أنت هنا

قراءة كتاب دور الدين في المجتمع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دور الدين في المجتمع

دور الدين في المجتمع

كتاب " دور الدين في المجتمع " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 4

مقدمة

عرف الإنسان الظاهرة الدينية منذ الزمن القديم، وتؤكد البيانات الأركيولوجية وعلم الآثار أنه عرفها في أكثر من مكان جغرافي بعد أن استقر في مركز من مراكز الاستقرار بغض النظر عن تصنيفه، بل يوجد من يقول إن نوعاً من أنواع الأفكار والمشاعر الدينية عرفتها كل جماعة بشرية بما في ذلك الجماعات التي تعارف المتخصصون في علم الإناسة على وصفها بالبدائية ( Broom & Selzink, 1955: 396 ). والتصورات الدينية لمثل هذه الجماعات بسيطة ومحدودة بحيث تناسبت والدرجة المعرفية المحدودة التي توافرت للإنسان عندئذ. انحصرت التصورات الدينية في تقديم تفسيرات بسيطة لأهم الظواهر الطبيعية من نهار وليل ومطر ورعد ورياح، وأهم القضايا اليومية كالولادة والمرض والموت. ومع مرور الزمن تطورت التصورات الدينية، وترافقت مع نجاح الإنسان في الإقامة في مكان جغرافي محدد، ثم ببناء حضارة.

توضح بيانات علم الآثار أن الإنسان تمكن من بناء حضارة في أكثر من موقع. تتفق بيانات كثيرة، وخصوصاً المكتوبة، على أن البدايات الأولى للاستقرار في شكل من أشكال المدينة كان على ضفتي دجلة والفرات، وفي سورية الكبرى، وضفتي النيل، وفي مناطق متفرقة في حوض البحر الأبيض المتوسط والهند والصين (التير، 2005: 39). كما تبين أن حضارات أخرى ليست بقدم تلك التي يشار إليها بالقديمة ظهرت في مناطق بعيدة عن التي أشير إليها آنفاً في بعض مناطق الأمريكتين. كما تشير المعلومات الأثرية، إلى أن الإنسان في جميع الحضارات التي تركت آثاراً منحوتة أو مكتوبة عرف شكلاً من أشكال الأفكار والممارسات الدينية، وأن آثاره أوضحت أن المعتقدات الدينية كانت محور أنشطة أبناء المجتمع.

يمكن القول إن المجتمعات المتقاربة جغرافياً تأثر بعضها ببعض، لكن الظاهرة نفسها عرفتها شعوب عاشت فيما يمكن أن يطلق عليه في التاريخ القديم في الأطراف البعيدة من الأرض مثل: الذين سكنوا القارة الأمريكية أو أسترالية، إذ يبدو أن الإنسان احتاج، وباستمرار، إلى الدين ليفسر بعض القضايا والظواهر العامة التي تتصل بأولويات الحياة فوق الأرض مثل: الخلق والوجود، والموت وما بعد الموت، والخير والشر؛ وليطور تصوراً لمعنى ما يشاهد من ظواهر طبيعية لم يستطع فهمها بما توافر لديه من خبرة، كالبرق والرعد والمطر والعواصف؛ ولكي ينظم الأنماط السلوكية للفرد بواسطة نسق من القيم والمعايير ليتمكن من العيش مع الآخرين في مجتمع.

تضمنت الظاهرة الدينية الاعتقاد بوجود مخلوقات أخرى تعيش بين الناس لكنها لا ترى وإنما يمكن التعرف على آثارها. أشير إلى هذه بالأرواح، وبالملائكة، وبالجن.. إلخ. ويقبل الفرد منذ تجاربه المبكرة ضمن برنامج التنشئة الاجتماعية أن هذه المخلوقات تضر وتنفع، وتتسبب بالمرض، بما في ذلك الجنون، وتشفي من المرض، وتجلب الحظ كما تجلب النحس والشقاء. وتطورت ضمن مختلف الديانات معلومات تبين وسائل الاستفادة من هذه المخلوقات، ووسائل اتقاء شرها، وتقنيات التخلص من تأثيراتها السلبية. لذلك وجد في مختلف المجتمعات أشخاص لهم صفات وقدرات خاصة تمكنهم من التواصل مع هذه المخلوقات، تحاك حول هؤلاء حكايات وأخبار يكون للخيال فيها النصيب الأكبر، لذلك تخصص لهم مكانة متميزة، ويُسعى إليهم، وتقدم إليهم الهدايا. وقد يحتفظ بعضهم بهذه المكانة حتى بعد الوفاة، فتقام لهم المباني أو الأضرحة، ويتوجه الناس لزيارتهم، ويستمرون في تقديم الطلبات. وبعد أن تطورت أساليب الحياة وتعلم الناس القراءة والكتابة، استخدم البعض الرسائل المتضمنة للطلبات ووضعها في مكان خاص في الضريح (الجوهري، 1978).

منذ القدم تضمنت الظاهرة الدينية وجود رموز تحاط باحترام خاص، وطقوس وممارسات تؤدى بشكل فردي وأخرى في جماعة، وأنشطة تقام في مناسبات محددة وتأخذ مظاهر احتفالية وقد تتضمن طلبات أو تمنيات معينة.

تضمنت الظاهرة الدينية في مجتمعات كثيرة وجود إله، كما تفيد بيانات علم الإناسة أن بعض ديانات آسية القديمة لم تركز على وجود إله بقدر ما ركزت على وجود نسق من الأفكار والقيم. لم تقل بعض الديانات القديمة التي اعتقدت بوجود إله، بوجود إله واحد، ويبدو أن هذا كان بسبب تعدد الظواهر التي لم يستطع الإنسان فهمها وتفسيرها، لذلك تعددت الآلهة؛ واحد للخير وآخر للشر، واحد للجمال وآخر للقبح، واحد للحب وآخر للكراهية، واحد للمطر وآخر للريح، وهكذا. تصورها في البداية في شكل لا يختلف كثيراً عن الإنسان، لها أسماء، وتأكل وتتقبل القرابين المادية، وتنتظم على شكل أسر، فهناك الزوج والزوجة والأبناء، وتدخل في علاقات فيما بينها مثلما يفعل البشر؛ فهي تغضب وتفرح، وتتعاون وتتحارب. تعلم الإنسان خلال هذه الحقبة أن عليه التقرب من الآلهة لكي ترضى عنه، وهذا الرضا شرط أساسي للتمتع بحياة سعيدة. تعلم الإنسان تقنيات التقرب إلى الآلهة بمزاولة طقوس معينة، وتقديم قرابين معينة، والالتزام بأنماط السلوك التي ترضى عنها الآلهة.

وجد تعدد الآلهة في الظاهرة الدينية في مجتمعات كثيرة؛ منها بلاد اليونان قبل المسيحية وبلاد العرب قبل الإسلام، وبين سكان شبه القارة الهندية التي عرفت ديانات كثيرة لعل أقدمها الديانة الهندوسية التي تنتشر بين ما يزيد على (14%) من سكان الكرة الأرضية. وقد لا يقال الشيء نفسه عن ديانات تفرعت عن الهندوسية أو تزامن ظهورها معها وهي الديانات التي يشار إليها (بالديانات الأخلاقية)، ومن بينها البوذية والكونفشيوسية والطاوية.

ثم جاء عصر التوحيد عندما توصل الإنسان إلى القول بوجود إله واحد يعود إليه الفضل بتدبير جميع شؤون الكون. حدث هذا في مصر القديمة، ثم ظهرت الديانات التوحيدية الرئيسة. ظهرت هذه الديانات في منطقة جغرافية واحدة؛ وهي منطقة عرفت بوجود أهم الثقافات التي يمكن أن توصف وقتئذ بالعالمية. منذ البداية جاءت اليهودية لتكون ديناً خاصاً بجماعة بشرية بعينها، في حين جاءت المسيحية والإسلام لكل البشر، لذلك انتشرا بين جميع الجماعات البشرية، وأصبح المؤمنون بكل منهما يعدون بمئات الملايين، ويوجدون في كل بقعة من بقاع الأرض.

الصفحات