أنت هنا

قراءة كتاب ما لم تشهد عليه النوارس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما لم تشهد عليه النوارس

ما لم تشهد عليه النوارس

كتاب " ما لم تشعهد عليه النوارس " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

موبايل الحجي !

حجي مزهِّر لم يكن في يوم من الأيام مهتماً لأي سلعة في المنزل سوى البرّاد وجهاز التكييف، ماعدا هذا، فهو لم يكن مكترثاً لأي شيء آخر سوى وسادته الكبيرة وإبريق الشاي الذي لم يتعوّد الفراغ، ولا الاستراحة أبداً.

إبريق الشاي هذا يحتل مكانة خاصة لدى حجي مزهِّر، فهو إبريق الشاي ذاته الذي كان والده يسقي منه الضيوف في ديوان يضجّ به الحديث من قبل رجال كبار السن لا يملّون تكرار مذكراتهم وكأنهم يلتقون للمرّة الأولى!

حجي مزهِّر يبغض جهاز التلفزيون بغضه لحزب البعث، وهو يُطلق عليه تسمية «لسان الشيطان »، فكان يصيح بأسى إن سمع صوت أغنية أو نغمة موسيقى .. أما في أيام عاشوراء فكان يقمِّط التلفزيون بقماش اسود .. لم يكن يقمّطه بل كان يكفّنه تكفين الميت الذي لا رجاء من عودته ناطقاً أبداً.

حجي مزهِّر لا يكترث لرأي أحد في هذا الأمر خصوصاً، ولا حتى لكبرى بناته كاظميه، التي لاح فجر شيبها ولم يدن أحد لخطبتها، بسبب كونها أبدن امرأة في الدنيا فهي، «توزن بقرتين معاً» حسب تقديرات حجي مزهِّر نفسه حينما يهمس لزوجته ليلاً.

كاظميه.. كانت تتوسّل بأن يبقي الحجي على التلفزيون أيام عاشوراء وقد أقسمت أنها لن تسمع أغنية واحدة، لكن الأب كان يحتدّ أكثر:

«هذا مصاب الحسين.. الجرأة على أبي عبيدالله الحسين، تجلب الفقر».

كانت كاظميه تلهو بإعداد الطعام للعائلة الكبيرة ولضيوف الديوان، وهي وظيفة يحسدها نساء الحي عليها لكونها تجعلها مقربة من حجي مزهِّر، بينما هي في الحقيقة تحاول التعويض عن عنوستها وإحساسها بالقهر كلما رأت أختيها مع بعليهما، وإخوتها الستة مع أسرهم يتضاحكون.

أمر آخر كان يسل ّي كاظميه: رسائل الأخ السابع البعيد «محمود»، هو الأخ الأوسط لكنه الأكثر قرباً إلى قلبها وقلب أمها، بل وإلى قلب حجي مزهِّر نفسه الذي لا يقبل أن يناقشه أحد بهذا التعلّق الكبير بمحمود، فيصيح دوماً، وبالكلام ذاته في وجه بناته وأولاده:

ـ محمود ابني

فيصرخ الجميع وكأنهم فرقة إنشاد مدربة:

ـ " وحنه.. إحنه اولادك بويه ليش اتفرق هيج.. ليش؟! "

ـ أنتم أولاد الفلوس.. كلكم تنتظرون موتي على مود الورث.

ـ " عسه عمرك طويل بويه.. ليش هيج اتفكر " .

وبصوت ماكر يشبه فحيح الأفعى ساعة انقضاضها على فراخ البط:

ـ زين محمود متنازل عن حصته من الورث منو منكم مستعد يتنازل؟!

هنا يعم صمت مهيب، فيصرخ الحجي:

ـ ها.. شو سكتو؟!!.. أولاد الكلب أتريدون أموت على مود اتورثوني.. والله لراح اسجل كلشي باسم محمود.. يا أولاد الجلب.. يا أولاد الكحبه.

فترتفع الأصوات بضرورة الخوف من الله، وحق الأطفال، ويعمّ لغط لا منتهى منه إلا بأن يرفع حجي مزهِّر عصاه ويطرد الجميع، كل واحد إلى غرفته المخصصة له في البيت الكبير.

عندها يجلس حجي مزهِّر في الديوان وحيداً، ولا يقبل حتى لزوجته العجوز أن تدنو منه، فقط كاظميه تعد له إبريق شاي،تأتي به وهي تخطو برفق على سجادة الديوان الفارسية الحمراء، تسكب قدحين فتضعهما فوق صينية صغيرة وتمضي من دون كلام.

يتكىء حجي مزهِّر على وسادته الكبيرة، يلاعب سبحته غالية الثمن.. يحك شعر لحيته التي ازداد طولها أكثر مما كانت عليه العادة في السنوات الماضية:

ـ محمود كان زلمه، كان رجّال.. أبد ما اخذ مني افلوس ابد، آاه اخذني الكبر والشيب ومحمود باستراليا، إيقولون صارت عنده أكثر من ابنيه اينام وياها.. لا ويقولون اينام وياهن مره وحده.. يعني إنه بالجنة.

يبتسم حجي مزهِّر.. ثم يفلت صوته منه فيقهقه لوحده، وهو يتخيل ابنه عارياً مع أربع شقراوات حسناوات.

ـ اي.. اي ابن البط عوام.. اي يامحمود كلشي بيك حلو بس اسوالفك ويه النسوان.. انت وين والشرده إلى رفحا والسعوديه وين.. انت ما تكدر تذبح دجاجه لمّك هسه صرت معارضة.. زمن!!

الصفحات