أنت هنا

قراءة كتاب بنو إسرائيل عبر التاريخ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بنو إسرائيل عبر التاريخ

بنو إسرائيل عبر التاريخ

كتاب " بنو إسرائيل عبر التاريخ " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 10

يدَّعي اليهود أنه كان هناك مجزرة اقترفها العثمانيون في مدينة الخليل، طالت اليهود عام 1518، غير أن العلماء أفادوا بأنه كانت هناك طائفة يهودية صغيرة قد تأسست، وحافظت على وجود ضعيف لها يتكون من اليهود الأرثوذكس (المتعصبين دينيًا)، وتلموديين، وطلاب المذهب الصوفي الباطني الذي عرف بمبدأ "الكبالا"، كما ضمت الطائفة اليهودية هناك الزاهدين الذين كانوا يجلدون أنفسهم بقسوة حتى تسيل دمائهم على الحجارة المقدسة، وكانوا جميعًا ينتظرون مجيء "المسياح" المخلص، وفي زمن الانتداب البريطاني وعام 1929 بالتحديد تعرض اليهود في الخليل إلى هجوم شرس من أهل المدينة العرب، وهجوم عربي آخر عام 1936، ولاقى العديد من اليهود حتفهم في الهجومين، خصوصًا "طلاب التوراة" من اليهود المقيمين في الخليل، واليهود الوافدين لدراسة التوراة والعقائد الدينية اليهودية، حيث كانت الخليل تضم أكبر كلية دينية يهودية في العالم في ذلك الحين.

هكذا عندما يزور المؤرخ مدينة الخليل في هذا الزمان يسأل نفسه أين كل أولئك الناس الذين أقاموا يومًا في ذك المكان؟ أين الكنعانيون والاديميون؟ أين الهيلونيون القدماء؟ أين الرومانيون والبيزنطيون؟ لقد اختفوا جميعهم مع الزمن، لكن ظل اليهود هناك في الخليل، لذلك أصحبت الخليل تعدُّ مثالاً عن العناد اليهودي على مدار أربعة ألاف عام، وهي أيضًا تمثل تناقض اليهود الفضولي نحو ملكية الأرض والاحتلال، ليس هناك من حافظ لفترات طويلة على الوجود وبالتعلق بزاوية معينة على سطح الكرة الأرضية كاليهود، فكانت الخليل أول مكان سجله تاريخ بني إسرائيل في قضية شراء الأرض، الإصحاح الثالث والعشرون من سفر التكوين في التوراة يتحدث عن كيف تمكن إبراهيم الخليل من شراء كهف "المكفيله" والأرض المحيطة به ليدفن فيه زوجته "سارة"، واعتبروا أن إبراهيم الخليل أرسى بهذا مبدأ امتلاك الأراضي في بلاد الكنعانيين، بعد أن نسبوا كذبًا أنفسهم إلى إبراهيم الخليل وذريته.

المؤرخون المعاصرون يتساءلون: من كان إبراهيم هذا ومن أين جاء إلى الخليل؟ ما جاء في سفر التكوين فقط هو الإثبات الوحيد أن إبراهيم كان موجودًا وكانت نصوص ذلك قد جمعت على شكل كتابة ربما بعد حوالي ألف سنة من أيام حياته المفترضة، وقيمة الكتاب المقدس كسجل تاريخي كانت مسألة جدل مكثف على مدى القرنين الماضيين التاسع عشر والعشرين، وكانت حتى العام 1800 وجهة النظر السائدة بين العلماء وغير العلماء أيضًا أن الكتاب المقدس هو مجموعات من روايات التوراة، استلهمت إلهيًا وأنها مفصلة أحيانًا وغامضة أحيانًا أخرى، غير أن علماء كثيرون من اليهود والمسيحيين قد حافظوا لقرون عديدة عليها واعتقدوا أن أسفار الكتاب المقدس العهد القديم احتوت على مقاطع تفهم على أنها حقيقة رمزية أو استعارة أدبية.

ومنذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي برز هناك وبازدياد نقد فني خطير للتوراة، فالعلماء اليهود الألمان مثلاً رفضوا فكرة الاعتراف بالعهد القديم كسجل تاريخي وصنفوا أكبر أجزائه كأساطير دينية، الأسفار الخمسة "البنتاتويخ" التي نسبت لموسى عليه السلام قدمت الآن كأساطير شفهية تناقلتها القبائل العبرانية المختلفة والتي وضعت كتابة بعد المنفى البابلي في النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد.

هذه الأساطير (كما كان يدور الجدل) كانت قد حررت بعناية، بعد أن تم خلطها وتثبيتها لتعطي تبريرًا تاريخيًا وإجازة إلهية للمعتقدات الدينية والممارسات والطقوس الخاصة ببني إسرائيل، التي سبقت السبي البابلي، من أجل تأسيسها، والأشخاص الذين ذكروا في الأسفار المبكرة لم يكونوا أشخاصًا حقيقيين، ولكن كانوا أبطالاً أسطوريين، أو شخصيات مركبة تدل على تعدد القبائل اليهودية.

وهكذا ليس فقط إبراهيم والآباء الجوالين، ولكن موسى وهارون ويشوع قد شملتهم الأساطير فلم يعودوا جوهريين أكثر من هيركوليز، وكانت الإنجازات الموسوية حول التوحيد قد تآكلت، وإعادة كتابة تاريخ العهد القديم عملت بها نوعية دقيقة مخضبة بمعاداة السامية.

العمل الجماعي لعلماء التوراة اليهود الألمان أصبح أرثوذوكسيًا، وهذا من تعاليم "يوليوس فيلهاوزن" (1844 – 1918) الذي احتوى كتابه العظيم (مقدمات نقدية لتاريخ بني إسرائيل القديم) الذي نشر للمرة الأولى عام 1878، وحتى لمدة نصف قرن تقريبًا هيمن "فيلهاوزن" ومدرسته على تدريس التوراة، وكثيرًا من تأثيرات فكره انعكس على قراءات المؤرخين، وحتى علماء القرن العشرين مثل (م. نوث) و(أي الت)؛ استبقوا هذا النهج المتشكك رافضين انتزاع التقاليد الأسطورية والجدلية بأن الإسرائيليين أصبحوا شعبًا على أرض كنعان فقط وليس قبل القرن العشرين قبل الميلاد وفتح بلاد الكنعانيين، إنما ذلك كان من أساطيرهم الكبرى، حيث أنهم كانوا قد تسللوا إلى أرض كنعان، كما يقترح علماء آخرون أن أصول إسرائيل يكمن في سحب جالية متعصبة دينيًا من المجتمع الكنعاني اعتبروا فاسدين، هذه والنظريات الأخرى بالضرورة تتجاهل كل التاريخ التوراتي قبل سفر القضاة، الذي كان بذاته مزيجًا من الحقيقة والخيال. فالتاريخ اليهودي كان قد خضع للجدل ولم يكتسب أسسًا جوهرية من أسس الحقيقة حتى عصر "صموئيل" و"داود".

يقول العلماء والباحثون في تاريخ الشرق الأدنى، إن المؤرخين نادرًا ما يهدفون أو حتى يرغبون أحيانًا في توضح التاريخ التوراتي الذي يتحدث عن معتقدات وتحاملات وتحيزات إضافة إلى الإجحاف والتعصب، حيث أن هذه الأمور تدخل إلى صلب حياة الإنسان وهي المساحة التي تكون فيها الموضوعية بالذات صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة التحقيق، وأكثر من هذا فإن خصوصيات الباحثين وأعمالهم تقوم على أساس تفعيل وتحديد مصادر الموارد، وإيجاد الدوافع الخاصة بالذين جمعوا بعض التصنيفات الأصلية، ليعيدوا تشكيل الأحداث في ضوء التاريخ المقارن.

مع التطور في علوم الأركيولوجيا الحديثة برزت قوة معوضة لانحياز علماء الأثار المتعلقة باستعمال النصوص القديمة للاهتداء بها، وتأكيد البقايا المادية، وقد جرت أبحاث بهذا الشأن في اليونان وآسيا الصغرى، فالاكتشافات والحفريات في طروادة وكفوسس ومواقع أخرى في مينون وكريت والمدن اليونانية القديمة الأخرى والروايات الهومرية، واتخاذها تسجيلات تاريخية مكَّنت العلماء من التوصل إلى عناصر الحقيقة الكامنة تحت القشرة الأسطورية، وهكذا في فلسطين وسوريا والتنقيب في المواقع القديمة فيهما وترجمة أعداد كبيرة من التسجيلات الإدارية والقانونية، قد جنحت بقوة إلى إعادة تخزين قيمة أسفار الكتاب المقدس المبكرة كروايات تاريخية، ويضيف العلماء بأنهم الآن يرون نصوص الكتاب المقدس (التوراة) أنها معقدة جدًا وغامضة، لا تقود إلى معرفة الحقيقة، بل لا تقود إلى شيء البتة.

الصفحات