أنت هنا

قراءة كتاب سلسلة اللغة أدركوا الدعائم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سلسلة اللغة أدركوا الدعائم

سلسلة اللغة أدركوا الدعائم

كتاب " سلسلة اللغة أدركوا الدعائم " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وظيفة الإعلام

بعد عرض ما تقدم أسأل: ما وظيفة الإعلام بكل وسائله؟ أهو لإضاعة الوقت بالمسلسلات والمسابقات ما حسن منها وما قبح؟ أم هو للإعلان عن مختلف أنواع البضائع ما صلح منها وما فسد؟ أم هو لنقل الأخبار ما صدق منها وما كذب؟ أم هو للدعاية لمالك المحطة أو المجلة أو الجريدة سواء أكان حزباً أم مؤسسة أم شخصاً، مخلصاً صادقاً أم كاذباً مخرباً عميلاً؟ الإعلام بكل وسائله أهو لكل هذا وغيره، أم هو، أولاً وفوق كل شيء، سبب من أسباب تثقيف الشعب وتقديم ما ينفعه ويرفع قدراته ومقوماته العلمية والثقافية والاجتماعية والفنية، ولاسيما الإعلام الموجه من الحكومات أو من المؤسسات الرسمية؟

إن الإعلام في كل بلاد العالم كما هو معلوم موجه، ولا عيب في هذا، والمهم أن يكون التوجيه صحيحاً ومخلصاً ولمصلحة الأمة، والمهم أن يكون القائمون عليه على درجة من الوعي والإدراك لمصالح الشعب الأساسية، عارفين باحتياجاته التي ترفع من شأنه، فينتقون من البرامج ومن المقالات والأحاديث والندوات ما يحقق له هذه الغايات. ومن المؤسف أن كثيراً من وسائل الإعلام في بلادنا العربية متهم بالتقصير في هذا، وبما هو أكثر من التقصير أحياناً. فما يسمع وما يرى وما يقرأ وما ينشر باسم حرية الرأي، أو باسم الانفتاح على الآخر، أو باسم التقدمية، فيه كثير من السم المدسوس في الدسم، وفيه الكثير الذي يبدو بوضوح أنه موجه من أعداء الأمة، والناطقون أو الكاتبون يحسبهم المشاهد أو القارئ أمريكيين أو إسرائيليين مع أن أسماءهم عربية! وأنا لن أتكلم على البرامج نفسها، بل على ما يتعلق باستخدام اللغة فيها، واللغة من أول مقومات الأمم، والحفاظ عليها من أول واجبات الإعلام الذي يجب أن يكون القدوة في ذلك. إن كل الأمم حتى الصغيرة منها تهتم بلغتها وتحترمها وتسعى للحفاظ عليها. يقول المفكر الألماني هردر: "إن اللغة قلب الأمة وروحها، وعلى كل أمة أن تتمسك بلغتها تمسكها بحياتها، وليس هذا واجباً فحسب بل هو حق، وعلى راعي شعب ما ألاّ يحرمه هذا الحق. وإن من يحاول انتزاع لغة شعب من الشعوب أو يقصر في احترامها، يحرمه من ثروته الوحيدة التي لا تبلى بانتقالها من الآباء إلى الأبناء على مر الأجيال"(1) .

ولا تقف الأمم عند الحفاظ على لغتها بين أبنائها، بل تسعى إلى نشرها بين الأمم الأخرى، وكلنا يعلم عدد ما يسمى المراكز الثقافية في بلادنا العربية، ووظيفتها كلها الإعلام عن ثقافة الدول المالكة لها بنشر لغتها، ولاسيما الإنكليزية والفرنسية والألمانية والروسية والإسبانية. وكانت فرنسا عرضت على المملكة المغربية إعفاءها من كل ديونها إذا أقرت اللغة الفرنسية لغة رسمية في بلادها! وهي تسعى إلى لم شمل كل الناطقين بالفرنسية في مؤتمرات وندوات دورية تعقدها لتؤلف منها ثقافة فرنسية واسعة بما يدعى (الفرانكوفونية)، وفيها كثير من الدول الإفريقية والآسيوية التي كانت سابقاً تحت الاستعمار أو الانتداب الفرنسي. وهي بالمقابل تحاول بكل الوسائل الحد من استعمال اللغة الإنكليزية في بلادها، وتسعى كذلك إلى تعزيز لغتها وحفظها. وقد أنشأت منذ مدة طويلة مجلساً أعلى للإعلام الفرنسي، تحدد المادة الأولى من جملة أهدافه "..وتعزيز اللغة والثقافة الفرنسيتين". ويصدر هذا المجلس مجلة دورية فيها باب ثابت عنوانه (اللغة الفرنسية) تعرض فيه كل ما يسيء إلى اللغة، وتصلحه في كل المجالات حتى في مجال الإعلان. فقد جاء في إحدى الجرائد إعلان عن أنواع من المشروبات والحث على استعمالها بتعبير خاطئ، فطلب المجلس إلى الجريدة إيقاف نشر الإعلان حتى تصحيحه..

كما شرّعت فرنسا القوانين الهادفة إلى حماية اللغة الفرنسية من سيطرة الإنكليزية، ومنعت استعمال الإنكليزية في معظم مجالات الحياة الفرنسية، كالإعلانات والاجتماعات العامة والندوات.

هكذا تعمل كل الأمم الحية للحفاظ على لغتها وتستخدم الإعلام وتعنى به لهذه الغاية. ولغتنا العربية الآن أحوج ما تكون إلى توظيف الإعلام لرفع شأن اللغة، وقد تكالب عليها المتآمرون من الخارج والداخل لتهديمها وإبعاد أهلها عنها بشتى الوسائل الدنيئة، وبث الأفكار الخاطئة الهدامة. ولابد إذن من تدخل المسؤولين عن الإعلام والمشرفين عليه لوضع خطة لتعزيز استعمال الفصحى في كل برامجه، وانتقاء المؤمنين بالفكرة والمخلصين القادرين للعمل فيه.

ولكن هل يمكن الرجوع إلى الفصحى بعد كل ما نرى من ضعفها الذي كاد يصل بها إلى الهزال؟ هذا ما سأعود إلى الكلام عليه إن شاء الله بعد الفراغ من عرض بقية مظاهر ضعف اللغة التي أشرت إليها في المقدمة.

الصفحات