كتاب " باردة كأنثى " ، تأليف إسماعيل يبرير ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقد
أنت هنا
قراءة كتاب باردة كأنثى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أكان منهم، هل هو طاغوت؟ أمجرمٌ عبد الرّحمن؟ و"حشاوش" أبو الحسن تمثال ثلجيٌّ لا يصمد أمام الضّوء، على أيّ أرضٍ أقف؟ روَّعتني نظرات عبد الرحمن الطّاغوت، خفتُ أن أتبوّل أنا الآخر تحتي، حدّق فيّ طويلا قبل أن يسألني إن كنت جائعا بأسلوب فهمت من خلاله أنّنا سنغادر المكان، أجبت في كامل الأدب الذي يحتمله هذا الإدريس السليب "لست جائعا عمي عبد الرحمن"
- عمّك...! يعميك ويسلّط القضاء عليك، قبل أشهر لم أكن كذلك
- لكنني تغيرت، صدّقني أنا لا أتردّد على المسجد ولا أعرف هؤلاء، أعتذر لقد أخطأت
- يابني هؤلاء ليسوا شيئا إنهم شرذمة من المحبطين لا غير وأنت مكانك في العلم وطاعة والديك، مازلت صغيرا على البولتيك وتكسار الراس
أمسكني عبد الرحمن من ذراعي، شدّ قليلا فتسرّبت إليّ صورة عبد الرحمن الضابط، إنه يعتقلني، لم آمنه تماما، التفتَ إلى الضابط الذي أحضرني وخاطبه بصوت خافت بين الاستجداء وطلب الجميل:
- عاملهم برفق إنهم أولاد الحيّ.
- نشرولهم الكيوي... تصبح على خير سي عبد الرحمن
ودّعنا الضّابط وقد هزّ رأسه ضاحكا وكأنه يجيب طلبه، ركبت سيارة مدنية مع رجال مدنيين لا يخفون أسلحتهم ولم يكن معي عبد الرحمن، أوصلوني إلى المنـزل دون أيّ حديث لا معي ولا مع بعضهم، كان الراديو وحده يرغي بلا موسيقى أو وضوح، إنه طقس بين الموت واللا موت، لم أكن لأرى الحياة...
السّاعة تسترخي عند السادسة مساء، الفصلُ شتاء، لهذا أدخل الحيّ فلا ينتبه لي أحد، أقرعُ قرعا خفيفا على الباب، أسألني أدخل بطلا، رجلا على أمّي أم أُمثل دور المحبط المصدوم فأجد لي مخرجا أمام نتائج الدّراسة التي لن ترضيهم؟ أخي شريف كان يمشي ببطء نحو الباب، أخبر حركاتهم جميعا سيسأل الآن من الطّارق؟ أُجيبُه قبل أن يسأل، فَتح الباب فرحا، راح يعانقني ويبكي، سحنته تجعلك تحبه إنه ملاك بشري.
- الحمد لله على سلامتك خويا إدريس ماما رايحة تهبل عليك
- لن يجنّ أحد بعد اليوم يكفي الجنون الذي يعصف بالعالم
بدأت أشعر أنني كبرت وصرت مطلوبا لدى الحكومة، وعاشقا والأهمّ أني شاهد على سقوط حشاوش أبى الحسن.
إنّ سقوط أبـي الحسن في تاريخي مثل انهيار جدار برلين في العالم بعده لم يعد للإنسان أهمية، وابتلعت أمريكا كلّ الأحلام.
لن تعود هنالك حدود بين أفكاري وسلوكاتي
مضت ليلة بيضاء، الكُلّ يحدّق بـي لكأنّهم لايصدقون نجاتي. بـي رغبة لصوغ بطولة ما، لكن جارنا عبد الرحمن قد يكشف زيفها، بكت أمّي كثيرا وأنّبتني أكثر، وأخفى أبـي دموعه، أمّا شريف وجمال أخويّ الجميلين فكأنّهما في العيد عندما توقظهما أمّي باكرا ليلبسا الجديد ويجمعا النقود المريضة، أشعر أنّهما أكثر طفولة من البارحة، أكبرت جدّا أم صغرا قليلا؟
مرّ أسبوع على الحادثه نسيها أهل الحيّ وأطلق سراح البقية بما فيهم أبو الحسن حليقا، وكان ذلك بفضل توصية عبد الرحمن، أصبحت أشعر بكثير من الحياة. صحيح أن أخبار الموت كانت أكثر من أخبار الولادات، الأفراح والأعراس لم تعد سوى طقوسا سريّة أو ولائما محروسة. دويّ قنبلة، صوت رصاص، عويل وصراخ هو المشهد العام، بدأت أنسلخ تدريجيا عن الأخرين، ركّزت تماما مع وردة لا نلتقي إلا سرّا لكنها تهتف لي أو أهتف لها، كان الأمر مابيننا متعة ولذّة ورغبة...
أصبحت أفكّر في مآلنا بعد أن وجهوني في آخر السنة الدّراسية إلى الحياة العملية، لم أنجح في الثانوية التي قرّرها لي أبو الحسن. تصوّرت أني أتأخّر في إيجاد مخرج لي، لم تفارقني أحلام المال والوجاهة، أتنقّل من فكرة إلى أخرى كأني أملك من المال ما يكفي لنا جميعا، سأمارس نشاط جدّي وأفتتح لي مقهى شعبيا، ربما ينبغي أن يكون لي محل ألبسة نساء، أو مكتبة، تداخلت الأفكار في رأسي وبدت كلّها أنيقة بحيث لا تنال من شكلي ومظهري، في النهاية وجدتني أتاجر تجارة بسيطة في قطع غيار السيارات المستعملة، أمضي اليوم متنقلا بين ميكانيكيي المدينة لاقتناء بعض القطع التي يتحايلون فيها على الزبائن، واللّيل مع شريكي ننظّفها ونلمّعها، كان الأمر أصعب مما توقّعت، لم أجد سهولة في مواجهة الزّبائن وسط سوق مكتظة لبيع كلّ السلع، في أوّل درس أتلقاه من رجل سوقيّ جدا قال لي: "لا تحتقر أيّ تفاهة، كلّ ما يواجهك في طريقك إلى السّوق أجلبه ستجد له زبونا"، كان الرّجل السّوقي يبيع خيوط هاتف وأحذية قديمة وغربال ومنفضة مكسورة وعددا من المحركات الصّغيرة التي اجتثت من أجهزة إلكترونية، في البداية اعتقدت أنّ الرّجل مجنونٌ، لكنني اكتشفت أنّه يبيع كلّ ما يعرضه، حتّى الولاعة التي لا تعمل وجد لها زبونا، كان الدّرس مفيدا فقد وجدت أنّ بضاعتي أهمّ وأرفع، لهذا تسلّلت إليّ بعض الثقة فاعتدلت في جلستي ورفعت نظري قليلا في مواجهة الأمواج البشرية، كنت أفترش وشريكي الأرض، نضع القطع على خيش بمساحة ثلاثة أمتار مربّعة اجتهدت أمي في خياطته من بقايا خيش الدّقيق، في آخر اليوم الأول من العمل في السّوق اقترح عليّ جاري السوقيّ الكبير أن أبيعه الخيش، أغراني بمائة دينار فلم أتردّد في الموافقة، أخذ الخيش ونادى على أحد الباعة الذي قدّم له مائتي دينار أمامي، كان هذا الدّرس الثاني، الدّرس الثالث في البيت عندما لم أعثر على خيش لليوم الموالي، بدا المدخول جيدا مقارنة بالسّعر الذي اقتنينا به القطع، لم أكن أعرف كلّ بضاعتي، فكثيرا ما يسألني أحدهم عن نوع قطعة أو مدى تطابقها مع سيارته فلا أجد ما أردّ به، جاري السوقيّ يتدخّل ليقنع الزبائن بأنّها مطابقة تماما، كانت تجارتي بسوق الجمعة أقرب إلى الحلم الأسبوعي بفعل الاكتظاظ والاقبال الكبير على سوق مليئة بالخردوات، أمّا باقي الأيام فأمضيها وسط المدينة، في الجمعة الموالية توقّف جسم ضخم من إخوان المدينة يقلّب القطع، عثر على مرآة عاكسة لسيارة "ريتمو" كاللّتي يملكها فقرّر أن يأخذها
- كم سعر المرآة يا طفل؟
- مائتي دينار
- أعطها لي بمائة دينار واقنع
- ما فيهاش