أنت هنا

قراءة كتاب النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

كتاب " النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني " ، تأليف فطنة بن ضالي ، والذي صدر عن دار العنقاء للنشر والتوزيع والدعاية والإعلان عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

المبحث الثاني :النظم والاتساق والانسجام

يحدثنا عبد القادر الجرجاني عن النظم في جميع أحواله ومستوياته، ويفرق بين نظم ونظم، متدرجا في التفسير وطلب الدليل من نظم الحروف والكلمات إلى نظم الجمل، والغاية من كل ذلك، تفسير وتبيين الدلائل وإقامة البرهان على أن النص القرآني يحمل أسرار إعجازه في ذاته وفي نظمه. يقول: « هذا كلامٌ وجيزٌ يطلع به الناظر على أصول النحو جُملة، وكل ما به يكون النظم دَفْعة، وينظر منه في مرآة تُريهِ الأشياء المتباعدة الأمكنة، قد التقت حتى رآها في مكان واحد، ويرى بها مُشئما قد ضُم إلى مُعرق، ومُغَرِّبا قد أَخد بيد مُشَرِّق، وقد وصلت بأخَرَة (إلى) كلام مَن أصغى إليه وتَدَبرَهُ تدبر ذِي دِين وفُتُوة، دعاه إلى النظر في الكتاب الذي وضعناه.»([14])، فإذا كانت غاية الجرجاني هي طلب دلائل الإعجاز، وتفسيرها، والتي هدته إلى مفهوم النظم، فإن السبيل إلى توضيح ذلك أكثر، هو معرفة أصول النحو، والتي تبنى عليها غاية أخرى تعرف بعمق الكلام وتبحث في المبادئ الكبرى التي توحد وتفسر كون النص فصيحا وبليغا وجميلا. إن مرد الكلام إلى الغايات الكبرى والمبادئ العامة التي تحكم الإبداع وتحكم المتكلم، هو غاية تفسير رد الإعجاز إلى النظم في النص القرآني، والإبداع إلى النظم في الكلام البشري. يقول الجرجاني: « ومعلوم أن ليس النظم سوى تعليقُ الكلم بعضِها ببعض، وجعل بعضِها بسببٍ من بعض »([15])، وما صورة النظم في مستوياته المتعددة إلا وجوه تعلق الكلم بعضه ببعض، وتماسك أجزائه حتى يبدو واحدا في الصياغة وينسجم في أجزائه صغرت أم كبرت، والأصل في ذلك هو الإسناد في الجملة أو الربط بين الجمل، « ومُختصرُ كل الأمر أنه لا يكون كلام من جزء واحد، وأنه لابد من مسند ومسند إليه، وكذلك السبيلُ في كل حرفٍ رأيتَه يدخل على جملة، "كـإِن" وأخواتها، ألا ترى أنك إذا قلت: "كأن" يقتضي مشبها ومشبها به"؟ كقولك: "كأن زيدا الأسد". و كذلك إذا قلت "لَوْ" و"لولا"، وجدتهما يقتضيان جملتين، تكون الثانية جوابا للأولى.»([16])

هذا الكلام عن بنيات الجمل البسيطة، أو المركبة، من حيث كونها دالة على معنى من المعاني التي تستفاد في معاني النحو، وذلك أن أوجه التعليق كثيرة هي:

· تعليق اسم باسم

· تعليق اسم بحرف

· تعليق حرف بهما

· تعليق جملة بجملة، حيث تكون الثانية جوابا للأولى.

ولم يكن الجرجاني يعنى إلا بالكلام الفصيح والبليغ، لإثبات الحجة والدليل الذي يؤشر على كون الكلام كلاما في مستوى رفيع، تتحقق فيه البلاغة والفصاحة، فلم يجد بدا من جعل منزلة النحو ومعانيه، والشعر وصوره، منزلة هامة؛ جدا ففيها الدليل القادح زند الشرارة المؤدية إلى حسن النظم، وإلى المزية في الكلام الذي ليس كلاما عاديا. يقول: « وذاك أنّا إذا كُنا نَعْلمُ أن الجهةَ التي منها قامت الحجة بالقرآن وظهرت، وبانت وبهرت، هي أن كان على حد من الفصاحة تقصُر عن قُوى البشر، ومنتهيا إلى غاية لا يُطمح إليها بالفكَر، وكان مُحالا أن يعرف كَونَه كذلك، إلا من عرف الشعر الذي هو ديوان العرب، وعنوان / الأدب، والذي لا يُشَك أنه/ كان ميدان القوم إذا تجارَوْا في الفصاحة والبيان، وتنازعوا فيها قَصَبَ الرهان»([17])، فكان طريقةَ البحث عن الدليل، وانتزاع الشاهد من كلامٍ غايةً في الجمال؛ الذي هو الشعر، إلى كلام جماله معجز. لم يكن التعليق إلا جعل الكلام متسقا ومنسجما تامـا من حيث لفظه ومعناه. ويفرق الجــرجاني بين نظم الحـروف الذي هو التواضع في اللغة، ونظم الكلم، « وذلك أن (نظم الحروف) هو تواليها في النطق، وليس نظمُها بمقتضى عن معنى، ولا الناظم بمُقْتَفٍ في ذلك رسما من العقل، وأما "نظم الكَلم" فليس الأمر فيه كذلك، لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني، وتُرَتِّبُها على حسب تَرَتُّبِ المعاني في النفس. فهو إذن نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضُه مع بعـض، وليس هو"النظم" الذي معناه ضم الشئ إلى الشيء كيف جاء واتفق»([18]). ويزيد على ذلك النظم موضوع الدرس لا يعني الضم في الحروف ولا التحرز عن الخطأ فهذا مستوى أدنى مما هو مقصود؛ « لأنّا لسنا في ذكر تقويم اللسان، والتحرز من اللحن، وزيغ الإعراب، فنعتد بمثل هذا الصواب. وإنما نحن في أمور تُدرك بالفكَر اللطيفة، ودقائق يوصَل إليها بثاقب الفهم، فليس دَرَكُ صواب دَرَكا بما نحن فيه حتى يشرف موضعه، ويصعب الوصول إليه ، وكذلك لا يكون ترْك خطإ تركا حتى يُحتاج في التحفظ منه إلى لُطف نظر، وفضل روية، وقوة ذهن، وشدة تَيَقظٍ. وهذا باب ينبغي أن تراعيَه وأن تُعنى به، حتى إذا وازَنْت بين كلام وكلام دَرَيْتَ كيف تصنع، فَضَمَمْتَ إلى كل شكل شكلَه، وقابلته بما هو نظير له، وميزت ما الصنعةُ منه في لفظه، مما هي منه في نظمه ».([19])

فإذا كان النظم هو سبب حصول المزية للكلام، وهو توخي معاني النحو، فبين النظم والنظم تفاوت في الحسن. يقول الجرجاني: « وجملة الأمر أنك لن تَعْلم في شيء من الصناعات علما تُمِرُّ فيه وتُحْلِي، حتى تكون ممن يَعْرفُ الخطأ فيها من الصواب، ويَفْصلُ بين الإساءة والإحسان، بل حتى تُفَاضِل بين الإحسان والإحسان، وتعرف طبقات المحسنين.»([20])

الصفحات