أنت هنا

قراءة كتاب تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة

تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة

كتاب " تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة " ، تأليف د. احمد طه ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 1

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين – وبعد.

فإن الإسلام دين عظيم وشريعة الله التى ارتضاها لكافة البشر لينقذهم من الظلمات إلى النور، وهو الدين الذى تكفَّل الله بحفظه فى قوله تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ﭐلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.(1)

والخطاب الدينى فى عالمنا الإسلامى يكتسب أهمية قصوى باعتباره المعبر عن الفكر الإسلامى، فضلاً عن كونه يمثل رسالة البلاغ المبين التى يلتزم المسلمون بتوصيله لكافة البشر فى كل زمان ومكان، يضاف إلى ذلك أن الخطاب الإسلامى يحمل على عاتقه تقديم الإسلام عقيدة وشريعة ونظاماً بأسلوب فاعل يهدى إلى الحق والخير والطريق المستقيم – وبالتالى فأى خلل أو قصور فى هذا الخطاب سوف يؤدى إلى تشويه صورة الإسلام لدى الشعوب والأمم الأخرى التى يسعى للنفاذ إليها، بل سيؤدى إلى عواقب وخيمة حتى بين أتباعه فى المجتمعات الإسلامية ذاتها – ومثل هذه النتائج السيئة سيكون المسئول عنها المسلمون وليس الإسلام، وهذا الأمر يوجب على أئمة المسلمين وفقهائهم بل ومثقفيهم ضرورة الاهتمام بتنقية خطابهم الدينى مما علق به مما ليس فيه حتى يسهم فى معالجة القضايا وتقديم الحلول للمشاكل التى تهدد العالم الإسلامى، وأن يحسنوا مخاطبة الآخرين لما يؤدى إليه ذلك من منعة للإسلام، بل ويسهم فى فتح آفاق وأقطار فتحاً سلميًّا إسلاميًّا عملاً بقول المولى عز وجل (كنتم خير أمة أخرِجَتْ للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمون بالله).

ولقد كان للمسلمين الأوائل فضل المساهمة فى صنع الحضارة الإسلامية بما أُوتوا من رجاحة العقل وعلو الفكر وسمو الخلق ورقى العلم، فأقاموا للإسلام دولةً منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام كأعظم ما تكون الدول اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، فى الوقت الذى كان العالم يتخبط فى بحور من الظلام والجهل والتخلف – وامتدت هذه الدولة لتضم إلى جانب شبه الجزيرة العربية دولاً وشعوبا متعددة فى مشارق الأرض ومغاربها، وازدهرت دولة الإسلام بفضل مجهودات عظماء المسلمين بدءًا من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومروراً بخلفائه الراشدين وأتباعهم المؤمنين المخلصين، وكان لهذا النجاح عوامل كثيرة أهمها تمسك الجيل الأول من المسلمين بالمبادئ السامية والقيم العليا التى جاء بها الإسلام، وعلى الأخص الفهم العقلانى الصحيح للدين لإيجاد الحلول اللازمة والصالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان، وبقدر تمسك المسلمين بتلك المبادئ والقيم وإعمالها لصالح الدين من جهة، وبمراعاة ظروف كل مجتمع من جهة أخرى، كان يتحقق لهم النجاحات وتتوالى لهم الانتصارات فى سبيل نشر الدين الإسلامى وإعلاء كلمة الله فى أنحاء المعمورة.

وخلال عصور الازدهار المشار إليها، كان الخطاب الدينى السائد يقوم على الفهم الصحيح للدين الذى يعتمد على التمسك بالمبادئ والقواعد الكلية لهذا الدين من ناحية مع إعمال العقل لاستنتاج الحلول اللازمة للمشاكل المستجدة فى المجتمع الإسلامى من جهة أخرى.

غير أن الخطاب الدينى قد مر بفترات مظلمة تراجعت فيها قوته وزال أثره مما نتج أضرار كبيرة للدين الإسلامى والأمة الإسلامية – وذلك عندما بعد المسلمون عن التمسك بمبادئ الإسلام وآثروا اتباع الهوى للحصول على عرض زائل من مال أو شهرة أو سلطان، وقد ظهر ذلك واضحاً بتأثيره السيئ على قوة دولة الإسلام حيث تراجعت مساحة تلك الدولة وتفككت أوصالها وتشرذمت شعوبها وانهارت قوتها وساءت أحوال المسلمين.

ومما زاد الأمر خطورة أن قوة المسلمين أو ضعفهم يتناسب تناسباً عكسياً مع قوة وتقدم غيرهم من الأمم الأخرى، ومن ثم فكلما ضعفت الأمة الإسلامية وانحسرت دولتهم ووهنت عزيمتهم كلما ازدادت قوة أعداء المسلمين وتضاعف خطرهم واشتد تهديدهم للأمة الإسلامية وعداؤهم للإسلام.

وإذا كانت قوة الإسلام فى تناسب مطرد مع قوة الأمة الإسلامية، وأن الضعف والهزال الذى أصاب هذه الأمة لا يرجع للإسلام ذاته وإنما لأتباعه من المسلمين، إلا أن المؤكد أيضاً أن هذا الضعف وإن كان يصيب الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى فإنه يترك صداه بالسلب على شريعة الإسلام وحضارته، فالمسألة عبارة عن وجهين لعملة واحدة، ويمكن القول إن الدولة العباسية خير دليل على صحة ما نقول به.

وفى ذات الاتجاه فإن ما يزيد الأمر خطورة أن الضعف الذى كان يلحق بالدولة الإسلامية فيما مضى لم يكن يقابله قوة وازدهار غير المسلمين بذات الدرجة الآن، بل وربما كان أولئك أيضاً يعيشون فترات مظلمة مماثلة لتلك التى يعيشها المسلمون، نتيجة لبعض الأسباب مثل تسلط الكنيسة أو الصراعات الأيديولوجية أو الفكرية التى كانت سائدة أحياناً فى تلك المجتمعات والتى نجحت فى تجاوزها والوصول لحلول جذرية لها ونفضت عن نفسها غبار تلك السلبيات وتفرغت منذُ نهاية القرن السابع عشر للتقدم والنهوض، كما أن الضعف الذى تعيشه الأمة الإسلامية الآن وما آل إليها حالها فى الحقبة الأخيرة قد قابله تخلص الأمم الأخرى من سلبياتها ونهوضها بشكل فاق كل تصور على نحو ما نلمسه الآن، وهو ما أدى لتجسم الضعف والهزال الذى أصاب أمتنا، وهذا الأمر إذا استمر فإن الله وحده الذى يعلم ما يمكن أن يصير إليه حال أمتنا الإسلامية فى هذا العالم مستقبلاً إذا ما ظلت فى ثباتها واستكانتها وجمود خطابها الدينى، خاصة ونحن الآن فى مفترق الطريق، ومع ذلك لم يتطور خطابنا أو منهجنا العلمى بما يتلاءم مع تلك المتغيرات ويستوعبها، بل على العكس، إذ أسهم الخطاب الدينى السائد فيما آلت إليه أحوال المسلمين من التخلف والفرقة والانحطاط الذى نعانى منه الآن، وإذا كان المسلمون يشكلون الآن خمس سكان العالم تقريباً ولديهم فكرهم الذى يعبر عنه خطابهم الدينى والذى يفترض أنه نابع من ثقافتهم وعقيدتهم الإسلامية، وهو فكر قد يتعارض مع المبادئ العالمية التى تسود فى العصر الحديث فى بعض المواضع وقد يتفق معها فى البعض الآخر.

ومن ثم يثور التساؤل عن مدى صلاحية الخطاب الدينى السائد فى الساحة الإسلامية الآن، إن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن الإسلام دين عالمى عملاً بقول الله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(2). ولكن ما هو المقصود بنطاق عالمية الإسلام، إن المعنى المفهوم من هذه الآية أن عالمية الإسلام تنصرف لمجال العقيدة باعتباره دين الحق والهدى الذى يخرج الناس من الظلمات إلى النور، بوصفه (ديناً) بما يتضمنه من مبدأ التوحيد وما يشمله من عبادات وتعاليم دينية ومبادئ إسلامية عليا، أما إذا قُصِدَ بعالمية الإسلام مجالات الدنيا وأمورها المتشعبة فى الاقتصاد والسياسة والاجتماع فإن ذلك – فى رأينا – تحميله بما لايجوز، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول «أنتم أعلم بأمور دنياكم».

الصفحات