أنت هنا

قراءة كتاب سلسلة اللغة أدركوا الدعائم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سلسلة اللغة أدركوا الدعائم

سلسلة اللغة أدركوا الدعائم

كتاب " سلسلة اللغة أدركوا الدعائم " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

رابعاً- الشعر والنثر

ليس هذا البحث لصيق الصلة بموضوع ضعف اللغة، ولكنه مظهر من مظاهر الانحراف أحببت أن أشير إليه.

تعرِّف كل كلمة في اللغة شيئاً من الأشياء وتدل عليه، فحين تقول: (دار) مثلاً تعني البناء المؤلف من عدة غرف وتوابعها مخصصة لسكن الناس، وحين تقول: (طاولة) تعني الأداة المؤلفة من سطح مستو يحمله عدد من القوائم تستعمل للأكل أو للكتابة... هكذا اصطلح على أن يكون لكل شيء تعريف محدد، وعلى هذا الأساس عرّف القاموس المحيط الشعر بأنه: "منظوم الكلام لشرفه بالوزن والقافية"، وعرفه المعجم الوسيط بأنه: "كلام موزون مقفى قصداً". وكما لا يمكن أن نقول عن الأداة المخصصة لحفظ الثياب مثلاً طاولة، كذلك لا يمكن أن نسمي الكلام شعراً ما لم ينطبق عليه التعريف الذي ذكرناه.

ومن المعروف أن كلام العرب يكون شعراً أو نثراً أو سجعاً، هذا طبعاً عدا كلام القرآن الكريم المميز، الذي لا تنطبق عليه صفة من صفات الأنواع الثلاثة الأولى؛ لأنه ليس كلام البشر، بل هو كلام الله سبحانه وتعالى.

نعود إلى الكلام على الشعر فنقول: كما أن للطاولة أشكالاً مختلفة منها المستطيل ومنها المربع أو الدائري أو البيضوي، وألواناً مختلفة منها الأبيض والأخضر والأزرق، ومواد أولية مختلفة تصنع منها، كالحديد والخشب واللدائن، ولكن تُجملها كلها صفات مشتركة واستعمال مشترك، كذلك الشعر له أوزان مختلفة وقواف مختلفة، ولكنه يبقى ضمن التعريف الأساسي "الكلام الموزون المقفى"، فإن شذ عن ذلك فلا يصح أن يسمى شعراً، ولنفتش عن أي اسم آخر نطلقه عليه.

صحيح أن الإنسان حر في أن يعبر عن أفكاره بالطريقة التي يراها وبالأسلوب الذي يراه، ولكنه ليس حراً في تسمية الأشياء بغير أسمائها، وإلاّ جاز أن نسمي الكرسي نافذة والباب حذاء والكتاب سيارة، ويصبح لكل إنسان لغته الخاصة به (وتضيع الطاس)، ولن يستطيع أحد بعدئذ إيجادها.

والسؤال: لماذا يصر بعضهم على تسمية ما ينشر أحياناً في الصحف أو يذاع في الإذاعات من كلام ليس نثراً ولا سجعاً، ومن المؤكد في الوقت نفسه أنه ليس شعراً، لماذا يصرون على تسميته شعراً (ولكنه منثور)؟ والجواب كما أعتقد ناجم عن حب من يكتب هذه الكتابات أن يوصف بأنه شاعر؛ لأن الشاعر -كما يعتقدون- أعلى مقاماً من الكاتب، ناسين أن المهم في الكتابة احتواؤها فكرة ما، شعراً كانت أم نثراً، فالنتيجة واحدة. صحيح أن الشعر قد يكون تأثيره في النفس أكبر أحياناً، وهو يحتاج إلى موهبة خاصة لا توجد عند كل الناس، ولكن ذلك لا يقلل من قيمة الكاتب إذا كانت الأفكار التي يقدمها جيدة، ونثر ابن المقفع أو عبد الحميد الكاتب مثلاً لا يقل قيمة عن شعر المتنبي أو البحتري، وكتابات طه حسين والعقاد والمازني والرافعي لا تقل قيمة أدبية وفكرية عن شعر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد البزم وعمر أبي ريشة... وفيما يقدم من الشعر (اللاعمودي) أو (الشعر المنثور) في كثير من الأحيان أفكار جميلة وصور رائعة لا يقلل من قيمتها أن لا تسمى شعراً، وكل إنسان يستطيع الإبداع في اختصاصه؛ سواء أكان هذا الإبداع قصيدة أم مقالاً أم لوحة أم تمثالاً أم مقطوعة موسيقية. وحتى الشعر نفسه على ما فيه من موسيقا وجرس جميل، قد لا يترك في النفس أثراً ما إن كان مجرد صف كلام موزون ومقفى، ولم يكن فيه ما يدغدغ المشاعر أو يداعب الإحساس أو يقدح زناد الفكر، وسمي هذا النوع من الشعر (نظماً) تمييزاً له من الشعر ولذلك قيل:

والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة

وحكمة فهو تقطيع وأوزان

فكيف به إذا لم يحمل جُلُّه أياً من مقومات الشعر أو غاياته أو صفاته؟

ومن الجدير بالذكر بعد هذا كله - أو كان يجب أن يقال قبل هذا كله - أن تسمية (الشعر المنثور) لها دلالة معروفة لا تنطبق على ما يريدون، بل هو تحويل بيت من الشعر أو مقطوعة من الشعر إلى نثر بقصد شرحها وتفسيرها ودراستها، واختراع الشعر العمودي والشعر المنثور لا مسوّغ له، لأن الشعر العمودي يتطلب وجود شعر أفقي لتمييزه منه، وكذلك وجود شعر مائل ميلاً مختلف الدرجات! فهل ننتظر أن يخترع لنا قريباً مثل هذه الأنواع؟ وما سيكون شكلها يا ترى؟

أيها المهتمون بالأدب والشعر والنثر! سموا هذا الكلام الذي نعنيه أي شيء، ولكن لا تسموه شعراً، وإذا كان المعنيون بالأمر يصرون على حشر كلمتي الشعر والنثر معاً، فلماذا لا يسمونه مثلاً (النثر المشعور)؟.

الصفحات