كتاب " مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني " ، تأليف مهدي عامل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
فعلى سبيل المثال أقول: إن العلاقة بين طرفي التناقض ليست، كما هي في التناقض الهيغلي، علاقة تماثل يختلفان فيها فقط، باختلاف الموقع الذي يحتله كل منهما في هذه العلاقة، بل هي، في التناقض المادي الماركسي، علاقة اختلاف هي في أساس الصراع بينهما، ولا يصير الواحد منهما فيها الآخر، إن هو احتل موقعه، بل يظل في موقعه الجديد هذا مختلفاً عنه. هذا ما يسمح لنا، مثلاً، بفهم الاختلاف الجذري بين الثورة البورجوازية والثورة البروليتارية، أو بين السلطة الطبقية البورجوازية والسلطة البروليتارية. لئن كانت الأولى تهدف إلى تأبيد سيطرتها الطبقية بتأبيد المجتمع الطبقي، فإن الثانية تهدف، في مفهومها النظري، إلى إلغاء الطبقات وإلغاء نفسها كطبقة مسيطرة، والانتقال بالمجتمع إلى الشيوعية.
في ضوء هذا الفهم المادي للتناقض، تبلور مفهوم نمط الإنتاج الكولونيالي، وظيفة هذا المفهوم النظري تكمن في أن يفهم الاختلاف البنيوي بين طرفي التناقض في العلاقة بين المجتمعات المستعمرة أو المستعمرة سابقاً، والمجتمعات الامبريالية، في وحدة الطرفين في النظام الرأسمالي العالمي. إن كل نظر في العلاقة بين هذين الطرفين في ضوء فهم هيغلي للتناقض يقيم بينهما علاقة تماثل، لا بد من أن يصطدم بواقع الاختلاف بينهما في كل مفصل من مفاصل تطور كل منهما وسيرورته بارتباطه العضوي بالآخر، فتستعصي عليه المعرفة، أو يصل إلى شكل منها يُخطىء فيه موضوعها، لأنه شكل من اجترار مفاهيم جاهزة يسقط بها على بنية مجتمعاتنا وسيرورتها التاريخية المتميزة هيكلاً من التطور ربما كان صالحاً لمعرفة تطور المجتمعات الامبريالية وبنيتها. بهذا الإسقاط، يكتفي الفكر الجامد، في مقاربته واقعنا التاريخي المختلف، بقراءة هيكله، فيرى، مثلاً، في هذا الواقع، المراحل التاريخية نفسها التي مرّت بها الرأسمالية في البلدان الامبريالية، ويرى فيه غير ذلك مما يتضمنه هيكله، ويستخلص، بالتالي، بسهولة مذهلة، ما عرفنا من مقولات خاطئة طبعت ممارسات الحركة الثورية في العالم العربي طوال نصف قرن أو أكثر، كالقول، مثلاً: إن مرحلة التحرر الوطني هي مرحلة مستقلة تاريخياً عن مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية، لأنها مرحلة بناء الرأسمالية وطورها الصاعد، على قاعدة العداء للامبريالية، وهي مرحلة تكوّن الطبقات واكتمال نمو الطبقة العاملة، على نموذج المجتمع الرأسمالي المتطور، وهي مرحلة الضرورة في أن تكون القيادة الطبقية فيها للبورجوازية «الوطنية» المعادية للامبريالية، وأن يقتصر دور الطبقة العاملة والحركة الثورية فيها على دعم هذه البورجوازية، فالخطأ المميت هو القفز فوق المراحل.
لقد حددت نمط الإنتاج الكولونيالي كشكل تاريخي مميز من نمط الإنتاج الرأسمالي، هو بالضبط شكل الرأسمالية المرتبطة ارتباطاً تبعياً بنيوياً بالامبريالية، في تكوّنها التاريخي وفي تطورها الراهن أيضاً. وحاولت أن أحدد طبيعة الاختلاف بين هذا الشكل من الرأسمالية وبين الرأسمالية الامبريالية في أوروبا مثلاً. ولعل الاختلاف الرئيسي الذي يفسر سائر أوجه الاختلاف بينهما هو أن الرأسمالية في مجتمعاتنا الكولونيالية قد بدأت تتكون تاريخياً في طور أزمة النظام الرأسمالي العالمي، فكان طور تكوّنها الصاعد هو طور أزمتها، بمعنى أنها لم تعرف الطور الصاعد الثوري الذي عرفه أو مرّ به نمط الإنتاج الرأسمالي في أوروبا، فكانت بنيتها بنية أزميّة ـ أو أزمويّة ـ منذ بدء تكونها في ظل السيطرة الامبريالية. لذا كان تطورها التاريخي يرتطم باستمرار بعائق بنيتها الأزمويّة هذه، بمعنى أن تطورها كان مأزوماً، أي مُلجماً من داخل بنيته، بارتباط هذه البنية ارتباطاً تبعياً بالامبريالية. وهذا أثر بارز من آثار قانون تفاوت التطور الذي يحكم النظام الرأسمالي العالمي، فيه نجد تفسير إلجام سيرورة التفارق الطبقي في البنية الاجتماعية الكولونيالية. فتحقق هذه السيرورة يصطدم باستمرار بعائق داخلي في هذه البنية يحول دونه، هو هذه البنية بالذات، من حيث هي بنية الرأسمالية التبعية، أي بنية الإنتاج الكولونيالي. ليس الاختلاف إذن، بين بنية هذا الإنتاج وبنية الإنتاج الامبريالي، في وحدة الاثنتين في بنية النظام الرأسمالي العالمي، اختلافاً كمياً ـ إن صح التعبير ـ في درجة التطور، بل هو اختلاف بنيوي، أي اختلاف في البنية يستحيل فيه أن يصير الإنتاج الكولونيالي إنتاجاً امبريالياً أو أن يلحق به. وهذا الاختلاف بينهما الذي يجد أساسه المادي في علاقة التبعية البنيوية التي يخضع فيها الأول للآخر خضوعاً متجدداً بتجدد هذه العلاقة، دائماً بديمومتها، يظهر واضحاً في أن الإنتاج الرأسمالي الامبريالي يميل في تطوره المتوسع إلى القضاء على علاقات الإنتاج السابقة عليه، بينما يعجز الإنتاج الكولونيالي، نسبياً، في تطوره الملجم بتلك العلاقة، عن القضاء على هذه العلاقات السابقة المتعايشة معه في البنية الاجتماعية الكولونيالية، ويميل، بالعكس، في تطوره هذا، إلى السماح لها بالتجدد، كأن الشكل الذي فيه يسيطر عليها، هو نفسه الشكل الذي فيه يُعاد إنتاجها، نسبياً.
رسمت بسرعة بعض الخطوط العريضة من تحليل مفهوم نمط الإنتاج الكولونيالي، لا لأستعيد التحليل الذي قمت به، بل لأؤكد على الضرورة المنهجية للنظر في علاقة الاختلاف التي تربط مثل هذا النمط من الإنتاج بالإنتاج الامبريالي. وما زلت أستعين بهذا المفهوم، وأرى فيه، على الأقل، فائدة منهجية لمستها في تحليل البنية الاجتماعية في لبنان وفي تحليل أسباب الحرب الأهلية فيه. أما ما قرأت من نقد لهذا المفهوم، على قِلّته، فلم يكن مقنعاً. لذا أرى أن الفرضية النظرية التي انطلقت منها في أبحاثي ما زالت في طور الاختبار التاريخي. لكنني توصلت بها إلى نتائج نظرية وسياسية مهمة، منها: إنّ سيرورة التحرر الوطني في البنية الاجتماعية الكولونيالية هي هي سيرورة الانتقال من الرأسمالية التبعية إلى الاشتراكية، في حركة معقدة من الصراع الطبقي هو هو الصراع الوطني نفسه. لذا كان دور الطبقة العاملة في هذه السيرورة الثورية هو دور القيادة الطبقية، بحكم موقعها في علاقات الإنتاج الكولونيالية، من حيث هو موقع الطبقة المهيمنة النقيض.