أنت هنا

قراءة كتاب سنابل وقنابل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنابل وقنابل

سنابل وقنابل

كتاب " سنابل وقنابل " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وتوارت تلك الجرأة المفتعلة التي تقمصتها للحظات، وتراءى لي أنها الساعة قد دقت والأجل قد حل، وأن التكفل بي سوف لا يكون غير الذبح، على شاكلة مصير شبان الخدمة الوطنية.. وأعترف أنني تبولت كالأطفال الرضع في ملابسي هلعا من هول ما ينتظرني وأنا أسمع صيحة ذي الأذن المفرومة الآمرة بالتكفل بي، وندمت ساعة لات مندم على إضاعة فرصة النجاة بالنفس وقد أطلقوا سراحي ضمن طلقاء الحاجز، باخعاً نفسي أسفاً على مغامرة الاستعطاف ومعاندة وحوشٍ حرفتُهم الفتك، وعادتهم الحرق، وديدنهم سفك الدماء.. بيد أنهم، وقد سطع نور حظي وطلع بارق نجمي، اكتفوا بأن وضعوا الشريط اللاصق على فمي، أنا الديوث الثرثار المرائي، على حد قول أحد الزبانية المنفذين لأمر صاحب الأذن المشرومة، وألصقوا شريطا آخر على عينيّ، ثم قيدوني، وأخذوا بي من ناصيتي وقدمي، ودفعوا بي كشيء من الأشياء التافهة في إحدى العربات المصادرة في الحاجز، والتي اصطفت في آخر الرتل، مع خليط من أكياس الطحين وقارورات الغاز والمؤن والأغراض.

ترى ماذا سوف يفعلون بي؟.. وبعد فترة بدت دهرا، سارت بي العربة ضمن قافلة محملة بالدمويين، وبالمسلوبات في اتجاه المخابئ المجهولة في الفجاج بأعالي الجبال.. لا أعلم كم دامت الرحلة، لكنها بحساب فاجعة الأسر دامت دهرا؛ فأن يكون المرء مصفد اليدين مقيد القدمين أمر محتمل.. وأن تسمل عيناه شيء قابل للصبر.. أما أن يلجم لسانه ويكمم فمه فهو الأمر الأقرب إلى الشنق والإعدام.. وعلمت أن الإنسان هو اللسان.. إذا حُبس اللسان ذهب الإنسان، وقد أخطأ الشاعر القديم حين قال؛ لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده.. لقد أدركتُ، وقد وضع الشريط اللاصق على فمي، أن لسان الفتى هو كل الفتى..

في الغد، وبعد غفوة فرضها تعب البدن وعناؤه في وصيد كهف عظيم بالمعسكر المجهول المكان، الذي لا أعلم عنه غير أنه يدعى كيفان الفجوج، وسط الصخور الداكنة والغابات الشائكة والكهوف غير العجيبة، المنقور بعضها نقرا في الصخور، والأنفاق الطبيعية التي شكلتها سيول الأمطار على مر العصور، والمخابئ المحفورة المموهة بأغصان الشجر، وجدتني، وقد نُزعت عن فمي الكمامة، وسلخ عن عيني الشريط، وفُكّت عن زندي القيود، وحُلّت عن كعبي الأصفاد، أساق إلى مخبأ آخر. كان هو مقر أمير السرية.. دفعني الزبانية بعنف ولم يتسن لي أن أطأطئ رأسي حتى أتمكن من الدخول فارتطم رأسي بالصخرة التي كانت تشكل عتبة المخبأ.. فتساقطتُ وسط الكوخ مغشيا عليّ ليس من الألم بل من رعب الارتطام، ولما لمست موضع الارتطام لم أجد دما بل انتفاخا مثل انتفاخ الكمء، وحمدت الله على السلامة.. مع كل ذلك لم يفتني أن رأيت شبح امرأة عطبول ينزلق على مرآنا من بين يدي الأمير إلى مخدع مفصول بستار غليظ..

أجل، في هذا المخبأ الحقير الذي لا يضيئه غير بعض ما يدخل من شعاع خافت من الوصيد الضيق.. وجدتني أمام مخلوق ممسوخ له وجه بنقرة فاحشة في الخد الأيسر، نشأ عنها تدلي جفن أحمر، وعين جاحظة تكاد تخرج من محجرها، وفم مشدود بتجاعيد قبيحة نحو النقرة.. ولحية كثة لا فضل لها لمن يريد تخويف الأولاد الصغار سوى أن تزيدهم ترويعا مهولا من مشهدها..

الصفحات