أنت هنا

قراءة كتاب تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تاريخ شرق الأردن وقبائلها

لا شك أن شرقي الأردن آهلة بالسكان منذ أزمنة عريقة في القِدَم، وإن لم يزل قسم كبير من تاريخها القديم مجهولاً. فوفرة الآثار وانتشار بقايا ما قبل التاريخ التي اكتشفها وصوّرها من الجو الجروب كابتن ريز Group Captain Rees V.C., A.D.C...etc.

تقييمك:
2.5
Average: 2.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

البابليون

بعد سقوط نينوى ثارت جميع الدول الخاضعة لها على آخر ملوكها آشور آباليت الذي فرّ ملتجئاً إلى حران. كان نيخو فرعون مصر (693-609 ق.م) أول ثائر، وبعد أن تغلب على هوشع ملك يهوذا في واقعة مجدُّو واكتسح سوريا وفلسطين وارتد حالاً إلى مصر عندما بلغه تقدم نبوخذنصر بجيشه البابلي عام 605 ق.م على مملكته فاصطدم وإياه في واقعة كرشميش، فانحدر وتقهقر([74]).
وكان على ملك يهوذا وسكان شرقي الأردن أن يقفوا إما في صفوف المصريين أو البابليين. خضع يهوياقيم ملك يهوذا أولاً إلى نبوخذنصر، ولكنه في عام 597 ق.م انشق عليه. وفي أثناء هذا الاضطراب هاجمت عصابات سورية وكلدية وعمونية ومؤابية نواحي القدس فنهبتها ونكَّلت بأهلها متظاهرة بأنها حليفة بابل. توفي الملك يهوياقيم وخلفه ابنه يهوياكين، وفي عهده وصل نبوخذنصر إلى أبواب القدس، ولما لم يعد ليهوياكين أمل في إمداد مصر له استسلم وحُمل إلى بابل أسيراً مع ألوف من رعاياه.
أقام نبوخذنصر صدقيا على يهوذا فظل موالياً لبابل حتى غزا فرعون بسماتيخوس الثاني عام 590 ق.م فلسطين، فبدل سياسته وتحالف وملك أدوم ومؤاب وعمون وصور وصيدا للقيام بثورة عامة على بابل. اندلع لهيب الثورة في كل هذه الأماكن، فأسرع ملك بابل لإخمادها، وأثناء ذلك توفي بسماتيخوس وخلفه على العرش المصري فرعون إبريز عام 588 ق.م. ولما لم يوفق إلى رفع الحصار عن صور قفل راجعاً إلى مصر تاركاً حلفاءه للقدر. افتتح نبوخذنصر القدس في سنة 586 ق.م وسقطت صيدا بعد ذلك بقليل وتبعته عمان وأعمل يد الخراب في مؤاب وأدوم. أما صور فقد ظلت محاصرة ثلاث عشرة سنة قبل أن تُخضع. في هذه الثورة توفي صدقيا، وحُمل عدد كبير من اليهود إلى الأسر. وبعد هذه الحوادث تعين جدليا حاكماً على من بقي من اليهود وأقام في المصفاة بجوار القدس من جنوبها.
كان بعاليس وقتئذ ملكاً على عمون، وإذ كان يريد الانتقام من جدليا أرسل أحد أفراد الأسرة المالكة ويدعى إسماعيل لقتله، ومع أن أخبار هذه المكيدة كانت قد بلغت جدليا فإنه أبى تصديقها. وبعد حصار القدس بثلاثة أشهر وصل إسماعيل مع عشرة رجال فقوبل بكل حفاوة وإكرام، فلم يثنه ذلك عن عزمه فقتل جدليا في المصفاة وبعدما اقترف عدة جرائم أخرى فرّ هارباً إلى عمون([75]).
توفي نبوخذنصر عام 561 ق.م، وخلفه آمل مردوق لكنه خلع بعد سنة من ارتقائه العرش، فأتى بعده نرجال شاروزر وحكم حتى عام 556 ق.م فخلفه ابنه بضعة أيام فقط ثم ارتقى العرش البابلي نبونيد. ورث هذا الملك إمبراطورية واسعة الأرجاء تضم العراق وسوريا وشرقي الأردن وفلسطين إلى التخوم المصرية في غزة.
قضى نبونيد القسم الأعظم من حكمه في الحروب فكان ينوب عنه في بابل بلطشاسر. وفي سنة 553 ق.م ثار البدو فسار إليهم الملك إلى يودوما «الجوف» وافتتحها ثم توغل جنوباً حتى وصل إلى تيماء فقتل ملكها وعدداً من سكانها وشرع يبني بها قصراً على النمط البابلي، ولم يكن يعلم الخطر المحدق بإمبراطوريته من جراء تقدم الفرس بقيادة كورش نحو عاصمته لفتحها.
كان من الصعب جداً فتح بابل لما فيها من الحواجز والحصون المنيعة التي شيدها نبوخذنصر، ولكن في عام 540 ق.م نهب الغزاةُ عوبيسَ واستولوا على سبار فاستسلم نبونيد ووقع ونائبه على العرش بلطشاسر أسيرين في أيدي الفرس([76]).

الفـرس:

وبعد سقوط بابل انتقلت جميع ممتلكاتها في سوريا وفلسطين وشرقي الأردن إلى الفرس. ولكن تيماء التي كانت بفضل مركزها مفتاح التجارة مع الجنوب، لم تخضع لحكم الفرس فسار إليها كورش ودوّخها وهكذا أصبح الملك الفارسي سلطان الشرق الأوسط([77]). ومن أعظم أسباب نجاحه هذا أنه عهد بإدارة البلاد المحتلة إلى عُمّال من الفرس الذين التمسوا بعد موته من خليفته الملك قمبيز، بالنيابة عن الفينيقيين والسوريين والمؤابيين والعمونيين، ليمنع اليهود من إعادة بناء الهيكل([78]). وفي عهد داريوس (531-485 ق.م) جزئت الإمبراطورية الفارسية إلى عشرين ولاية كل ولاية عليها حاكم يدعى مرزبان، كانت شرقي الأردن وقبرص جزءاً من الولاية الفلسطينية([79])، أما عرب تيماء فقد فرض عليهم إتاوة سنوية مقدارها ألف وزنة من اللبان([80]).
لا بد وأن هؤلاء العمال كانوا يتمتعون بشيء قليل من السلطة لأنه في عهد الملك خسروس لم يتمكنوا من كف اعتداء المؤابيين والعمونيين على اليهود وغرضهم في ذلك منعهم من إعادة بناء هيكلهم في القدس. أثناء هذه الفترة وسعت عمون حدودها على حساب مملكة مؤاب حتى أصبحت تضم كل البلقاء إلى وادي الموجب.
وعلى العموم سار النظام الإداري الذي أنشأه الفرس سيراً حسناً فبقي معمولاً به إلى أن جاء الإسكندر الكبير عام 333 ق.م.

الصفحات