أنت هنا

قراءة كتاب من زوايا أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من زوايا أخرى

من زوايا أخرى

هذه مجموعة من مقالات فواز طرابلسي في السفير خلال السنتين المنصرمتين. لقد أراد لها أن تكون رؤية للأحداث "من زوايا أخرى" غير تلك التي تقدمت بها من أطراف النظام والطبقة السياسية اللبنانية أو من مراكز القرار الدولي أو الحكّام.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

دفاعاً عن إعلان بيروت دمشق

إعلان دمشق بيروت

يسوق «المحرر السياسي» لجريدة «تشرين» في تعليقه على «اعلان بيروت دمشق...» (17 أيار 2006) اتهامات لموقعي البيان أقل ما يقال فيها انها خطيرة وأهمها:
«تبرئة ساحة «إسرائيل» وإدارة بوش من كل الكوارث والمآسي التي عاشها ويعيشها لبنان في ظل سياسة الهيمنة والتسلّط الأميركية وتوجيه الاتهام لسورية» وهذا ما يؤكد عدم صدور «الاعلان» عن نوايا حسنة؛
«التزامن المريب» في توقيت نشر البيان مع قرار مجلس الأمن الجديد المعادي لسورية؛
ينعى «المحرر السياسي» على تجاهل «الاعلان» المراحل التاريخية في العلاقات بين البلدين؛
اعتبار «الاعلان» ان وجود العمال السوريين في لبنان «ضار للبنانيين».
اكتب دفاعاً عن «الاعلان» بصفتي أحد الموقعين عليه من ضمن فئة من اللبنانيين، لست ازعم النطق باسمها ولا معرفة حجمها، لكني اعرف عنها انها ترفض الحزبية القيسية اليمنية الجديدة السائدة في لبنان، بين 8 آذار و14 آذار، وتعيش قلقاً شديداً على التدهور في العلاقات بين سورية ولبنان وتسعى إلى اقتراح جدول أعمال لعلاقات لبنانية سورية من منظار الشعبين ولمصلحتهما معاً. من هنا ان ابلغ جواب استطيعه على تعليق صحيفة «تشرين» هو ما ورد في «الاعلان» ذاته وعنوانه، للمناسبة، ليس «اعلان بيروت دمشق» وإنما «اعلان بيروت دمشق/ اعلان دمشق بيروت».
في مستهل تعليقه، يستغرب المحرر السياسي صدور الاعلان «منذ يومين وبلا سابق انذار» وهو بذاته استغراب يثير اشد الاستغراب لأسباب عدة. فهل من عادة كتبة البيانات والاعلانات في سورية ولبنان ان «يُنذروا» «المحرر السياسي» في «تشرين» عندما يهمّون بنشر بيان يعربون فيه عن آرائهم في مسألة من المسائل؟ مهما يكن، يفترض السؤال ان نشر «الاعلان» لم يسبقه «انذار». والحال انه لم يسبقه انذار وحسب بل سبقه... نشر للاعلان ايضا. فقد نشرت جريدة «المستقبل» اللبنانية مسوّدة لــــ«الاعلان» في عددها الصادر يوم السبت في 29 نيسان المنصرم بعنوان «مثقفون سوريون ولبنانيون يدعون إلى علاقات خارج مشاريع الضمّ والاستعلاء والقطيعة». وقبلها بأيام عدة، عممت وكالة الانباء الايطالية، من دمشق، خبراً عن «الاعلان» في احدى نشراتها. لهذا، يحلو لي ان اتصوّر ان «المحرر السياسي» كان مطّلعا على «الاعلان» قبل أسابيع من نشره وإلا لاضطررت إلى التشكيك في كفاءاته الصحفية.
لا ينتهي موضوع توقيت نشر «الاعلان» عند هذا الحد. فثمة «تزامن مريب» في نشر «الاعلان» مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي بصدد سورية. ولكن متى في الخطاب التبريري للانظمة، كان هناك وقت مناسب لنشر رأي لا يتطابق مع رأي تلك الانظمة ولغتها والمصطلحات؟ كل ما نستطيعه في هذا المجال هو ان نسأل «المحرر السياسي» لجريدة «تشرين» ان يخطرنا في المرة المقبلة عن الأيام والأسابيع والأشهر الحُرُم التي لا يجوز فيها نشر اعلانات تبدي القلق على تدهور العلاقات اللبنانية السورية وتسعى إلى تصحيحها. ولكن فلنسأله: هل الاعتقالات التي بدأت بتوقيف ميشيل كيلو ورفاقه فيما «حملة أميركية إسرائيلية» تستهدف سورية وتمارس عليها الضغوط والتهديدات، تنتمي إلى «التزامن الموفّق» الذي لا يسيء إلى سمعة سورية وهيبتها، وهي الاساءة التي يبدو ان ميشيل متهم بها؟
في مجال الاستغراب أيضاً وأيضاً، تقول «تشرين»: «والغريب ان يتجاهل الموقعون على الاعلان أهم المراحل التاريخية في العلاقات بين البلدين...». هذا هو بعض ما ورد في «الاعلان» عن «المراحل التاريخية في العلاقات بين البلدين» ونعتذر عن الاطالة:
«نود، في حيّز هذا الاعلان، ان نستعيد أيضاً ما يختزنه تاريخ شعبينا من نضالات وتضحيات مشتركة، متذكرين، في هذا الصدد، شهداء ساحتي المرجة، في دمشق، والبرج في بيروت، خلال العامين 1915 و1916، والانتفاضات الوطنية والشعبية ضد الانتداب الفرنسي عندما كانت المدن اللبنانية تقفل وتتظاهر ويتلقّى شبّانها الرصاص بصدورهم تضامناً مع انتفاضات المدن السورية والعكس بالعكس». ويتابع موقعو الاعلان قائلين: «ولقد توقفنا أمام المسؤولية الكبرى التي تتحمّلها الطبقات الحاكمة في البلدين في الدفع نحو القطيعة الاقتصادية عام 1950 ووأد الحلم المشترك لروّاد الاستقلال في تأسيس دولتين مستقلتين تقيمان أوثق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بينهما. على ان طغيان تلك المصالح الضيقة لم يمنع الشعبين من تجديد نضالهما المشترك من أجل قضية فلسطين وضد الاحلاف العسكرية الدولية والاقليمية وصولاً إلى تضامنهما، خلال العقود الأخيرة، في التصدي للعدوان الإسرائيلي عليهما واحتلاله لأجزاء من أراضيهما وقد اثمر التصدي في لبنان تحرير جنوبه المحتل».
أخيرا، تنسب «تشرين» إلى «الاعلان» اعتباره ان وجود العمال السوريين «ضار للبنانيين». بادئ بدء أطالب «المحرر السياسي» بأن يدلّني أين وردت هذه العبارة لكي اسحب توقيعي. حقيقة الأمر ان العبارة لم ترد في «الاعلان» قطعاً (راجع الفقرتين 7 و8). ما ورد فيه هو استنكار اشكال التمييز والعنف التي تمارس ضد العمال السوريين في لبنان، ومطالبة السلطات اللبنانية بتعقب المتهمين بجرائم الاعتداء على هؤلاء العمال، وصولاً إلى القتل، واعتقالهم وتقديمهم إلى المحاكمة ليلقوا الجزاء الذي يستحقون». هذا في الفقرة السابعة التي لا يأتي «المحرر السياسي» على ذكرها طبعا. ولما كنا نرجّح ان «المحرر السياسي» عضو في حزب لا يزال يذيّل اسمه بالاشتراكية، وددنا تذكيره بأن وجود يد عاملة سورية كثيفة ورخيصة وافدة في لبنان قد اسهم ولا شك في إعمار البلد بعد الحرب مثلما اسهم في توفير موارد مالية اضافية للأسر السورية. لكن آثار ذلك الوجود الكثيف للعمالة السورية قد توزعت على نحو متفاوت. فقد أفاد ويفيد بالدرجة الأولى أرباب الأعمال على خفض أكلاف إنتاجهم والخدمات، ولكنه يضغط في المقابل على أجور العمال المحليين والضمانات. وهذه هي فحوى الفقرة الثامنة من «الاعلان» التي تدعو إلى «ضرورة سن قوانين تنظّم انتقال العمالة واستخدامها بين البلدين لضمان مصالح العمال وحقوقهم». والمقصود هنا العمال اللبنانيون والسوريون.
طبعا، لم يأت «المحرر السياسي» على ذكر ما ورد في البيان عن تحرير الجولان المحتل، وعن ان التباين بين الانظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين البلدين لا يحول دون التنسيق والتكامل والتصحيح المتبادل بينهما، ولا هو أتى على رفض «الاعلان» سلفاً أية عقوبات اقتصادية قد تفرضها المؤسسات الدولية على الشعب السوري، ما يجعلني اتساءل عن أي «اعلان» كان يعلّق.
يبقى سؤال: لماذا لا ينشر «المحرر السياسي» «اعلان بيروت دمشق/ اعلان دمشق بيروت» في صحيفته ليتسنى لقراء «تشرين»، وسواهم، الاطلاع على خطورة ما ورد فيه فيتحصنوا منه بالحجج الدامغة التي يسوقها «المحرر السياسي»؟
19/5/2006

الصفحات