أنت هنا

قراءة كتاب قلبي ليس للبيع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قلبي ليس للبيع

قلبي ليس للبيع

رواية (قلبي ليس للبيع) وصمة من الحياة تنبجس عما تخفيه الأنفس من أسرار ومشاعر وعقد وتناقضات حياتية يومية بين المعهود واللامعهود؛ أقدم لكم في هذه الحبكة ثلاث شخصيات رئيسية، كلّ شخصية منها تحمل وجهة نظر وبيئة مختلفة، ولكل منها مفاهيم خاصة وبصمة دامغة بسبب البي

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

الشخصية الأولى :ناهد

سامحني، قلبي ليس للبيع.

ما الحل يا ترى؟

ناهد الفتاة المرحة، الشقية، المندفعة، والمتهورة... التي تحمل مبدأ في الحياة ألا وهو أن قلبها ليس للبيع أو لم يعد للبيع، يا ترى ما هو سبب شعارها هذا؟ ومن أين أتت به؟
والآن تفضل معي عزيزي القارئ لتبحر معي على مركب الذكريات ونتوغل في الأعماق.
***
في إحدى الفلل القابعة في شارع الهرم تقيم الشخصية الأولى في فيلا ذات طبقتين تحيط بها حديقة غناء.. فلنبحث بين أركان الفيلا عنها ونتجول بأعيننا في المكان فنجتاز البهو، وندخل إلى غرفة المعيشة ذات الألوان الهادئة والتماثيل الكبيرة وآنيات الزهور المتناثرة في كل مكان، فلنتوقف لحظات أمام الصورة الكبيرة التي تتوسط غرفة الجلوس، إنها لفتاه شقراء، ذات عينين بلون الزمرد وعلى شفتيها ابتسامة مرحة، ويزين عنقها عقد من اللؤلؤ وقد ارتدت فستاناً أزرق اللون، عاري الكتفين وتحمل بين يديها طفلاً صغيراً، ربما لم تمضِ بضعة أشهر على ولادته؛ إنه أبيض اللون مشرّب بالحمرة، شعره أسود كدجى الليل، وقد أهدته والدته أجمل ما لديها، أهدته عينيها ذات اللون المميز، وإلى جانبها رجل يحيطها بذراعيه يبدو عليه أنه مزهو بها والسعادة تغمر ملامح وجهه... لنترك هذه الصورة ونصعد الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي؛ ما أن ينتهي الدرج حتى نجد أمامنا غرفة كبيرة، طليت جدرانها بلون لؤلؤي فخم وانعكست قطع الأثاث على أرضيتها المصنوعة من الرخام اللامع، يتوسطها سرير كبير، فنجدها ها هي وقد انفرجت شفتاها عن نصف ابتسامة، وجسدها الطري ملقى بإهمال فوق فراشها كأنها ريشة لعبت بها الرياح حتى سئمت منها وهجرتها عند قارعة الطريق.
كانت عيناها الشاردتان معلقتين بالسقف وفيهما بريق غريب، إنه بريق الماضي.. تفتح شفتيها زهواً كالبراعم الصغيرة تارة وترى سحابة سوداء خيّمت على وجهها تارةً أخرى، فمن يلمحها يظن أنها تشاهد فيلماً سينمائياً يعرض على سقف غرفتها، لكنها كانت في عالم نسجته خيوط ماضيها، إنه فيلم كانت هي بطلته في يوم من الأيام.
إنها تقلب ماضيها وتتصفحه، وربما كانت تتغذى من هذا الماضي فيكون لها مثل الهواء والماء وتستمد قوتها منه حتى تعيش في هذه الدنيا، وربما كانت تستعرض ماضيها لتودعه وتطوي صفحة هذا الماضي كي تواجه الحاضر.
تسللت أصوات الموسيقى التي تنبعث من المذياع بهدوء إلى أذنيها لتحملها إلى ذكرياتها وتحملنا معها.
في الطابق السفلي للفندق، وبالتحديد في مطعم (أورفاج) ندخل إلى مكان الحدث، وأثناء دخولنا نجد مدير المطعم يستقبلنا بابتسامته المزيفة ولسانه يردد شتى أنواع التحيات والمجاملات، ثم نعبره لندخل إلى المطعم الراقي الذي زينت حيطانه بأوراق الجدران الفضية اللون المزخرفة بالنقشات السوداء والأنوار الصفراء الخافتة الدافئة وقد امتلأ المكان برائحة الشموع المعطرة الممزوجة برائحة الدخان المنبعث من السجائر. لقد كان تصميم المطعم أنيقاً للغاية، فهو يحتوي على بعض التحف القيمة واللوحات الزيتية المزيفة لمشاهير الفنانين، كذلك فإنَّ الطاولات صفّت بطريقة مرتبة على شكل هرم، وترامت لنا أصوات أطباق الطعام وأدواته المرتطمة ببعضها بعضاً، بالإضافة إلى شيء من الهمسات والضحكات التي لا يقطعها إلا بعض الألحان المنبعثة من الفرقة الموسيقية القابعة في إحدى الزوايا التي تعزف من حين إلى آخر، وانتشى المكان بالبرودة بسبب تيار الهواء القادم من جهاز التبريد.
كان العاملون هناك يرتدون ملابس أنيقة موحّدة صنعت من الحرير الأسود والأبيض، ويتسللون بين الطاولات المصفوفة بشكل مرتب ذات الشراشف اللؤلؤية اللون التي تتوسطها مزهريات الورود وبعض الشموع وهم يحملون ألذ الأطعمة والمشروبات، وامتلأ المكان بمختلف الأجناس؛ فهنالك عائلة تحتفل بعيد ميلاد أحد أبنائها، كذلك ترى عاشقين هائمين في الحب جالسين أمام ضوء الشموع لا يباليان بما حولهما، وتشاهد بعض العمال الكادحين الذين انتهى يومهم الشاق فقرروا الترفيه عن أنفسهم ببعض الكؤوس، وبعض عارضات الأزياء بقوامهن الممشوق الجالسات قرب الحانة؛ كل ذلك، من أجل أن نتسلل بهدوء حتى نصل إليها وإلى ماضيها.
كانت تجلس إلى إحدى الطاولات القريبة من الفرقة الموسيقية، التي تطل مباشرة على حديقة الفندق الخلابة، ولقد ازدحمت الطاولة ببعض الرجال والنساء الذين كانوا يتبادلون الأحاديث وتعلو أصواتهم بالضحكات.
في ذلك الوقت كانت في مقتبل العشرينيات من عمرها، باهرة الجمال ذات عينين شبيهتين بالزمرد، وشفتين بلون الورد وشعر طويل بلون العسل يصل إلى أسفل ظهرها، ذات جسم متناسق، معتدلة القامة، ترتدي فستاناً يكشف عن مفاتنها بشكل لافت للنظر، أحمر اللون، قصيراً للغاية، أبرز ثنايا جسدها بطريقة رائعة، وكان بريق الألماس يزيد من تألقها.
فالذي يراها للوهلة الأولى تراوده الشكوك أنها تحفة وضعت في ركن من الأركان حتى تزيد من جمال المكان.. يعتقد أنها تمثال، جماد، لوحة رسمها فنان وهجرها، يخيم عليها الصمت، ملامحها جامدة، وعيناها معلقتان بالشاب الجالس إلى جانبها، وهي تنصت إليه، واضعة رسغها أسفل ذقنها، وما هي إلا لحظات حتى تلاحظ شرودها، فتتجول عيناها التائهتان في المكان ثم تضغط بأسنانها على شفتها الغليظة وتستقر نظراتها في الفراغ.. بعدها تعود إلى الواقع فتحرك رأسها قليلاً وتنفض عنه الأوهام، وتتدارك بؤسها فتخفيه بقناع السعادة، في محاولة منها لخداع المحيطين بها، ولكن العين الخبيرة الثاقبة تدرك أن وراء هذه الابتسامة المرسومة بدقة سراً خطيراً.

الصفحات