أنت هنا

قراءة كتاب المسرح في العراق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسرح في العراق

المسرح في العراق

كتاب " المسرح في العراق " ، تأليف أديب القلية جي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ،ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

نعوم فتح الله السحّار:

في عام 1750 أسست كنيسة الآباء الدومنيكان في الموصل اول مدرسة تابعة لها هي (المدرسة الإكليركية) ، وفتحت أبوابها لعدد كبير من الطلبة، جميعهم من المسيحيين، واصلوا دراستهم إلى أن تخرجت الدفعة الاولى منهم. واختارت إدارة المدرسة النابغين والمميزين من هؤلاء الخريجين وارسلتهم إلى باريس للدراسة والأعداد ليرفدوا المدرسة الإكليركية بالمدرسين الأكفاء والمتنورين، والمعروف أن صلات وروابط عميقة تربط الكنيسة في الموصل مع مثيلتها في باريس، وان التعاون التعليمي قائم بينهما.
راعى إنتباه الطلاب العراقيين وجود مسرح في المعهد الذي يدرسون فيه، تُقدم على خشبته مسرحيات كانت بالنسبة لهم جذّابة وافكارها مستقاة من الكتاب المقدس، فيها نصائح وحكم، وتاشير إلى الخير، ونبذ للشر والشريرين. وادهشت هذه العروض المبعوثين من المدرسة الإكليركية وجعلتهم يفكرون جديا في نقل هذه التجربة إلى الموصل بعد ترجمة عدة مسرحيات إلى العربية واعدادها لتلاءم العملية التربوية في مدرستهم، واكتشفوا أن هذه العروض المسرحية لها تاثير على المتلقي وتتفوق على كل أنواع الوعظ والمحاضرات، وهي في نفس الوقت تستهوي المشاهدين وبالتالي تكون أهدافها سريعة الهضم وسهلة الاستيعاب وهذا هو المطلوب.
كما جذبت التلاميذ عروضا مسرحية أخرى خارجية لفرق مسرحية فرنسية محترفة ليس لها علاقة بالكنيسة وافكارها، وكانت هذه العروض أكثر تالقا وجمالا من عروض مسرح المعهد، والممثلون يؤدون أدوارهم بشكل رائع يغلب عليه الإبداع الجإذب للاهتمام، ويجعل المشاهد ينسجم ثم يتعلق بهذا الفن الجميل. وهذه المشاهدات رسّخت أفكار التلاميذ بضرورة المسرح في مدرستهم، مسرحا مشابها وفيه نفس التقنيات، علقت أفكارهم صوب المسرح، وبدئوا بالفعل بترجمة عدد من المسرحيات لا سيما مسرحيات الكاتب الفرنسي الفذ (موليير)، واستطاع المتخرجون من باريس بعد إكمال دراستهم وعودتهم إلى الموصل إقناع إدارة المدرسة بإدخال المسرح كجزء من العملية التربوية والدينية من جانب، والكشف عن المواهب وفسح المجال لها لتبدع وصقلها، ونشر الفن المسرحي السامي بين الناس من جانب آخر.
بدأت المدرسة الإكليركية فعليا بتاسيس صالة للعرض المسرحي بسيطة وخالية من مظاهر الترف والأبهة، واعدت بعض المسرحيات الملائمة لتكون باكورة عمل المسرح، وكانت العروض مصدر ارتياح واعجاب ودهشة المشاهدين، وهم في اغلبهم من القسسة والرهبان واساتذة المدرسة وطلابها وعائلاتهم. وشجع إعجاب المشاهدين وتمسكهم بهذا الوافد العجيب المدرسة وادارتها على الاستمرار بهذا النهج ومحاولة تطوير العملية الفنية.
وبعد مرور سنين على هذه التجاوب واستمرار العملية المسرحية، راعى إنتباه المدرسة والكنيسة أن استمرار الاعتماد على الجمهور المسيحي فقط ليس لائقا وان الكنيسة تطمح بمشاركة جميع أبناء الموصل المتعايشين معا منذ مئات السنين، خاصة تلك الفئة المثقفة والمتنورة والعاشقة للمسرح دون أن تراه. وبما أن المسيحيين والمسلمين يعيشون مع بعض بسلام واخوة ووطن مشترك واحلام مشتركة كان لا بد أن تتخلص العروض المسرحية من الزوايا الضيقة وتخرج إلى الساحات الواسعة، ويبدأ عصر جديد من الشراكة في المسرح وفي الهم الثقافي كما هي الشراكة في الوطن.
نهض كاتب من معلمي المدرسة الإكليركية هو نعّوم فتح الله السحّار المعروف بإمكانياته وبأفكاره النيرة وثقافته الواسعة والمتقدمة، ومعرفته الجيدة باللغات الفرنسية والتركية إضافة إلى العربية (لغته الأم). وله علاقات عميقة مع مثقفي الموصل ومساهماته الفنية البارزة في المناقشات الثقافية التي تدور في هذا الوسط، وتاييده للتعليقات التي تستنكر وحدانية العرض المسرحي وعدم انفتاحه على الجميع، واتاحة الفرصة إمام الجميع لملامسة عيون هذا الساحر العجيب والجميل الذين يتلهفون إلى مشاهدته والمساهمة في اغناءه وتطويره.
نعوم فتح الله السحّار، كما كتب عنه سليمان الصائغ في الجزء الثاني من مجلده (تاريخ الموصل)، وُلد في مدينة الموصل ولا نعرف تاريخ ولادته. لما شب ودخل المدرسة الإكليركية ودرس اللغة العربية على يد الخوري يوسف داود. ولما أتم دروسه احترف التعليم في المدرسة المذكورة فزاده ذلك المسلك تفهما في اللغات العربية والتركية والفرنسية، وابرز في مسلكه نشاطا واقتدارا رقّاه إلى الإشراف على التعليم، وعُهد إليه مراقبة أعمال الطباعة. وصرف عنايته إلى تنشيط أعمال التمثيل على مسرح المدرسة واخذ يؤلف الروايات الأخلاقية للتمثيل وكان ينتقد من خلالها بعض النواقص الاجتماعية المحلية انتقادا مفيدا، وكان يساعده في تلك المهمة الشاعر الشعبي المدهش والموسيقي الحإذق اسكندر الزغبي المعروف باسم اسكندر الأعمى.
من مؤلفات نعوم السحّار:
1. القراءة التركية (1893)
2. التحفة السنية لطلاب اللغة العثمانية، جزءان،“1894”
3. المكالمات (1896)
4. أحسن الأساليب لإنشاء الصكوك والمكاتيب.
أما شعره فقد ضاع أكثره.
ألف السحّار عدد من المسرحيات، وترجم أخرى عن الفرنسية بشكل خاص، طُبع منها (لطيف و خوشابا) وعُرضت على المسرح. وكذلك (الأمير الأسير) التي عُرضت على المسرح دون أن تُطبع.
وعن ولادة السحّار يقول الدكتور سعدي المالح أن نعوم السحّار من مواليد الموصل في عام 1859. وعن مسرحيته ” لطيف وخوشابا “ يقول الدكتور المالح أن لهذه المسرحية أهمية كبيرة في تاريخ المسرحية العربية في العراق لأسباب كثيرة أهمها : تاليفها وتمثيلها في ذلك التاريخ المتقدم، وطبيعة موضوعها الذي كان متباعدا او بعيدا عن المسرحيات الدينية التي كانت تقدمها المدرسة الإكليركية، إذ كان موضوعها اجتماعيا تربويا،. واخيرا لطريقة اقتباسها عن الفرنسية وتعريقها والتصرف بها.
كما ذكرنا من قبل، كان السحّار متحمسا لتقديم عمل مسرحي يكون مقبولا من الجميع وبالتالي يلبي حاجات جميع الأطراف ويسعى إلى عرض هذا العمل المسرحي خارج نطاق المدرسة الإكليركية كي يتيح الفرصة لمثقفي الموصل وابنائها مشاهدة هذا العمل والتمتع بأحداثه واسلوب تقديمه.
المسرحية التي ترجمها السحّار عن الفرنسية كانت بعنوان (لطيف وخوشابا) ، واعدها باللهجة الموصلية لتسأعد على ايصال أهدافها وغاياتها بيسر وسهولة إلى الجمهور المتلقي.
طُبعت المسرحية في مطبعة الآباء الدومنيكان في الموصل في عام 1893 وتقع في 83 صفحة وفي فصل واحد كبير يتضمن 34 منظرا، وقد تصدرت المسرحية مقدمة كتبها السحّار وجاء فيها: (إن مضمون هذه الرواية الأدبية هو اولا: حث الوالدين كي يحسنوا تربية اولادهم ولا يتركوهم يفعلوا بحسب أهوائهم، ومراقبتهم مهما كانوا أعزاء عليهم ومحبوبين من قبلهم. بل يجدر بهم ردعهم عن الشر، ومخاصمتهم عندما تصدر منهم نقيصة. وثانيا: يعلمنا مضمون هذه الرواية الصفح عما ألحقه بنا الغير من الضرر والإساءة وخصوصا أن نشفق عليهم عند مشاهدتنا اياهم في حالة من الحزن والشدة، واجتهدت في استخراجها إلى اللغة العربية البسيطة رجاء أن يفهمها الجميع).
 

الصفحات