أنت هنا

قراءة كتاب في مواجهة الأمركة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في مواجهة الأمركة

في مواجهة الأمركة

كتاب " في مواجهة الأمركة " ، تأليف د. محمد أحمد النابلسي ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

الديمقراطية بطبعتها الأميركية

مما تقدم يتضح لنا أن الطبعة الأميركية للديمقراطية هي حصان طروادة الخشبي الذي تتسلل منه سياسة المصالح الأميركية إلى منطقتنا تحت شعارات الحقوق، وتوريط القطاعات الاجتماعية التي يعطيها مجتمعنا نصيباً أقل من نصيب مثيلاتها في أميركا. حتى باتت هذه الحقوق مدخلاً لإدانة مجتمعنا على صعيد هو أنثروبولوجي أكثر منه سياسي أو اجتماعي. فعندما تناقش حقوق الطفل والمرأة والإنسان في المجتمع العربي نجدها تحرض هذه الجهات على قوانين بلادها وتدعوها إلى معارضة السلطة بحجة تعديل هذه القوانين. لكن المسألة سرعان ما تنتقل إلى نقاش يطال صميم الأنثروبولوجيا الثقافية التي قامت عليها هذه القوانين. وتصل منظمات الحقوق إلى ذروتها عندما يصل المطالبون المحليون بالحقوق إلى الصدام مع سلطاتهم، ومع نظام القيم السائد في مجتمعهم. إذ يقوم هذا الصدام بمهمة مزدوجة فيضعف السلطة، ويطرح الجدل حول القيم الثابتة في نظام قيم المجتمع. حتى تتحول المسألة من نقاش حول حق المرأة في قيادة السيارة إلى حقوق المرأة في الإسلام!؟. ولعل هذا المثال خير دليل على عدم براءة طروحات الدمقرطة الأميركية وتوظيفها وسيلة لاختراق عقول بعض شرائح المجتمع. وهو اختراق تعززه المخابرات بتوظيف أكاديميين من أبناء المنطقة لخدمة منطلقاتها ونتائجها الموضوعة مسبقاً.

منعاً للإغراق في التفاصيل (تمتد أهداف حصان طروادة إلى حقوق إضافية مثل حقوق الشواذ، وإلى كافة قيم المجتمع بما فيها تعاطي الكحول...إلخ) فإننا نتخذ من تقارير التنمية البشرية مثالاً على الاختراق المخابراتي لمجتمعاتنا. خاصة بعد مشاركة باحثين محليين في إعداد هذا التقرير. وكأن مجرد هذه المشاركة كافية لإعطاء التقرير قدسية تضعه فوق المناقشة. حيث يفترض أننا أمام تقرير علمي ينتمي إلى ميدان الإنسانيات. وهو ميدان غير دقيق ونسبي النتائج. حيث هذه النتائج مرتبطة مباشرة بمنطلقات البحث. وهي في هذه الحالة منطلقات ومعايير غربية محضة عداك عن إهمالها المتعمد للمعايير الثقافية المحلية. وهو إهمال كاف لرفض أية مصداقية لهذا التقرير. فلنتصور مثلاً أننا نحاسب الشعب العراقي (كنموذج للشعوب المتعرضة للحصارات الأميركية المتعددة الدرجات) منذ حصاره ولغاية اليوم بناء على معايير التقرير ومنها:

1- متوسط مستوى الأعمار: الذي تحدده في الحالة العراقية حصار الأدوية واللقاحات وقنابل الصدمة والترويع الأميركية.

2- وفيات الأطفال: حيث تعدد منظمة الصحة العالمية وفاة ثلاثة ملايين طفل عراقي بسبب الحصار المفروض على العراق. ومن ثم تضاف وفيات أطفال الحرب الأخيرة على العراق.

3- مستوى الإقبال على التعليم: حيث تحولت المدارس والجامعات العراقية إلى تقديم طلبات للحصول على الكتب والمجلات والمراجع مجاناً بسبب عجزها عن دفع أثمانها بسبب الحصار. ولدينا العديد من هذه الطلبات.

4- مستوى التغذية: الذي تحدده مستويات الحصار الأميركي وقواعد النفط مقابل الغذاء.

5- توافر مياه الشرب الصحية: بعد أن زرعت أراضي العراق والدول المجاورة له باليورانيوم الخامد.

6- متوسط دخل الفرد: وهي نقطة التفوق الأميركية الوحيدة في مقابل سياسة إفقار مدروسة لباقي الدول بما فيها اليابان والاتحاد الأوروبي.

7- معدل التضخم المالي: نجت منه الصين في أزمة النمور الآسيوية لأنها رفضت وضع عملتها في التداول العالمي.

8- مستوى الإفادة من تكنولوجيا الاتصال: وهي مسألة هامشية في ظل تدني مستويات العيش الإنساني المرافق للحصارات. والذي وصل إلى حدود المجاعة في روسية نفسها عداك عن الدول الأقل نمواً وتصنيعاً.

9- مستوى الحرية السياسية: حيث الإغفال المتعمد لفضائح الإدارة الأميركية كفيل بإلغاء هذا العامل. خاصة مع إنشاء وزارة خاصة بالمخابرات الأميركية.

10- تمتع الفرد بالحقوق المدنية: نود لو تم قياسها بمستوى القمع الذي تعرض له المطالبون بحقوقهم المدنية في مدينة سينسيناتي الأميركية مطلع نيسان 2001 حيث نعلم أنه تجاوز حدود القمع النازي.

ولا بأس هنا من التذكير بأن الحصارات الأميركية مفروضة على غالبية بلدان المنطقة، ولو بدرجات متفاوتة. بل إن بقية دول المنطقة دخلت في دوامة الحصار بعد الحرب الهوسية الأخيرة على العراق بصفتها مؤسسة لحروب قادمة فيها. وهنا يطرح السؤال، على المشاركين المحليين في إعداد هذا التقرير، عما إذا كان من الموضوعية، اعتماد هذه المعايير في ظروف بلدان المنطقة. ومعه السؤال عن المعايير التي يغيبها التقرير عن سابق إصرار على التزوير العلمي ومنها المعايير التالية:

1- مستوى الانتحار: وهو عامل تغيبه التقارير التنموية العالمية، لأنه يفضح جانباً مأساوياً في نمط الحياة الغربية. حيث ديانة الرخاء الأميركية عاجزة عن إعطاء معنى لحياة أتباعها. ومن هنا زيادة البؤس المعنوي ومعه نسبة المنتحرين فيها. فهل يجوز تغييب مثل هذا العامل؟.

2- مستوى تعاطي الكحول: وهو مؤشر بؤس بدوره (يعتبر مؤشراً على الإصابة بالاكتئاب). وهو عالي النسبة في المجتمعات الموسرة. ولا نعلم لماذا يتجاهله التقرير.

3- مستوى إدمان المخدرات: حيث تسجل تلك المجتمعات مستويات خطيرة للإدمان. ومع ذلك فإن تقارير التنمية تهمله، وهو في رأينا مؤشر البؤس الأهم.

خلاصة القول أن المعطيات المشروحة أعلاه تبين أن مشروع الأمركة هو مشروع عنقودي يعتمد مبدأ الاختراق على عدد لانهائي من الجبهات. وباستخدام كل أحصنة طروادة التي تتوافر له. ومن ثمّ فإن مواجهة هذا المشروع تقتضي العمل على تأسيس مشروع مضاد يفضح التزوير المتعمد في الأمركة. ومنطلقات هذا المشروع المضاد هي التالية:

1- رصد الحملات الدعائية والتوظيفات السياسية لمشاريع بريئة المظهر. مثال ذلك توظيف كولن باول لتقرير التنمية ولحقوق المرأة ولغيرها من عناقيد الأمركة في مبادرته المعروضة أعلاه.

2- مراجعة صحافتنا السياسية والفكرية التي تحولت للتطبيل والتزمير لإعلان تقرير التنمية عن تخلفنا وعن نقص في إنسانيتنا. حيث لم أقرأ شخصياً سوى قراءة نقدية واحدة للتقرير، وهي المنشورة في مجلة الكتب - وجهات نظر. فهل يجوز أن نطبل بمثل هذه المازوخية لتقرير ولمشاريع تذلنا معنوياً. وهل يتلقى كل المطبلين بدلات عن تطبيلهم؟. أم أن بعضهم يساق للتطبيل بحجة التحديث والحداثة والموضة السائدة!؟.

3- رصد حالات الأسر العقلي و/أو التمويلي التي يصاب بها بعض الأكاديميين المحليين بما يجعلهم عاجزين عن طرح الأسئلة وعن تمييز خصوصيات مجتمعهم الأم.

4- إطلاق حملات تصحيح وتصويب لكل مشروع اختراق على حدة.

5 - عدم تكرار خطأ التجاهل المزمن عندنا. فقد طرح السيد باول مشروعه لتدمير النظم الرمزية في المنطقة دون أن تتصدى صحافتنا لنقد المشروع وتفنيد أضاليله. حيث لا نعرف بنشر نقد لهذا المشروع سوى محاولتنا المتواضعة المعروضة أعلاه.

الصفحات