ساعته، الثانية عشرة والربع يا له من أرعن سيتأخر عن السمسار الذي وعده برؤية العيادة، أخفى عن والديه أنّه ما استطاع استئجاراً للعيادة حتى الآن لئلا يزعجهما! في كلماتٍ أنهى الموضوع: وُفّقت بعيادة بسيطة في منطقة «المزرعة» وأنا أعمل الآن على تأثيثها! والحقيقة غير ذلك فلقد هالته الأزمة السكنية في بيروت، ليس في وجود الشقة أو العيادة وإنّما في الأسعار الخيالية التي تُطلب لقاء الواحدة منها ولم يشأ أن يرهق فكر والديه بمثل هذه الأمور. يترك باب المقهى ويطرق بلاط الرصيف مستعداً لقطع الشارع وإذ بسيارة مرسيدس سوداء تتوقف أمامه، الزجاج الخلفي ينزلق ببطء، فيبدو من خلفه رأس أسمر صغير أكرت الشعر ينظر من خلف نظارتيه السوداوين اللتين أسقطتا على أرنبة الأنف:

ــــــ إذن وجودك في لبنان ليس إشاعة، أنت حقاً ههنا!!

«عصمت سليمان» من أي زمن تنبعث، يا لضيق الأرض على رحبها!

ــــــ أهلاً، أهلاً كيف حالك يا عصمت؟

مدّ يده محاولاً التسليم من النافذة لكنما الرجل فتح الباب قائلاً في شبه حزم:

ــــــ إركب، إركب يا رجل، يا لها من صدفة، أنظر كنت سأطلب من السائق أن يسلك الطريق البحري بدل أن نمرّ في هذه الشوارع المزدحمة يا لها من صدفة، أهلاً أهلاً يا إبراهيم، كيف حالك يا رجل، مر زمن طويل، كم؟ خمس عشرة سنة، عشرون سنة؟ لا أراك، ولا أسمع عنك، عاتب عليك أنا، لكن لا بأس، سأعرف كيف أخلّص حقي منك، ملتفتاً نحو السائق، إلى «البريستول» سنتغدى في «البريستول» ما رأيك موافق، ها موافق، إلى هناك.

ــــــ ما زلت كما أنت، لم تتغير! دائماً على عجلة من أمرك!

ــــــ بلى تغيّرت كثيراً يا صديقي، ها، ها، لقد زاد وزني وغزا الشيب فوديَّ وأنت ما زلت محتفظاً بالتماع شعرك وسواده، ها أخبرني قل لي ما أخبارك، قيل لي أنهيت اختصاصك، آه عال جيد، أنت طبيب على ما أذكر، ولكنْ الأطباء، الأطباء باتوا كثيرين في هذي البلاد يا عزيزي، باتت البلاد تغصّ بهم، تكاد تتقيؤهم، ها، ها آسف أنا أمزح فقط.

من أي زمن انبعثت يا عصمت، وما هذه النعمة التي حلت عليك؟ كيف وأين ومتى؟ ولم؟ آخر أخبارك التي علمت بها والتي لم أستهجن كانت سرقتك كمية من الذهب ضُبطت لأجلها بعدها انقطعت عني أخبارك، وينقصني الآن التفسير!!

ــــــ أنهيت اختصاصي، وأنت ما بالك...

كانت السيارة قد وصلت أمام الفندق سريعاً، بعد أن كان عصمت يوجه سائقه مؤشراً بيده. نزل عصمت وشد به للنزول وكان إبراهيم لا يملك إلا الموافقة في غمرة الضجة والزوبعة التي أثارها صاحبه بلقائه المفاجىء ذاك...

الصفحات