أنت هنا

قراءة كتاب نازك الملائكة حياتها وشعرها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نازك الملائكة حياتها وشعرها

نازك الملائكة حياتها وشعرها

نازك الملائكة، شاعرة عراقية من مواليد بغداد عام 1923، تخرجت من دار المعلمين العالية ببغداد، وحصلت على الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة، وأجادت اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، لكن عشقها الكبير كان للغة العربية ونحوها وصرفها وآدابها

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
3- طفولتها:
 
تحدث بعض الباحثين عن طفولة نازك الملائكة، وقسموها إلى ثلاث مراحل ابتداءً من ولادتها في البيت الكبير، والتي حملت الشاعرة ذكرياته حتى كبرت، ثم تجاوزوا المرحلة بانتهاء مرحلة الدراسة الثانوية، فكان الخلط بين مراحل طفولتها ومرحلة الدراسة الثانوية.
 
وبعيداً عن هذا التقسيم، فقد أوضحت نازك الملائكة ملامح طفولتها الأولى في البيت الكبير فقالت: «كنا نعيش في منزل شاهق عتيق يقوم من ناحية من بغداد القديمة، وقد انحدر إلينا من الآباء والأجداد، وهو أمر كنا نحسه في طفولتنا، فقد كان القدم(13) يخلق حول البيت جواً من الرهبة الغامضة، والعظمة الصامتة التي تركت في حياتنا حتى اليوم آثاراً شديدة العمق»(14 ).
 
وسبق أن عرفنا بأن نازك ولدت في بغداد، في منتصف ليلة من ليالي عام 1923، وتحت هدأت الليل إلا من أصوات الحراس المتعبين، وهم يسيرون في أزقة المدينة التي يسودها الظلام، إلا من أضواء الفوانيس القليلة المبعثرة، وزاد من ظلمة الليل، أن القمر كان في المحاق في آخر ساعات شهر ذي الحجة، وكان الجو حاراً.
 
في وسط هذا الهدوء في محلة العاقولية، كان بيتاً واحداً مستيقظاً تعالت فيه الأصوات، وفي غرفة من غرف البيت الكبير، تعالى صوت صراخ مولودة جديدة سمراء، شهدت الوجود لأول مرة، وبلغ صراخ الطفلة أذن والدها الذي كان ينتظر في حجرة أخرى، قدوم الضيفة الجديدة، حين دخلت عليه فتاة من الدار وهي متعبة لتخبره «فتاة... طفلة... لا تبتئس على كل حال... المهم صحة والدتها...».
 
كان الوقت منتصف الليل، وبدأت الحياة في البيت فصلاً جديداً، ليقول الأب في داخله، يولد عام جديد (1342) الهجري، وبمولده ولدت هذه الطفلة.. ابنتي الأولى.
 
لقد شاءت قدرة الله، أن تأتي هذه الفتاة إلى الدنيا في أول ليلة من ليالي المحرم، عندما كانت الأسرة تستعد للاحتفال باستقبال العام الهجري الجديد، فكانت الدموع في هذا الشهر على موعد مع استقبال الضيفة الجديدة، ولم يمنع هذا المشهد فرح الأبوين، وتوزيع الحلوى وعق العقيقة، وتعالي الزغاريد والأغاني. فنظم الوالد قصيدة بهذه المناسبة وبعنوان «نازك جاءت في زمان السرور» وعلم الجد بالخبر، فأعجبه اسم الطفلة وقال: «ستكون ابنتنا مشهورة كنازك العابد إن شاء الله».
 
لقد حظيت الطفلة برعاية خاصة، وكبرت أمام عيني والديها، فما أن بلغت الخامسة من عمرها، حتى اختار لها الوالدان الروضة التابعة لابتدائية المركزية في العاقولية، حين دخلت بها أمها ترافقها خالة الطفلة مبنى المدرسة، وبكل الفرح والسرور قالت الأم لابنتها: نازك! هذه مدرستك،.. اذهبي والعبي مع الأطفال.
 
سلمت الأم ابنتها للمدرسة، وانصرفت تاركة فلذة كبدها لأول مرة، ووقفت الطفلة حائرة في ساحة الروضة تحدق في الوجوه الجديدة بمشاعر غريبة، ثم ما لبثت أن ركضت نحو الباب باكية، تريد اللحاق بأمها، فسقطت على الأرض، ثم تحاملت على نفسها ونهضت، لتجد رجلاً طويلاً يناديها ويمنعها من الخروج، ويطلب منها العودة إلى الساحة.
 
وقفت ثابتة ثم انفجرت بالبكاء فحضرت إليها إحدى العاملات في الروضة وحملتها إلى صفها وسط عشرات الأطفال، ويوماً بعد يوم، اعتادت الطفلة على المكان، واستقرت حالتها.
 
كانت نازك خجولة هادئة منزوية، فلم تجد في الروضة صديقاً لها، وكانت تنفر من الأطفال، فانطوت على نفسها عندما أحست بالاعتداء عليها من زملائها بالدفع والضرب لإجبارها على الاختلاط بهم واللعب معهم، لكن ذلك زادها انعزالاً، وحاولت إحدى المعلمات إخراجها من عزلتها، فقدمت لها قطعة من (الشوكولاته)، لكنها رفضتها، وأصرت على سكوتها، فاشتكتها المعلمة لوالدتها، ولما عادت نازك إلى البيت، عنفتها أمها ولامتها ونعتتها بكلمة «مسخوطة» أي متوحشة، ومع ذلك ظلت منطوية على نفسها.
 
تعرفت نازك في الروضة على تل الرمل الرطب في ساحة الروضة فاتخذت منه صديقاً، وسرعان ما جلست فوقه تبني قصور أحلامها، ومستقبل خيالها، ورسمته في الذاكرة لتصفه فيما بعد في قصيدتها «مأساة الحياة» حين قالت:
 
لم يزل مجلسي على تلي الرملي يصغي إلى أناشيد أمسي

الصفحات