كتاب " مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية " ، تأليف بوبكر بوخريسة ، والذي صدر عن منشور
أنت هنا
قراءة كتاب مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لقد تم توضيح هذه الفكرة بشكل كبير، من طرف محاولات أمثال ج. راولس وي. هابرماس (J. Rawls 1921-2002 et J. Habermas) بهدف تقدير الشروط التي يمكن في ظلها تحقيق وفاق اجتماعي. وهي تتمثل بالنسبة للأول، في تحقيق مبادئ العدالة السياسية التي تضمن الحريات القاعدية وتقلص الفوارق الاجتماعية التي يجب أن يلتزم بها كل فاعل عقلاني، عندما يكون في مركز يجهل فيه موقفه الاجتماعي الخاص. وتتمثل بالنسبة للثاني إذن، في أخلاق النقاش والحوار التي تكون جزءا عموميا للبحث عن المعايير التي تتحلى بها كل ذات عقلانية وكل نية طبية. إن النقاش أو مثلما يقول هابرماس “الخصومة العائلية” [التي نشبت بين هاتين المقاربتين] قد كشفت عن محدوديتهما. وبالفعل يفترض راولس أن الحريات القاعدية التي تسمح لكل واحد منا بالاحتفاظ وبممارسة تصوره الخاص عن الخير، لا يمكن المساس بها بواسطة إجراءات المنفعة العمومية. بينما يعتقد هابرماس بالمقابل، أن القوة العقلانية في أخلاق النقاش تمنحها بعدا محدودا.
يؤكد هذا الجدل، بعض الحدود النظرية والعملية بشأن اختبارات العقلانية التي تتاح للاتفاق على مدى ومناهج أخلاق اجتماعية أو سياسية. يبدو في الواقع، أنه لا المبدأ الكانطي للتعميم ولا إحدى صيغه المعاصرة: المجتمع المثالي الذي يتكون من المتحاورين العقلانيين، التوازن الحكيم، التبرير وفقا لقواعد لا يمكن دحضها عقلانيا...، لا يمكنها أن تكون كافية لبناء منهجية عامة من أجل حل النزاعات الأخلاقية. مع ذلك، فإن هذه المعاينة، لا تفند البحث الاستقرائي والأساسي عن الآثار المكرهة التي تنتج عن اختبارات العقلانية - أو غيرها - حول الخلافات الملموسة التي تثار اليوم بفعل تطور الأخلاق، التقنيات البيو - طبية أو عولمة التبادلات الاقتصادية.
عندما نتابع النقاشات الأخلاقية الكبيرة المعاصرة، نلاحظ في الحقيقة كيف أنها تقحم محتويات معيارية متعددة، تكشف رغم كل شي عن مجموعة من المكتسبات الأخلاقية التي يبدو جانبها الملزم مقبولا من قبل الجميع، على الأقل في الدائرة العمومية. هذه المجموعة حاضرة في تصريحات الحقوق أو الخلافات الدينية والأخلاقية، لكنها موجودة أيضا في السيمانطيقا المستعملة في التبادلات والنزاعات المدنية والسياسية المعاصرة التي تدمج دروس المذهبيات الأخلاقية الكبيرة في صيغة عبارات: فضائل المدنية، احترام الحقوق، كرامة الأشخاص والحرص على سلامتهم. وهي ترتب محتويات، من مثل: رفض الألم غير المستحق [الذي يمكن تلافيه] أو غير العادل، ونأخذ في الحسبان أثناء النزاع: عدالة الغير، أي المعيار المشترك الذي يقترحه علينا خصم متحرر من مخاوفه أو كراهياته. وبشكل أوسع، فإن العبارات المتعددة عن الفضائل أو القيم التي يمكن تطبيقها دون تناقض، زيف أو خطأ على “حالات صعبة”، هي مجموعة من الإكراهات التي تخص الأخلاق، مثلما نتلقاها اليوم في مرحلة معينة من تطور الحضارات الإنسانية. لا تمنح هذه الإكراهات أية منهجية لحل النزاعات، لكنها تضغط رغم كل ذلك على تدخلات ومذهبيات كل من يدعي الدفاع عن وجهة نظره ويعمل باسم الأخلاق في الوقت ذاته. إنها تمكن العلوم الإنسانية من أن تساهم في تطوير الحوار الأخلاقي، عن طريق تذليل الخلافات ووضع محل تساؤل الأسباب التي تحكم بالطيبة أو بالسوء [عادلة كانت أم غير عادلة] على أية ممارسة من الممارسات الطبية، الجنسية، المدنية، الاقتصادية أو السياسية.