أنت هنا

قراءة كتاب الشعر في العصر الأموي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الشعر في العصر الأموي

الشعر في العصر الأموي

كتاب " الشعر في العصر الأموي " ، تأليف د. غازي طليمات و أ.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

جـ- ما نجم عن العوامل السابقة

المؤرّخ الموضوعيّ المنصف، سواءٌ أكان يؤثر صراحة عليّ على دهاء معاوية، أم يسوّغ الوسائل التي توسَّل بها معاوية إلى الحكم، لا يستطيع إلاّ أن يُقرَّ بأن العوامل التي ذكرنا أربعة منها تضافرت، فنصرت الأمويين على الهاشميين، لا بدهاء معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، ولا بتزمت علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري، وإنما بالانسياق مع العلة والمعلول، وارتباط النتائج بالأسباب، أي: بالاحتكام إلى منطق التاريخ والانحدار مع التيار.

لقد حكم الراشدون العربَ حكماً مثاليّاً[3]، استمدَّ قوته من روح الإسلام التي عمرت العقول والقلوب بالإيمان والمبادئ، ولم يحكموهم بقوة الاقتصاد التي تملأ البطون والأيدي بالغنائم. فلما زاحمت الغنائمُ المبادئَ وزحمتها فقد الحكمُ الراشدُ القدرةَ على الاستمرار، وأدرك عليٌّ ومعاوية هذه الحقيقة ووقفا منها موقفين مختلفين: أما عليٌّ فقد عارض التيّار الماديّ الجارف، وحاول أن يحمل أنصاره على أن يعارضوه، فلم يقو على المعارضة إلاّ قلةٌ من طُلاّب الآخرة. وأما معاوية فقد سار مع التيار، ولم يكلِّفْ أحداً أن يسير معه، لأن طلاّب الدنيا، وهم الكثرة الكاثرة، انقادوا لأهوائهم، فإذا هم جند معاوية، وإذا الثراء الذي عُرف به الأمويون في الجاهلية يفرض سلطانه من جديد.

وممَّا ساعد معاوية على الظفر أن عرب الشام أَلِفوا ولايته عليهم طوال عشرين سنة، فشقَّ عليهم أن ينصرفوا عمّا ألفوا من زينة الحياة الدنيا، فظاهروا ترفه على زهد عليّ. وممّا زاد طين عليّ بلّة، وجيشه علَّة إلى علة، خروج فريق من هذا الجيش عليه بعد التحكيم، فكان عليه أن يحارب الخوارج قبل أن يحارب الأمويين، لأنهم أقرب إليه وأخطر، ولأنهم بثوا الفرقة بين أنصاره، فكان يستنفر جنوده فلا ينفرون، حتى شكا ممّا كان يلقى من تخاذلهم في بعض خطبه، فقال لهم: «... أصبحتم غَرَضاً، تُرْمَوْن ولا تَرْمُون، ويُغار عليكم، ولا تُغيرون»، وقال أيضاً: «... وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجلٌ شجاع، ولكن لا رأي له في الحرب».

وبصراحة لابُدَّ من الجهر بها على المؤرّخ أن يعترف بأن ما نجم عن العوامل السابقة انطوى على ارتدادةٍ لا تخلو من جاهلية. فالعالَمُ كلُّه قبل الإسلام كان يُساس بالروح الفردية والأثرة الاقتصادية. والعدلُ الذي جاء به الإسلام دعا إلى إلغاء الاستبداد، وإلى التحرر من الاستغلال، ومن سيطرة القلة على الكثرة، وراح يوزع أموال الدولة على الناس كافّة، فتوهّج هذا النظام في عصر النبوة والخلافة الراشدة. فلما خمد توهُّجه وطغت الأثرة كرة أخرى، رصد معاوية هذا الطغيان، وانقاد له، أي: استجاب لمنطق التاريخ ولم يفرض نفسه عليه، فانتصر، ولم يكن انتصاره ظهورَ حق وزهوقَ باطل، وإنما كان انقياداً لواقعٍ آخذ بالتشكُّل، واتّساقاً مع نظام يفرض نفسه على الأمة.

والإقرار بتأثير هذه العوامل لا يعني إنكار الدهاء الخاصّ. فقد عرف معاوية كيف يجند نتائج ما حدث لمصلحة الأسرة الأموية عامة، لا لمصلحته الشخصية خاصة. فلم يكتف بالخلافة التي انتزعها من الهاشميين بعد مقتل عليّ، بل حرص على أن يورِّثها ولده، فأخذ البيعة ليزيد، وهو يعلم علم اليقين أن بين المسلمين من يَفْضُلُه، فتحوَّلت الإمامة - والقول للجاحظ - إلى ملك كسروي، والخلافة إلى منصب قيصري. ولترسيخ الكسروية والقيصرية اصطنع معاوية القبائل اليمنية القاطنة في بلاد الشام لتغدو القوة الضاربة لكل من يعارض بني أمية في حياته، أو ينازع ولده عروة الخلافة بعد وفاته، متوقعاً أن تأتي المعارضة من قيس ومضر، وفي هذه السياسة القبلية ما فيها من ارتداد إلى الجاهلية كرة أخرى.

دام حكم معاوية ما يقرب من عشرين سنةً بين سنة 41هـ وسنة 60هـ فلما تسنّم يزيد كرسيّ الحكم وقع ما توقّع أبوه، إذْ ثار الهاشميون في العراق، والزبيريون في الحجاز، فجابه يزيد الثوار بعنف أخمد ثورتهم، وعسف استأصل شأفتهم، فقتل عُبَيْدُ الله بن زياد واليه على العراق الحسينَ بن عليّ رضي الله عنهما ، ونكل جنودُه بأهل المدينة، وحاصروا مكة، وأجبروا عبد الله بن الزبير على الخضوع لخليفة دمشق.

توفي يزيد أوائل سنة 64هـ، فحاول ابنه معاوية الثاني أن يتخلّق بأخلاق معاوية الأول في الملاينة والدهاء، وآثر شعرةَ جدّه على رُمْح أبيه، وأقلع عن التنكيل بآل البيت والزبيريين، وكاد يعدل عن التوريث إلى الشورى، غير أن موته أواخر سنة 64هـ فوّت عليه وعلى الأمة ما كان يخامره من الترفُّق بالرعية والحكم بالسوية، والتأسي بالراشدين الأربعة. وبموته انطوى حكم الفرع السفياني، وبدأ حكم الفرع المرواني.

رأسُ الفرع المرواني مروان بن الحكم الذي لم يدم عهده أكثر من سنة واحدة قضاها في إخماد الفتن، معتمداً على قبائل اليمن في سحق قيس ومضر، كأنّه كان يتهدّى بهدي معاوية الأوّل. والمؤسّسُ الحقيقي للدولة المروانية هو عبدُ الملك بن مروان، إذْ تمكن في أثناء حكمه بين سنة 65 وسنة 86هـ أن يقمع الفتن، ويستلَّ الإِحن، ويبطش بالثائرين، ويقضي على ابن الزبير، ويرسخ الحكم الأموي.

الصفحات