أنت هنا

قراءة كتاب النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

كتاب " النظم بين القرآن والشعر في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني " ، تأليف فطنة بن ضالي ، والذي صدر عن دار العنقاء للنشر والتوزيع والدعاية والإعلان عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

كثيرا ما يشير الجرجاني إلى هذه الأفكار في كتابه، على مستوى التنظير، وهو يحلل الآيات الكريمة، راصدا فيها ما به يكون النص منسجما والكلام متسقا، معتبرا في كل ذلك النحو والبلاغة والنظم السليم.

يشير محمد خطابي إلى أهمية تناول الاتساق والدراسات النصية في دراسة الخطاب، بقوله: « ويحتل اتساق النص وانسجامه موقعا مركزيا في الأبحاث والدراسات التي تندرج في مجالات تحليل الخطاب، ولسانيات الخطاب / النص ونحو النص، وعلم النص حتى إننا لا نكاد نجد مؤلفا، ينتمي إلى هذه المجالات خاليا من هذين المفهومين (أومن أحدهما) أو من المفاهيم المرتبطة بهما كالترابط والتعالق وما شاكلهما ».([26])

يعبر الجرجاني عن هذا الانسجام بالالتئام، والتلاحم، وائتلاف أجزاء الكلام، ويبحث عن مظاهره وأساليبه في الآيات الكريمة، في أوجه التعالق الترابط وفي مراتب الفصل والوصل، يقول في حديثه عن النظم: « مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض، حتى يكونَ لوَضْع كلٍّ، حيثُ وُضع، علة تقتضي كونَه هناك، وحتى لو وُضع في مكان غيره لم يصلح »([27]). ويقول إبان الحديث عن إن ومواقعها: « أنك ترى الجملة إذا هي دخلت ترتبط بما قبلها وتأتلف معه وتتحد به، حتى كأن الكَلامَيْنِ قد أُفرِغا إفراغا واحدا، وكأن أحدَهما قد سُبك في الأخر ».([28])

يتبع الجرجاني تحليل الشواهد والفروق والأحكام النحوية، باحثا عن الخيط الرابط بين تركيب وتركيب، قاصدا تبيين وجه اختلاف تركيب ومعنى عن آخر، متتبعا أوجه التماسك وائتلاف التراكيب والمعاني، مما يقربه من الدراسات الحديثة التي تتبنى البحث في علم النص، وتحليل الخطاب. ويرصد محمد الخطابي هذه العلاقة بقوله: « يقصد عادة بالاتساق ذلك التماسك الشديد بين الأجزاء المشكلة لنص خطاب ما، ويهتم بالوسائل اللغوية (الشكلية) التي تصل بين العناصر المكونة لجزء خطاب أو خطاب برمته، ومن أجل وصف اتساق الخطاب/النص، يسلك المحلل الواصف طريقة خطية، متدرجا من بداية الخطاب (الجملة الثانية منه غالبا) حتى نهايته، راصدا الضمائر والإشارات المحلية، إحالة قبلية أو بعدية مهتما أيضا بوسائل الربط المتنوعة كالعطـف والاستبدال، والحذف، والمقارنة والاستدراك وهلم جرا. كل ذلك من أجل البرهنة على أن النص الخطاب (المعطى اللغوي بصفة عامة) يشكل كلا متآخذا»([29])، إن اهتمام الجرجاني في "الدلائل" لم يكن بالمعاني التي تَدُلهُ عليها الإشارات والألفاظ فقط، بل، كان اهتمامه بالتركيب كذلك. إذ كان هَمُّهُ البحث في نحو الجملة، من أجل الوصول إلى البحث في النص.

فقد حلل الجرجاني الآيات القرآنية مفسرا الاتساق باحثا عن أسباب الانسجام المحقق للمزية والبلاغة. ويعتبر محمد خطابي الانسجام أعم من الاتساق، حيث يقول: « يترتب على السالف ذكره أن الانسجام أعم من الاتساق كما أنه يغدو أعمق منه بحيث يتطلب بناء الانسجام من المتلقي صرف الاهتمام من جهة العلاقات الخفية التي تُنَظم النص وتولده. بمعنى رصد المتحقق فعلا (أو غير المتحقق) أي الاتساق، إلى الكامن (الانسجام)، ومن ثم، و تأسيسا على هذا التمايز، تصبح بعض المفاهيم مثل موضوع الخطاب والبنية الكلية، والمعرفة الخلفية بمختلف مفاهيمها، حشوا، أي أن الوسائل التي يتجلى بها اتساق النص عاجزة عن مقاربة(بناء) موضوع الخطاب، والبنية الكلية لمعطى لغوي.»([30])

وباعتبار هذا فإن الجرجاني يبحث في الخفي الذي يثوي خلف الإنجاز وهو معاني النحو من جهة، أو إعمال الفكر لإدراك البناء الكلي من أجل حصول المزية في الكلام من أخرى، ذلك البناء الذي يسم الكلام، فيسميه النظم ذلك المشترك بين كل النصوص، سواء على المستوى الشكلي، أو على المستوى المعنوي والذي حظي أكثر باهتمام الشيخ. ويرى السيد قطب أن التناسق درجات، وأن الباحثين حتى الآن لم يدرسوا هذه الظواهر الفنية في القرآن الكريم بصفة عامة، بل، اكتفوا بمس بعض درجاتها، يقول: « هناك التناسق الذي يبلغ الذروة في تصوير القرآن، والتناسق ألوان ودرجات، ومن هذه الألوان ما تنبه إليه بعض الباحثين في بلاغة القرآن ؛ ومنها ما لم يمسسه أحد حتى الآن:

1 منها ذلك التناسق في تأليف العبارات، بتأخير الألفاظ، ثم نظمها في نسق خاص، يبلغ في الفصاحة أرقى درجاتها وقد أكثروا من القول في هذا اللون، وبلغوا غايته ومداه؛ بل تجاوزوا الصحيح منه إلى التمحل الذي لا ضرورة له.

2 ومنها ذلك الإيقاع الموسيقي الناشئ من تخير الألفاظ ونظمها في نسق خاص من غرض إلى غرض.

3 أن هذه الظاهرة واضحة حد الوضوح في القرآن، وعميقة كل العمق في بنائه الفني؛ فإن حديثهم عنها لم يتجاوز ذلك الإيقاع الظاهري؛ ولم يرتق إلى إدراك التعدد في الأساليب الموسيقية، وتناسق ذلك كله مع الجو الذي تطلق فيه هذه الموسيقى، ووظيفتها التي تؤديها في كل سياق.

4 ومنها النكت البلاغية التي تنبه لها الكثيرون؛ من التعقيبات المتفقة مع السياق.

5 ومنها التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات، والتناسب في الانتقال من غرض إلى غرض. ولعل أعلى نوع من التناسق تنبهوا إليه هو هذا التناسق النفسي بين الخطوات المتدرجة في بعض النصوص، والخطوات النفسية التي تصاحبها.»([31]) *

الصفحات