أنت هنا

قراءة كتاب رمادية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رمادية

رمادية

كتاب " رمادية " ، تأليف غادة صديق رسول ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

أمنية أمنية التي تحققت

أنا أقترف الكذب بروايتي قصة أمنية، لكن قصتها تستحق أن تروى، فأنصتوا.

عرفتها مدرسة في زمان الضفائر، ثم أماً في زمن اليتم حين رحلت تلك التي أنجبتني. فزميلة وجليسة في غرفة المدرسات، أمنية لونت لي أحلى أماني قلبي، لأنها هي من جعلتني أعشق مهنة التدريس، لطالما أحببتها، ولطالما تمنيت ولو تلميذة واحدة تحبني، مثلما يحب التراب أصيص زرعه الوطن، هل قلت إن كل أمانيها لم تزهر؟ عدا واحدة، وأمام عيني!

صوت حبيب، صوت بعيد:

ـ أنت يا راوية الحكايات، عديني بأن لا تروي حكايتي أبداً، ما دمت حية.

وإلى ما قبل تحقيق أمنيتها، وَفيت ولم أحك للورق حكاية من علمتني تهجّي الحروف وتجرع مرارة الأيام الأصعب، لكني الآن في حلّ من وعدي للأسف، وهذا السطر الذي تقرؤونه الآن، ساحت حروفه بعضها على بعض حين غرقت بدمعي.

* * *

توزع الحنان دون أن تشعر، على حافة الشباك تترك قطع خبز لزوارها من الطيور، قبل يومين اقشعر بدني حين مررت أمام دارها مرغمة ورأيت الطيور تنتظر بلا يأس وجبة قوتها، عجباً ألا تدري هذه العصافير الصغيرة أن الأماني قد تتحقق؟ كانت أمنية أول من لاحظت تباشير يتمي، قبل أكثر من عقدين سألتني: (من ضفر شعرك يا بلقيس؟ ألم تتعافَ أمك؟) عرفت بعد ذلك أنها لاحظت اعوجاج الخط الذي يقسم شعر رأسي إلى قسمين متساويين. وحدها أمي تملك الصبر والحب الكافيين لتجعله مستقيماً.

حين حضرت المأتم نادتني لأني لذت بسطح الدار رعباً من عويل أقارب أمي الذين فجعهم موتها في ريعان الشباب. قبلتني وأخرجت مشطاً من حقيبتها الكبيرة التي تتسع لكل أوراق الامتحانات والدفاتر والشطائر التي تعدها لزميلاتها وطالباتها حتى. مشطت شعري وجدلت لي جديلتين وقالت:

ـ خسارة لا تستطيعين رؤيته لكني أقسم لك أن خط القسمة ليس معوجاً كثيراً يا بلقيس.

وابتسمت لي في يوم كان كل من يراني فيه ينفجر بالبكاء، احتضنتها، كانت لها رائحة أمي.

الصفحات