أنت هنا

قراءة كتاب ميلاد الذكاء عند الطفل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ميلاد الذكاء عند الطفل

ميلاد الذكاء عند الطفل

هذا الكتاب خصص لدراسة ميلاد الذكاء عند الطفل لذلك نجده يحتوى على مختلف مظاهر الذكاء الحسى الحركى كما يحتوى على أفكار رئيسية لاسيما ما يتعلق منها بتكوين الصور الإجمالية الحسية الحركية وعملية التمثيل العقلى والتى هى من أساسيات الذكاء الفكرى للطفل حيث هناك ما

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

1. العناصر الوظيفية الثابتة للذكاء والتركيب البيولوجى

إن الذكاء نوع من التكيف. وإذا أردنا معرفة العلاقة بينه وبين الحياة على وجه العموم وجب علينا إذن أن نوضح طبيعة العلاقات التى توجد بين الكائن العضوى وبين الوسط المحيط به. وفى الواقع ليست الحياة إلا خلقا مستمراً لأشكال يزداد تعقيدها شيئاً فشيئا، وإلا تحقيقاً للتوازن المطرد بين هذه الأشكال وبين البيئة. فإذا قلنا إن الذكاء حالة خاصة من التكيف البيولوجى كان معنى ذلك، حينئذ، أننا نفرض أن الذكاء فى جوهره نوع من التنظيم، وأن وظيفته تنحصر فى تمثيل الكون، كما أن وظيفة الكائن العضوى تنحصر فى تمثيل البيئة التى تحيط به مباشرة. وإذا أردنا أن نصف العملية الوظيفية للتفكير بعبارات بيولوجية فإنه يكفينا فى هذه الحال أن نستخلص العناصر الثابتة المشتركة بين جميع أنواع التراكيب التى تستطيع الحياة القيام بها. ونحن لا نهدف إلى استخدام مصطلحات التكيف للتعبير عن الأهداف الخاصة التى يسعى الذكاء العملى إلى تحقيقها فى مراحله الأولى (وسوف تتسع هذه الأهداف فيما بعد حتى تشمل المعرفة بأسرها؛ بل نريد التعبير بها عن العلاقة الأساسية الخاصة بالمعرفة نفسها: أى العلاقة بين التفكير والأشياء. فالكائن العضوى يتكيف بالبيئة، بأن ينشئ بطريقة مادية بعض الأشكال الجديدة ليدخلها فى نطاق تلك الأشكال التى يحتوى عليها الكون؛ فى حين أن الذكاء يعد امتدادا لهذه العملية عندما يخلق بطريقة عقلية بعض التراكيب التى يمكن أن تنطبق على تراكيب البيئة. فبمعنى ما نجد فى بدء التطور العقلى أن تكيف الذكاء أضيق مجالا من التكيف البيولوجى، ولكنه لما كان يعد امتدادا لهذا التكيف الأخير فإنه يفوقه على نحو لا نهاية له. فإذا كان الذكاء من الوجهة البيولوجية حالة خاصة من حالات النشاط العضوى، وإذا كانت الأشياء التى يدركها أو يعرفها جزءا محدودا من البيئة التى يحاول الكائن العضوى التكيف بها، فإنه يحدث فيما بعد أن تنعكس هذه العلاقات. غير أن هذا لا يحول بتاتا دون البحث عن العناصر الوظيفية الثابتة.

وحقيقة ينطوى التطور العقلى على بعض العناصر المتغيرة، وبعض العناصر الثابتة. وهذا هو منشأ ضروب سوء التفاهم فى لغة علم النفس. فإن بعض هذه الضروب تنتهى إلى إرجاع الخواص السامية إلى المراحل الدنيا، وإرجاع الخواص الأخرى إلى انهيار بعض المراحل وبعض العمليات. وحينئذ يجدر بنا أن نتجنب فى آن واحد كلا من مذهب المعانى الفطرية فى علم النفس العقلى، والفرض القائل بوجود عناصر نفسية متنافرة. فمن المحقق أنه لابد من العثور على حل لهذه المشكلة عن طريق التفرقة بين التراكيب القابلة للتغير والوظائف التى لا تتغير. فكما أن الوظائف الكبرى للكائن الحى هى بعينها لدى جميع الكائنات العضوية، لكنها تتصل بأعضاء تختلف اختلافا كبيرا باختلاف طوائف هذه الكائنات العضوية؛ كذلك نشهد لدى الطفل ولدى البالغ تكوينا مستمرا لتراكيب مختلفة، على الرغم من أن الوظائف الكبرى فى التفكير تظل دون تغيير.

وتندرج هذه الوظائف الثابتة تحت أشد الوظائف البيولوجية عموما، ونعنى بها وظيفتى التنظيم (organization) والتكيف (adaptation). فلنبدأ بهذه الوظيفة الأخيرة؛ لأنه إذا اعترف كل الباحثين بأن النمو العقلى بأسره نوع من التكيف فإننا لا نستطيع سوى أن نعلن أسفنا لغموض معنى هذه الكلمة.

إن بعض علماء الحياة يعرفون التكيف بأنه ليس إلا المحافظة والاستمرار فى البقاء، أى التوازن بين الكائن العضوى والبيئة. ولكن فى هذه الحال يفقد معنى التكيف كل أهميته، لأنه يختلط بمعنى الحياة نفسها. وهناك درجات متفاوتة فى الاستمرار فى البقاء ويتضمن التكيف تفاوتا يختلف قلة وكثرة. وعندئذ تجب التفرقة بين التكيف كحالة، والتكيف كعملية. أما فى الحالة الأولى فليس ثمة شئ واضح. أما إذا تتبعنا التكيف كعملية فإن الأمور تصبح أكثر وضوحا: فهناك تكيف عندما يتحول الكائن العضوى تبعا للبيئة، وعندما يفضى هذا التغير إلى تلك النتيجة، وهى زيادة العناصر المتبادلة بين البيئة والكائن العضوى على نحو يلائم استمراره فى البقاء.

فلنحاول تحديد هذا الأمر تحديداً دقيقاً من وجهة النظر الشكلية البحتة. إن الجسم مجموعة معقدة من العمليات الطبيعية الكيميائية والحركية التى تتصل اتصالا دائما بالبيئة، والتى يفضى بعضها إلى بعض. فلنفرض أن أ، ب، ج الخ عناصر فى هذه المجموعة العضوية الكلية وأن ك، ى، ز الخ العناصر المقابلة لها فى البيئة المحيطة بها، وعلى هذا يكون الهيكل العام للتنظيم هو الآتي:

1. أ + ك ب؛

2. ب + ى ج؛

3. ج + ظ أ الخ.

فمن الممكن أن تنحصر العملية الأولى والعملية الثانية الخ إما فى ردود أفعال كيميائية (وذلك عندما يتناول الكائن العضوى المواد "ك" التى يحولها إلى مواد "ب" بحيث تصبح جزءاً من تركيبه)؛ وإما أن تنحصر، على وجه الخصوص، فى ضروب من السلوك الحس الحركى (وذلك عندما تتألف مجموعة من الحركات الجسمية من النوع "أ" مع حركات خارجية من النوع "ك" فتؤدى إلى نتيجة هى "ب" بحيث تدخل هى نفسها فى دائرة التركيب العضوى. وإذن فالعلاقة التى تربط العناصر: أ، ب، ج الخ بعناصر البيئة ك، ى، ز علاقة تمثيل (assimilation). ومعنى ذلك أن أداء الجسم لوظائفه لا يقضى على هذه العلاقة، وإنما يحتفظ بدائرة التنظيم العضوى، وينسق عناصر البيئة على نحو يدخلها معه فى نطاق هذه الدائرة. فلنفرض إذن أن تغيراً ما يحدث فى البيئة، وأن هذا التغير يؤدى إلى تحول "ك" إلى "كَ" فإما ألا يتكيف الجسم فتنفصم الدائرة، وإما أن يحدث التكيف، ومعنى هذا أن الدائرة العضوية تتغير بعد أن تصبح مغلقة فى ذاتها:

1. أ + كَ بَ؛

2. بَ + ى حـ؛

3. حـ+ ز أ

الصفحات