أنت هنا

قراءة كتاب العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث

العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث

كتاب "العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

ب- صورة المجتمع السياسي في العصور القديمة وعصر الإسلام

كان النظام القبلي هو السائد بين العرب، وكانت قريش في مكة لها صفة الزعامة والسيادة على الحرم المكي، وبما أن مكة وما حولها بلاد قاحلة لا نبات فيها ولا زرع: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: 14/37] فكان أهلها يعتمدون على التجارة مع جيرانهم في الشمال والجنوب، فرحلوا إلى اليمن شتاءً، وإلى الشام صيفاً: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ (*) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش: 106/1-2] وإلى الحبشة أحياناً، وبما أن سكان مكة أهل بيت الله وجيرانه، احترمهم الناس، واتسعت تجارتهم، وعقدوا معاهدات تجارية ومحالفات ودّية مع جيرانهم.

وفي غير جزيرة العرب قامت علاقات ودّية قوية بين الشعوب الآسيوية والإفريقية، وكانت إمبراطوريات الشرق القديم كإمبراطوريات مصر وبابل وفارس والصين والهند تؤلف الأشكال الأولى للدولة.

وكانت مدن اليونان القديمة كأثينا وإسبارطة وتبرا وبولوني هي الوحدات السياسية المتعاملة بعضها مع بعض. واعتقد اليونان بتفوقهم على سائر الشعوب الأخرى، فأصبحت الحروب والفتوحات أساس علاقاتهم بتلك الشعوب.

ولم يختلف الرومان كثيراً عن اليونان في نظرتهم إلى الشعوب الأخرى وفي ادعائهم التفوق، والسيطرة على العالم بقوة السيف. وكان ظل الإمبراطورية الرومانية شاملاً معظم العالم المتمدن آنذاك. وأبرم الرومان كثيراً من معاهدات الصلح مع الشعوب المغلوبة تميزت بتفوق الغالب على المغلوب.

وقد تعاطف مشركو العرب الوثنيون مع الفرس المجوس وعبدة الأوثان كرهاً بالمسلمين في بدء الدعوة الإسلامية، وكانت مشاعر المسلمين الأوائل مع الروم الذين يدينون بالنصرانية. لذلك شَمِت المشركون العرب بالمسلمين حينما انتصر الفرس على الروم في السنة الأولى للهجرة في معركة حربية، لكن استطاع الروم بعدئذ تحقيق نصر ساحق على الفرس في سنة 627م.

وهذا ما سجّله القرآن الكريم في قوله تعالى: {الم (*) غُلِبَتِ الرُّومُ (*) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (*) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (*) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 30/1-5] الآية التي نزلت في عام 622م.

وتعاطف بالمقابل هرقل ملك الروم مع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مبدأ الأمر وغضب كسرى ومزَّق كتاب الرسول إليه، وكان هذا بمثابة إعلان حرب ضد المسلمين ودولتهم، وبدأ الفرس فعلاً بالتحرش بالمسلمين المجاورين لهم، وأرسل عامل كسرى على اليمن فعلاً من يأتي برأس محمد في المدينة، وشرع الفرس في الإغارة على القبائل العربية المجاورة لها، فخاض المسلمون معهم عدة حروب أدت إلى القضاء على سلطان كسرى ودولة الفرس في عهد عمر في موقعة القادسية وفتح المدائن وموقعة جَلُولاء ونَهاوَند وغيرها من حروب المسلمين لصدّ عدوان الفرس، وفتحت العراق للقضاء على الحاميات الفارسية فيها[2].

كما خاض المسلمون حروباً ضد الروم بعد أن قَتَل أحد ولاة الروم على نصارى العرب وهو شُرَحبيل بن عمرو الغساني، رسولَ رسولِ الله إلى أمير بصرى وهو الحارث بن نُمير الأسدي، بعد أن أخذ الكتاب منه. وجمع الروم النصارى مئة ألف لحرب المسلمين، في معركة مؤتة، وكان النصارى هم البادئين بحرب المسلمين أولاً، حينما قتلوا من أسلم في الشام بغياً وظلماً.

وجمع الروم جموعاً عظيمة لغزو المسلمين، ثم تراجعوا في موقعة تبوك، ثم توالت الحروب بين المسلمين والروم إلى أن انهزموا في عهد عمر بفتح الشام ومعركة اليرموك[3].

فتهيأ الطريق لفتح فلسطين والأردن وسورية ولبنان أمام المسلمين. وودع هرقل الشام عند هزيمة جيوشه ولسان حاله يقول: «السلام عليك يا سورية سلام مودِّع لا يَرى أنه يرجع إليك أبداً».

وبه يتبين أن حروب المسلمين ضد الروم كانت أيضاً لقمع العدوان وإخماد الفتنة، وتأمين حرية الدعوة الإسلامية.

وهكذا لم يكن القصد من الفتوحات الإسلامية هو العامل الاقتصادي أي بسبب الجفاف أو الجوع في الجزيرة العربية كما يظن البيزنطيون، وإنما من أجل دفع العدوان والتمكين من نشر الإسلام، يدفع الفاتحين إلى ذلك: الإخلاص العميق لرسالة الإسلام وارتفاع معنوياتهم بالدين الجديد[4].

ولكن لم يكن هناك إكراه على الدين، فالإكراه على اعتناق الإسلام ممنوع شرعاً: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 2/256] وهذا نص عام محكم ليس بمنسوخ ولا مخصوص، فلا حاجة للإكراه على الدين بعد أن ظهرت الدلائل ووضحت البينات، وهذا ما قاله المفسرون المحققون كالإمام الرازي وابن كثير والطبري والجصاص الرازي، وأبي حيان[5]. وقال ابن تيمية في تفسير آية: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}: «جمهور السلف على أنها ليست بمنسوخة ولا مخصوصة، وإنما النص عام، فلا نكره أحداً على الدين، والقتال لمن حاربنا، فإن أسلم عصم ماله ودمه، وإذا لم يكن من أهل القتال لا نقتله، ولا يقدر أحد قط أن ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكره أحداً على الإسلام لا ممتنعاً ولا مقدوراً عليه، ولا فائدة في إسلام مثل هذا، لكن من أسلم قبل منه ظاهر الإسلام».

وأضاف ابن تيمية: «إنه من الثابت المقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أسر من المشركين، فمنهم من فداه ومنهم من أطلق سراحه، ولم يكره أحداً على الإسلام، ولو كان القتال لأجل الكفر، ما كان لهؤلاء إلا السيف، والقرآن خيَّر المسلمين، حين يُثْخنون في الأعداء بين المنّ على الأسرى أو الفداء»[6].

الصفحات