أنت هنا

قراءة كتاب ميلاد الذكاء عند الطفل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ميلاد الذكاء عند الطفل

ميلاد الذكاء عند الطفل

هذا الكتاب خصص لدراسة ميلاد الذكاء عند الطفل لذلك نجده يحتوى على مختلف مظاهر الذكاء الحسى الحركى كما يحتوى على أفكار رئيسية لاسيما ما يتعلق منها بتكوين الصور الإجمالية الحسية الحركية وعملية التمثيل العقلى والتى هى من أساسيات الذكاء الفكرى للطفل حيث هناك ما

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 9

الجزء الأول

التكيفات الحسية الحركية الأولية

لا يبدو الذكاء مطلقاً فى أى لحظة من لحظات النمو العقلى، كما لو كان عملية تامة التكوين متميزة كل التميز عن العمليات التى سبقته. فعلى خلاف ذلك يعد امتداداً واضحاً للعمليات المكتسبة؛ بل للعمليات الفطرية التى تنجم عن ترابط العادات أو الأفعال المنعكسة. فهو يقوم على أساس هذه العمليات ويستخدمها فى الوقت نفسه. فإذا أردنا أن نحلل الذكاء من حيث هو كذلك فإنه يجدر بنا، فى هذه الحال، أن نبحث عن كيفية نشأة العادات؛ بل عن الطريقة التى يمهد بها تدريب الأفعال المنعكسة لنشأة هذه العادات. وهذا هو ما سنفعله فى هذا الجزء الأول الذى سنخصص أحد فصليه لدراسة الفعل المنعكس والمسائل النفسية التى يثيرها. أما الفصل الثانى فسنقصره على مختلف ضروب الترابط المكتسبة أو العادات الأولية.

الفصل الأول

المرحلة الأولى: تدريب الأفعال المنعكسة

إذا اقتضى منا تحليل الأفعال الأولى للذكاء أن نمهد له بالرجوع إلى ردود الأفعال العضوية الوراثية فمن الواجب ألا ينحصر مجهودنا فى دراسة الصور المختلفة لردود الأفعال هذه فى ذاتها؛ بل لمجرد هذا السبب، وهو أن نوضح بصفة عامة كيف يتردد صداها فى سلوك الفرد. وإذن يحسن بنا أن نحاول هنا، قبل كل شئ، أن نفصل المشكلة النفسية للأفعال المنعكسة عن المشكلة البيولوجية بمعنى الكلمة.

تتسم ضروب السلوك التى نلاحظها لدى الفرد فى أثناء الأسابيع الأولى من حياته بنصيب كبير من التعقيد من الناحية البيولوجية. فهناك أولا أنواع مختلفة جداً من الأفعال المنعكسة التى تتصل بالنخاع الشوكى والنخاع المستطيل والطبقات العصبية فى العين والقشرة المخية نفسها. ومن جانب آخر لا يوجد سوى فارق تدريجي بين الغريزة والفعل المنعكس. فإلى جانب الأفعال المنعكسة الخاصة بالجهاز العصبى المركزى توجد الأفعال المنعكسة الخاصة بالجهاز العصبى المستقل، وجميع ردود الأفعال التى ترجع إلى "الحساسية التى تفرق بين الآثار القوية". وتوجد على وجه الخصوص مجموعة ردود الأفعال الخاصة بأوضاع الجسم، وهى تلك التى بيّن "هنرى فالون" أهميتها فى بدء التطور العقلى. وأخيراً فمن العسير أن نتصور التركيب العضوى لهذه العمليات دون أن نحسب حسابا لعمليات الغدد الداخلية التى تُذكر وظيفتها بمناسبة عدد كبير من ردود الأفعال التعليمية أو الانفعالية. وحينئذ يوجد فى الوقت الحاضر عدد كبير من المشاكل التى تعرض لعلم النفس الفسيولوجى. وتنحصر هذه المشاكل فى تحديد آثار كل عملية من هذه العمليات التى يمكن فصلها على هذا النحو فى سلوك الفرد. وهذا على وجه الخصوص أحد الأسئلة الهامة التى يحللها "هنرى فالون" فى كتابه القيم عن "الطفل المشاغب": "هل توجد مرحلة للأنفعال أو مرحلة لردود الأفعال الخاصة بالأوضاع أو ردود الأفعال للعضلات الهرمية التى تسبق المرحلة الحسية الحركية أو مرحلة المراكز العصبية فى قشرة المخ؟" فإن تلك المناقشة الدقيقة التى حرص دائماً السيد "فالون" فى أثنائها على تعضيد التحليل التكوينى بحالات باثولوجية ذات مغزى لهى أفضل وسيلة ترينا مدى التعقيد الشديد فى ضروب السلوك الأولية، كما تكشف لنا عن ضرورة التفرقة بين مختلف المراتب المتتابعة فى الأجهزة الفسيولوجية التى تصحب هذه الضروب من السلوك.

ولكن مهما يكن من شأن النتائج المغرية التى يمكن الوصول إليها من هذه السبيل فإنه يبدو لنا من العسير أن نتجاوز فى الوقت الحاضر مرحلة الوصف الإجمالى فيما يتعلق بالصلة التدريجية بين ضروب السلوك الأولى لدى الرضيع وضروب السلوك العقلى فى المستقبل. وهذا هو السبب فى أننا، وإن كنا نقدر تقديراً كبيراً الجهود التى بذلها السيد "فالون" للتسوية بين العمليات النفسية والعمليات البيولوجية نفسها، فإنا نعتقد من واجبنا أن نكتفى بالإشارة إلى وجود وحدة وظيفية، دون أن نحيد عن وجهة النظر الخاصة بمجرد السلوك الخارجى.

وعلى هذا الاعتبار تتلخص المشكلة التى تعترضنا بمناسبة ردود الأفعال فى الأسابيع الأولى فيما يأتي: كيف تستطيع ردود الأفعال الحسية الحركية وردود الأفعال الخاصة بأوضاع الجسم وغيرها من ردود الأفعال التى توجد لدى الطفل بصفة وراثية أن تعد الفرد للتكيف بالبيئة الخارجية ولكسب ضروب السلوك المستقبلة التى تتميز على وجه الدقة باستخدام التجارب شيئا فشيئا؟

وحينئذ تبدأ المشكلة السيكولوجية بأن تعترض طريق الباحث منذ اللحظة التى يفحص فيها ردود الأفعال والأوضاع وغير ذلك من جهة صلاتها بالبيئة الخارجية كما تبدو لنشاط الفرد، لا من جهة علاقتها بالعمليات الداخلية للجسم. فلنفحص على هذا الأساس ذلك العدد القليل من ردود الأفعال الرئيسية فى الأسابيع الأولى وهى: الأفعال المنعكسة الخاصة بالمص والقبض على الأشياء والصراخ وإصدار الأصوات وحركات وأوضاع الذراعين والرأس والجذع وغيرها.

مما يستلفت النظر فى هذا الصدد هو أننا نرى أن مثل هذه الضروب من النشاط تؤدى منذ اللحظة الأولى للقيام بوظيفتها إلى نوع من النظام الدقيق الذى يتجاوز حركتها الآلية البحتة، وسواء أنظرنا فى ذلك إلى كل ضرب من هذه الضروب على حدة أم نظرنا إليها بعضها بالنسبة إلى بعض. فبمجرد الولادة تقريبا يوجد إذن "سلوك"، بمعنى أنه يوجد لدى الطفل رد فعل كلى لا مجرد تحريك لأجهزة آلية خاصة أو محلية ترتبط فيما بينها من الداخل فقط. ويمكننا القول بعبارة أخرى بأن المظاهر المتتابعة لأى فعل منعكس، كفعل المص مثلا، لا سبيل إلى مقارنتها بتحريك المرء لمحرك ما فى فترات معينة تتخللها ساعات من الراحة، ولكنها تؤلف نوعا من التسلسل التاريخى الذى تتوقف فيه كل مرحلة على المراحل السابقة، كما تعد شرطا فى المراحل التالية على هيئة تطور عضوى حقيقى. وفى الواقع مهما يكن من حدة هذه العملية التاريخية فمن الممكن أن نتتبع مراحلها من الخارج، وأن نصف الأمور كما لو كان كل رد فعل خاص يحدد ردود الأفعال الأخرى دون وسائط. وهذا هو معنى أن هناك رد فعل كليا، أى نقطة بدء لعلم النفس.

الصفحات