أنت هنا

قراءة كتاب جراح مغتربة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جراح مغتربة

جراح مغتربة

كتاب " جراح مغتربة " ، تأليف يحانث ماء العينين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

كانت جوليا بسؤالها تمهد للحديث عن نفسها. أرادت تفجير صخور الصمت التي ناءت تحت ثقلها لسنوات.. أحست برغبة جامحة في الكلام وهي تحس أنها إذا سكتت اليوم، لن تجد شخصاً يفهمها أبداً. أرادت أن تكون قصتها عبرة لصديقتها، ربما تثنيها عن قرار صممت على المضي فيه إلى النهاية.

بدأت حديثها كأنها تحدث نفسها. لم يكن لكلامها مقدمات. كانت تنظر في الفراغ وتداعب خصلات شعرها الحريرية المنسابة على جبينها الندي بقطرات عرق خجولة.

- ساذجة أنا لأنني حسبت أني أنتقم منه حين تخليت عن صفاتي التي أحبَّها فيَّ.. وكأن رحيله وحده لا يكفي. عزمت أن تغادرني الفتاة التي كنتُها والتي أحبَّها يوماً.. أردت أن تنسلخ عني وترحل معه.لم أعد أنا لأنه لم يعد هنا.. أكلم هذا وأضحك لحديث ذاك، وصرخات عقلي وقلبي وضميري تتعالى مستنكرة أفعالي.. توزعت مشاعري بين الرغبة في الانتقام منه والوفاء له.. بقيت عاجزة عن تبرير تصرفاتي.. عرفت قبله وبعده أنواعاً من الرجال، لكنني كنت في حضرته فتاة أخرى لم يعرفها أحد غيره. تخرس لساني هيبة حضوره وتذيب قلبي رنات ضحكاته. تمر معه الساعات كأنها ثوان، فلا أكتفي منه أبداً.. أعجز عن إلقاء نكتي الشهيرة بحضرته، أو الضحك بصوت عال ٍكعادتي .كنت أكتفي بحديثه وأعلق حين يلح على ذلك.. أدركت معه معنى العشق، وأحسست بأشياء اعتقدت أنها ليست إلا من بنات أفكار الكتاب والمؤلفين. رحل وعدت أنا كما كنت أجتر حزني وألعق جراحي كقطة يتيمة.

سكتت جوليا، وحط الصمت ثقيلاً موحشاً.طأطأت الفتاتان رأسيهما..كانت تبكي في صمت وهما عاجزتان عن مواساتها. استغربتا كيف لم يسْلَم قلب هذه الفتاة الجميلة المحبة للحياة من التحطيم والتشظي؟

مرت الدقائق وئيدة ثقيلة. تدخلت منايا بصوت خافت مبحوح:

- غريب أمرنا نحن النساء، مهما اختلفت بيئتنا وثقافاتنا وأدياننا وعاداتنا، تبقى لغة قلوبنا موحدة.. نبكي لفراق الرجل ونتألم لهجره. ومهما بلغت قوتنا وثقتنا بأنفسنا نبقى مجرد ورقه تعصف بها الرياح العاتية دون رحمة.

فطنت نور إلى أن صديقتها لم ترد بتعليقها سؤال جوليا عن شيء يخصها لذا حذت حذوها وسكتت.

حاولت جوليا تغيير دفة الحديث:

- بما أنني فتحت قلبي فأنا أنتظر منكما الشيء نفسه.

قالت نور مازحة:

- كعادتك تجيدين المقايضة.

لم تكن جوليا بسؤالها تتوقع رداً صريحا من نور الكتوم.. شيء ما بين الفتاتين يحد من انسجامهما.. بل لولا وجود منايا ما كان ليكون بينهما هذا الشكل من التواصل.

كانت تحاول أن تعرف خطط منايا المستقبلية.. وهل هي فعلاً جادة في قرارها المصيري الذي اتخذته؟.. ولما لم تنجح في استنطاق الفتاتين، استسلمت أمام عنادهما معلنة:

- هكذا أنتم معشر العرب، تفكرون بصمت.. وغالباً ما تصلون إلى استنتاجات خاطئة تفاجئون بها العالم.

انطلقت كلمة «العرب» كشظية قذيفة أصابت عمق الشعور القومي لدى الفتاتين.. لأول مرة تحسان بقربهما من بعضهما.. أدركتا حتمية ذلك القرب، ورغم عدم تفاهمهما فإنهما منذورتان إلى العرق نفسه، وإلى اللغة نفسها.. إنهما عربيتان.

الصفحات