أنت هنا

قراءة كتاب العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث

العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث

كتاب "العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

المبحث الأول : الباعث على القتال في الإسلام

وجد المسلمون أنفسهم في صدر الإسلام أمام ضغوط شديدة، ومقاومات عنيفة، وتحرشات مستمرة، أدت إلى صدام مسلح مع الأعداء المناوئين لرسالة الإسلام في داخل الجزيرة العربية من المشركين (عبدة الأوثان)، واليهود، والمنافقين، وفي خارج الجزيرة من الروم والنصارى والفرس والوثنيين، كما لاحظنا سابقاً.

وفي وسط هذه المذأبة المتوحشة من كل جانب، اضطر المسلمون لمقاومة العدوان ودفع الاعتداء وتأمين حرية الدعوة الإسلامية.

فكان القصد في تشريع الجهاد إذن هو دفع الشر، وحماية المسلمين ودعوتهم، ورد الاعتداء لا بسبب المخالفة في الدين، أو لإزهاق الأرواح، وتعذيب البشر، وإنما كان القتال وسيلة لجأ إليها المسلمون للضرورة، بعد أن بدأ الأعداء بظلم الدعاة إلى الله، وقتل المسلمين وفتنتهم عن دينهم، وإخراجهم من ديارهم وأموالهم بغير حق، فأذن الله تعالى للمسلمين بالقتال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (*) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنا اللَّهُ} [الحج: 22/39-40] .

فليس القصد من تشريع الجهاد فرض الإسلام على الناس بحدّ السيف أو إبادة المخالفين في الدين، أو استعمار الشعوب وسلب خيراتهم، أو التعطش للدماء، أو التسلط على الأمم وإقامة وصاية أو زعامة على سكان المعمورة.

وقد صرح جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية وأكثر الشافعية والحنابلة[21]، بأن مناط القتال هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء، أي إن الباعث الحقيقي على الجهاد هو دفع العدوان، لا الكفر؛ فلا يقتل شخص لكفره، وإنما يقتل لاعتدائه على المسلمين أو على الإسلام. بدليل أن غير المقاتل من المدنيين لا يقاتل وإنما يسالم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم قتال النساء والشيوخ والأولاد، فقال: «لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا امرأة، ولا تغلُّوا»[22] أي لا تخونوا بالأخذ من المغنم.

ولو كان الكفر مبيحاً للقتل لما قبل الرسول صلى الله عليه وسلم التحكيم في بني قريظة، ولكان الإكراه على الدين جائزاً، ولما جاز قبول الجزية من أهل الكتاب، قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ *} [التوبة: 9/29] . حدد القرآن غاية القتال بقبول معاهدة الذمة (أي العهد والحماية)، فلو كان القصد قتالهم لكفرهم أو مخالفتهم في الدين، لجعلت غاية القتال إسلامهم، ولما قبلت منهم الجزية، ولما أقروا على دينهم.

قال الشافعية: «وجوب الجهاد وجوب الوسائل، لا المقاصد، إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية وما سواها من الشهادة، وأما قتل الكفار فليس بمقصود حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد، كان أوْلى من الجهاد»[23].

وقال الكمال بن الهمام من الحنفية: «المقصود من القتال هو إخلاء العالم من الفساد»[24]، وقال ابن تيمية: «فإباحة القتال من المسلمين مبنية على إباحة القتال من غيرهم»[25]، وقال ابن القيم: «وفرض القتال على المسلمين لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم»[26]، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *} [البقرة: 2/190] ، وليست هذه الآية منسوخة أو مخصصة، إذ لا دليل على النسخ أو التخصيص.

وهناك أقوال غير معتمدة منقولة عن الشافعي وبعض أصحاب أحمد[27] مفادها: أن المبيح للقتل هو الكفر. وترتب عليه جواز قتل غير المقاتلة كالراهب والشيخ الكبير والمُقْعَد والأعمى والفلاح، لعموم قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 9/5] ، وقوله r: «اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شَرْخهم»[28]؛ لأنهم كفار، والكفر مبيح للقتل على هذا الرأي. وردّ عليهم بأن هذه النصوص مخصوصة بالذمي والنساء والصبيان الذين حرم الرسول عليه الصلاة والسلام قتلهم.

وأما النصوص القرآنية والنبوية، ففيها دلالة صريحة على أن القصد من القتال: هو دفع العدوان، فمن القرآن الكريم: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *} [البقرة: 2/190]، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ *} [البقرة: 2/193]، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2/194] ، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 9/36]، ومن الأحاديث الشريفة: «لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا»[29].

والواقع التاريخي يؤيد هذا الاتجاه، فقد كان المسلمون قبل الهجرة وبعدها هم المعتدى عليهم، آذاهم المشركون أشد الإيذاء، فقتلوا بعض المسلمين، وفتنوا بعضاً آخر عن دينهم، وأذاقوهم أشد العذاب، وصادروا أموال المؤمنين المهاجرين إلى المدينة، وهموا بقتل الرسول عليه الصلاة والسلام، وجمَّعوا الجموع لحرب المسلمين في مواقع كثيرة.

وكذلك فعل الفرس والروم، فأرسل عامل كسرى على اليمن من يأتي برأس الرسول صلى الله عليه وسلم، وشرع الفرس في الإغارة على القبائل العربية المجاورة لهم، واستغلوا ملوك الحيرة في ذلك، فأمعن هؤلاء في الاعتداء على المسلمين.

وقتل الروم ونصارى الشام الموالون للروم بعض من أسلم من القبائل المجاورة لهم، منهم أحد أمراء الغساسنة، وحشد الروم ونصارى الشام حشوداً كثيفة لاستئصال شأفة محمد وصحبه في مؤتة وتبوك وغيرها[30]، قال ابن تيمية: «وأما النصارى فلم يقاتل النبي أحداً منهم، حتى أرسل رسله إلى قيصر، والمقوقس والنجاشي، وملوك العرب بالشرق وبالشام، فدخل في الإسلام من النصارى وغيرهم من دخل، فعمد النصارى بالشام، فقتلوا بعض من قد أسلم، فالنصارى هم الذين حاربوا المسلمين أولاً، وقتلوا من أسلم منهم بغياً وظلماً. فلما بدأ النصارى بقتل المسلمين، أرسل محمد عليه الصلاة والسلام سرية.. إلى مؤتة»[31].. إلخ.

الصفحات