أنت هنا

قراءة كتاب الأشاعرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأشاعرة

الأشاعرة

كتاب " الأشاعرة "، تأليف الشيخ عبد الكريم تتان ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

بالبداهة جاء هذا القول يعالج "المتشابهات" لا المحكمات من الآيات، فعلى أي أساس فسر الشيخ "أمرّوها كما جاءت" هذه؟ فقال: افهموها كما جاءت!!، وهل بقي فرق بين الآيات المحكمة والمتشابهة؟ حيث جاءت المحكمة لتفهم، ويعمل بها في بناء الحياة، وجاءت المتشابهة ليؤمن بها على مراد الله تعالى، وهل هناك مع هذا التفسير تبنٍّ لأساليب اللغة التي فيها الحقيقة والمجاز، كما ثبت لدى أساطين اللغة، وجاء بها القرآن الكريم؟! وهل "على" في قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 20/39] ، تفيد الاستعلاء الحقيقي كما هي عليه في علم معاني الحروف؟ وهل قول الفتى الذي أخبرنا الله عنه حين عرض رؤياه على يوسف عليه السلام: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 12/36] ، يريد به أن الخمرة تعصر؟ أم أنه من المجاز الذي عجت به دواوين اللغة التي اختارها الله وعاءً للشريعة الخاتمة؟

قد جاء عن السلف: «أمرّوها كما جاءت»، يعني: أنها تتلى على أنها نص شرعي متشابه، يؤمن به، ولا يبحث عن معناه، امتثالاً لقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: 3/7] ، وهذا ممّا تعبَّدنا الله به بالنسبة إلى المتشابه، حيث أثنى على الراسخين في العلم، وبين موقفهم من المتشابه حين يعرض عليهم؛ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 3/7] .

ويعني هذا أن تعلق الذهن عند النص المتشابه بتكييف ما، ولو جهلناه، لا يجوز، لأن التكييف، أي: البحث عن الكيفية، يتأتى من تحديد المعنى على حسب ظاهر النص، كما في قوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 20/5] ، وحيث يتصور في الآية الكريمة أمران رئيسان، كلاهما قد جاء به النص: العرش، وفعل "استوى" مع اسم الله "الرحمن" الذي أسند إليه الفعل، وحيث ترسم علاقة ما بينهما على حسب ما يطيق الخيال، فهذا لون من ألوان الافتئات على النص الذي جاء بصيغة واضحة، لكن ظاهره يوهم مشابهة الله تعالى للمخلوقات التي يتأتى منها الاستواء على ما نعلم بالكيفيات التي تختلف باختلاف "المستوي" منها، كما في سفينة نوح حيث {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 11/44] ! أو كما في الرجل يستوي على راحلته! وهو -إضافة لما سبق- لون من ألوان التكييف بقدر ما يطيقه الخيال، وهو -إن كان حقاً في حق المخلوق- باطل أيّما بطلان في حق الله. أقول في حق المخلوق، إذ ما كان في حقه فلا ضير من تكييفه، كما إذا جاءنا عن فلان -مثلاً- أنه قد استوى على راحلته، وانطلقت به على الطريق، قلت: لا يضيرنا هذا التكييف في حق المخلوق، لأنا نتشابه، فهو يشبهنا ونحن نشبهه، وإن كانت كيفية استوائه قد تخالف كيفية استواء غيره! بناءً على اختلاف الشخوص في السلوكيات.

ومهما تهرب "المكيّف" للمعنى، من ملاحظة التشبيه الخفي في قرارة نفسه، فقال: "كما يليق"؛ تهرباً من التشبيه الذي ينزه الله تعالى عنه بالنصوص المحكمة القواطع، فقوله هذا لا ينجيه، بعدما وقع -لا محالة- في فخ التشبيه، وصيد فيه قسراً بشبكة الخيال التي قطع النص مادتها في حنايا التعامل مع الله، وهذا إن لم يكن "مشبهاً" فقد وقف مع "المشبهة" على ساحل واحد، وامتدت مياه التشبيه لتغطي كل الأقدام على حدٍّ سواء! وادعاء أنه لا بد من تحديد المعنى، بدعوى أن الله تعالى لا يخاطبنا بما لا نفهم، ادعاءٌ مردود، إذ استيعاب المعاني يتأتى من النصوص المحكمة التي أنزلت للعمل بها، أما المتشابه فشأننا معه "الإيمان به"، وإمراره كما جاء، بلا تشبيه، ووقوفاً مع من أثنى الله تعالى عليهم بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، و"كل" هذه في الآية ترجع إلى الآيات المحكمات والمتشابهات معاً، التي هي مجموع ما أنزل الله على نبينا عليه الصلاة والسلام.

ويذكَّر -هنا- هؤلاء بالحروف المقطعة التي أنزلت في مطالع بعض السور، كقوله تعالى في مطلع سورة السيدة مريم: {كهيعص *}، فهذه الحروف المقطعة كثير من المفسرين قرروا أنها مما استأثر الله بعلمها. كذلك نذكر بالحديث القدسي، وفيه يقول الله تعالى لعبده يوم القيامة: «مرضتُ» بضم "التاء" التي هي ضمير يعود على الله تعالى، لأنه تضمن المتشابه الذي تعجب منه المخاطب، حيث علم أن إسناد الفعل "مرض" إلى الله تعالى، كما جاء في الحديث، مما لا يليق ظاهره بالله تعالى، وأقول ظاهره، لأن له معنى، لما وضح للمتعجب سلم به أروع تسليم، خاصة لما تبين عطاء الظاهر المتبادر الذي جيء به، مع إمكان الخطاب المباشر بما لا يشكل، والتأويل الذي "صرف" به النص عن ظاهره المتبادر المتعجب منه، وإعادة المضاف المحذوف إليه في سياق التفسير لإزالة النص عن ظاهره، فصار بدلاً من "مرضتُ" "مرض عبدي"، والحديث يوضح أنه لا يوقف على الظاهر، إن كان معناه المتبادر لا يليق بالله تعالى؛ بدليل التعجب! وفيه أنه لا يحمل على ظاهره المتبادر، بدليل أنه ما أنكر على المتعجب تعجبه!.. مع أن مضمون الحديث يقال في الآخرة، حيث -هناك- عالم التسليم المطلق، ولو افترضنا أن العبد المخاطب بقوله تعالى: «مرضتُ»، لم يسأل عن كيف يكون ذلك، وأنت الحي القيوم، والمرض من أحوال الإنسان المخلوق! هل يمر هؤلاء النص على أنه "مرض" بكيفية تليق بالله، ولا يصرفون النص عن ظاهره ليتضح لهم المعنى بهذا الصرف على أوضحه، ودون أدنى شبهة؟!.

وهنا يقال لهؤلاء: لمَ تذهبون إلى أن "صرف" النص عن ظاهره المتبادر هو "تعطيل" للنص، وأن الإعمال لا يكون إلا بإجرائه على ظاهره؟ أمَا بلغكم ما كان من أمر الصحابة الذين سمعوا الأمر من الرسول -عليه الصلاة والسلام- حين دعاهم إلى التوجه إلى "بني قريظة" بعدما هزم الله الأحزاب، فقال مناديه: «ألا من كان سامعاً مطيعاً، فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة»، فالنص -هنا- واضح الدلالة أيّما وضوح، ولكنّا رأينا بعض الصحابة قد وقفوا على الطريق لمّا دخل وقت "العصر"، وقفوا على الطريق ليصلّوا العصر، وقبل الوصول إلى "بني قريظة" كما جاء في النداء!! والحديث قد نهى بظاهره عن الصلاة إلا في بني قريظة، أَفَيُعتبر هؤلاء الذين فعلوا ذلك صارفين للنص عن معناه الظاهر إلى ما فهموه منه، وأنه مجرد الإسراع، ومن ثم يكونون معطلين "للنص"؟ هذا، وقد تابع فريق من الصحابة السير، حتى وصلوا إلى غايتهم بني قريظة، وهناك صلوا "العصر"، فكان بذلك منهم من صلى على الطريق، ومنهم من صلى في بني قريظة، تُرى: أيّ الفريقين أقر عليه الصلاة والسلام؟ أأقرَّ الرسولُ الفريقَ الذي أخذ بظاهر الحديث، فلم يصلوا على الطريق؟ أم أنه أقر الفريق الثاني الذي فهم أن ظاهر النص ليس مراداً، وأن المقصود منه مجرد الإسراع في التوجه إلى بني قريظة؟؟ نبئوني إن كنتم تعلمون!

إن الثابت من السيرة أنه عليه الصلاة والسلام أجاز من صلى على الطريق ومن لم يصلِّ، أي: من أخذ بظاهر الأمر، ومن فهم منه أن الظاهر ليس مراداً، وإنما كان المقصود منه الإسراع. أيسوغ بعد هذا أن يقال: إن الذين صلوا على الطريق "عطلوا النص" إذ صرفوه عن ظاهره المتبادر ولم يأخذوا به؟

وهنا المسألة فقهية، واضحة المعالم، فكيف إذا كانت مسألة عقدية بهذه الخطورة، وتتعلق بذات الله أو بصفاته، بذاتِ من {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 42/11] كما ثبت بالكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل السنة؟

إن الذين يصرفون النص "المتشابه" عن ظاهره ما فعلوا أكثر من أن أعملوا النص "المحكم" في "المتشابه"، لأن المحكم -كما جاء به النص- هو "أمّ الكتاب"، ويرد "المتشابه" على هذا للمحكم. وعليه، فهو إعمال، وليس تعطيلاً كما يتراءى لبعضهم!...

وعودة إلى الحديث «مرضتُ» و«ومرض عبدي» الذي تضمن كلاً من المتشابه والمحكم معاً، واجتمعا فيه، مما يدل دلالة ظاهرة على عدم إجراء الظاهر المتشابه على ظاهره، ورده إلى المحكم "وهو التنزيه" المطلق، وبهذا ما بلغنا بعد هذا التوجيه أن العبد سأل بكيف، أو غيرها، ونقول: ثمة معان لا تظهر لنا إلا عبر الأسلوب الذي خاطب الله به عبده يعاتبه، إذ لو قال الله لهذا العبد الذي يعاتبه لِتَرْكِهِ عيادةَ المريض مباشرة: «مرض عبدي»، لغاب عنا الكثير من اللطائف التي سيق الخطاب -ابتداءً- لها، وهذه المعاني التي أثمرها النص المتشابه تُتلمس بقلب مفتوح، وتضلّعٍ بأساليب اللغة، ووقوفٍ على إيماءات التعبير، وهذا لا يتأتى لمن يبس أمام النص يستحلب ظاهره وحده، ولا يرى أي عطاءٍ في غير ضرعه الظاهر! ودون أن تتراءى له ما بداخله من عطاءات التحبيب والتقريب والحفز على العناية بالأحكام...

7- ثم أليس ما يأخذه الشيخ على الأشاعرة يعني -مع حسن الظنّ به- أنه هو من المشبهة أو المجسمة؟

الصفحات