أنت هنا

قراءة كتاب إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

كتاب " إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول " ، تأليف نبال خماش ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

المقدمة

واحدة من الاخفاقات الثقافية الكبيرة التي أصابتنا، نحن العرب والمسلمين، هي أننا قبلنا في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول 1 0 0 2 الشعارات والمصطلحات التي صدرت عن الإدارة الأمريكية برئاسة جورج دبليو بوش وقمنا بترديد هذه الشعارات والتعابير من دون نقاش أو تدقيق، وأحيانا من دون وعي لمضامين هذه التعابير والظرف التاريخي الذي انبثقت من خلاله· وساد انطباع عام أن ميدان المعاني والتعريفات هو من اختصاص الطرف الأقوى وملكه باعتباره الأحق بصوغ المفاهيم وفرضها على الثقافات الأخرى ، وانشغلنا نتيجة هذا الفهم بمتابعة التمدد الإمبراطوري الأمريكي في العالم، مكتفين بالتحليلات والتعليقات التي تتناول أحداث هذا التمدد والتطورات التي تطرأ عليه دون الخوض في نقاشات جادة وتحليلات معمقة لفهم دوافع وخفايا هذا التمدد والعمل على التدقيق في سلوكه السياسي وفهم خطابه·

ذلك انه من الصعب إن ما كان من المستحيل على المرء أن يفهم السياسة الحقيقية لأي من الدول، في الماضي أو في الحاضر دون إجراء قراءة ناقدة ومراجعة متأنية لمفردات خطابها التاريخي ومنطلقاتها الاستراتيجية ، إذ بدون هذه القراءة لن يتم التعرف بشكل دقيق على الأسس العقائدية والسلوك السياسي لهذه الدولة، إضافة للتعرف والوقوف على التيارات وجماعات الضغط المؤثرة في هذه الدولة والقادرة على تمرير برامجها ومشاريعها وتنفيذ سياساتها·

ومن أجل فهم اعمق لسياسة دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، ولفهم ما أحدثته هذه الدولة الإمبراطورية على خارطة العالم من تغيرات وانقلابات، ولفهم ما تحدثه الآن وما يمكن أن تحدثه لاحقا، لا بد من إجراء قراءة متأنية لطبيعة المشروع الأمريكي ما يستدعي بالضرورة أن نعتمد الرصد الدقيق والتحليل المتسابق مع قوة القرار الأمريكي وسعة انتشاره· وفي واحدة من قنوات الرصد اعتنى هذا الكتاب بتتبع وحصر الشعارات والمصطلحات والتعابير التي أطلقتها الإدارة الأمريكية منذ بداية ما أسمته الحرب على الإرهاب وحتى احتلال العراق·

هذا الخطاب الأمريكي جاء في جله خطابا يمينيا صادرا عن مجموعة سيطرة وطغت على الخطاب الرسمي للولايات المتحدة، هذه المجموعة المعروفة بـ المحافظون الجدد التي تمثل في حقيقتها تيارا أيديولوجيا تاريخيا ذي نزعة دينية أصولية، ويتحكم بها اعتقاد أن للولايات المتحدة دوراً رسولياً لتغيير العالم وفرض قيمها عليه من خلال استغلال قوتها الفائضة· أما الملاحظات الرئيسية التي أمكن استخلاصها من هذا الخطاب نتيجة رصد مفرداته وتحليلها فهي التالية:

الملاحظة الأولى هي أن مفردات هذا الخطاب في اغلبها هي تعابير عسكرية تخدم أهدافا وخططا حربية وتشرح إستراتيجيات قتالية حاضرة ومستقبلية، ويعكس بذلك هذا الحضور والمساحة الأكبر للغة العسكرية حالة تحول خطيرة شهدها الخطاب الأمريكي عموماً لصالح فكرة الإيمان المطلق بالقوة العسكرية والاستغلال التاريخي النادر لهذه المرحلة والتعامل معها كما لو انه تم العثور على كنز · والمؤشر الأهم في هذا الاستغلال هو التحول الكبير والمعلن في الاستراتيجية الأمريكية من سياسة الردع إلى سياسة الاستباق ، ومن سياسة الاحتواء السياسي إلى سياسة التغيير بالقوة ·

التحول الكبير والواضح الذي شهده الخطاب الأمريكي لصالح ما يمكن تسميته بـ عسكرة السياسة الخارجية وتغليب التفكير الحربي على التفكير السياسي جاء نتيجة انتصار دعاة الاحتواء العسكري الذي تبناه المحافظون الجدد، وهو طاقم عقائدي يميني استطاع النفاذ والتحكم ليس بمزاج الرئيس الأمريكي جورج بوش، فحسب ، ولكن بصياغة القرار في البيت الأبيض والكونغرس ، ونجح هذا الطاقم في عرض أفكاره ورؤاه والدفاع عنها في سبيل إقرار نظريته لمحاربة لإرهاب العالمي · ولم يكن بإمكان هذا الطاقم أن ينجح في إقرار هذا التحول وترسيخه لولا أن جذوره الأيديولوجية كانت ممتدة إلى خارج الدائرة الرسمية للحكومة الأمريكية ، لتصل هذه الجذور إلى عدد لا بأس به من مراكز صناعة العقل وتشكيل الوعي وتلقين الرأي العام واقناعه بمبررات قرع طبول الحرب بشكل دائم ، وامطاره بوابل من المعلومات المضللة والمبرمجة حول الخطر الداهم الذي من المتوقع أن تتعرض له الولايات المتحدة في أي وقت ، إضافة إلى افتعال تحذيرات وهمية هدفها فرض هيمنة أيديولوجية وسياسية من خلال تضخيم الأخطار وادخال الوهم إلى نفس المواطن الأمريكي ليعيش أبدا في حالة من الرعب والترقب بينما يحقق الطاقم اليميني مكاسب حقيقة مادية ومعنوية ·

غير أن الحرب الجامحة ضد هؤلاء الأعداء المتخيلين الذين تزايدوا على خريطة العالم ، وتحديداً العربي والإسلامي ، تحتاج بالضرورة إلى غطاء سياسي واسع ومتشعب يستكمل عمل آلة القوة العسكرية الباطشة من جهة ويحتوي مظاهر الغضب والكراهية من خلال الترويض السياسي ، لذا كان لا بد من إحداث تغييرات جوهرية ومهمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة · وكما تخلت المؤسسة العسكرية الأمريكية في ظل اليمين المحافظ عن قديمها عبر مراجعة خطط الدفاع القديمة والبحث عن استراتيجية جديدة ، كذلك الحال بالنسبة للسياسة الأمريكية الخارجية التي لم تعد تعنى كما في السابق بإيجاد حالة من التوازن السياسي في العالم ، بقدر ما غدت معنية بالبحث عن إثارة القلاقل وتعميم الاضطراب والحيلولة على عدم تقديم حلول حقيقية للأزمات الدولية بسبب الإصرار على فرض رؤية واحدة هي رؤية الإدارة المحافظة وهي رؤية لا تؤمن بأنصاف الحول ، فمن ليس مع واشنطن هو بالضرورة في الصف المعادي ، ليتمحور القاموس السياسي نتيجة هذه الرؤية للإدارة الأمريكية حول كلمتين اثنتين : معنا أو ضدنا ·

فكرة التخلي عن الدبلوماسية الأمريكية القديمة نجد تطبيقاتها السياسية بشكل واضح من خلال الرسائل المتتالية التي بثتها إدارة الرئيس جورج بوش معلنة بطلان أوراق الاعتماد السابقة لكافة الأنظمة العربية وبغض النظر عن مدى قرابة النظام أو صداقته التاريخية لواشنطن ، لتصبح الأنظمة ملزمة بتقديم أوراق اعتماد جديدة، أما مسألة قبول الاعتماد الجديد من عدمه فهي قضية منوطة بالإدارة الأمريكية التي تولت عملية مراجعة جديدة وشاملة لكافة أنظمة الحكم الصديقة وغير الصديقة وأجرت حسابات دقيقة حول مدى توافق هذه الأنظمة أو تعارضها مع مخططات المشروع اليميني المحافظ · هذا السياق جعل الكثير من العارفين بطبيعة العلاقات الأمريكية - العربية في حالة دهشة وصدمة حقيقية ، إذ لم يكن يخطر على بال أحد من هؤلاء العارفين أن تأتي فترة تتعامل من خلالها إدارة أمريكية ما مع دول حليفة وصديقة باعتبارها دول عدوة هذه النظرة والطريقة الجديدة في التعامل مع حلفاء تاريخيين تأتي عمليا في السياق الذي تمت الإشارة إليه آنفا وهو وضع كافة الدول العربية عن وجه الخصوص ، في سلة واحدة ليتم من ثم ترويض من يسهل ترويضه ، أو الإخضاع بالقوة لكل من يحاول التمرد أو معارضة المخطط الأمريكي الجديد ·

وبالتزامن مع الحملتين السابقتين العسكرية والسياسية ، وفي إطار استراتيجية شاملة قد تبدو بأنها غير محددة المعالم بالنسبة لكثيرين في هذا العالم المتوجس من خطر انفلات اليمين الأمريكي ، أطلق هذا الأخير حملات متتابعة ذات طابع ثقافي وحضاري تحت عناوين مثل : التطوير ، الإصلاح ، الشراكة ، التحديث، التعديل ··· وكان الهدف الأساسي من إطلاق هذه الحملات والمحصلة النهائية لها هو تجميل صورة أمريكا المتطرفة أمام العالم ، ومخاطبة العقول العربية المؤثرة في صياغة السياسات وصناعة وتوجيه الرأي العام لتتمكن السياسة الأمريكية في النهاية وفق ما هو معلن من إحداث التغيير المطلوب في العالمين العربي والإسلامي ، هذا التغيير الذي فشلت أنظمة هذين العالمين على جه الخصوص في إحداثه لفسادها واستبدادها· وبعد إجراء هذا التغيير وفق المخطط اليميني يصبح سهلاً على السياسة الأمريكية التحكم في مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في العالم العربي أو التي تهدف إلى تفعيلها مستقبلاً وبشكل مطابق ومواز لآلية التحكم التي مارستها من قبل على مؤسسات الحكم وأنظمته ·

وفي سياق الكلام عن الحملة الثقافية والحضارية التي يقودها التيار المحافظ في واشنطن برزت ملاحظتان في غاية الأهمية : الأولى هي أن مجمل الشعارات والمصطلحات التي عنيت بالترويض الثقافي والاحتواء الحضاري جاءت عمليا تحت شعار كبير وأساسي هو شعار حرب الأفكار وهي تسمية لها دلالة واضحة مؤداها أن اليمين الأمريكي لا يسعى إلا إلى تحقيق نصر على الخصم الذي هو نحن وليس إلى تواصل حقيقي معه كما يروج أقطاب هذا التيار ، أما علامات النصر التي يأمل هذا التيار تحقيقها فهي اقتلاع موروثنا الثقافي من جذوره ، وأن نتبنى أفكار المنتصر ورؤاه وثقافته بما ينسجم مع تطلعات المشروع الأمريكي وأهدافه الإمبريالية ·

أما الملاحظة الثانية المرتبطة بالحرب الثقافية والحضارية التي شنها اليمين الأمريكي من طرفه ، فهي أن الولايات المتحدة تحولت وبشكل تدريجي بفضل تأثير هذا التيار ونفوذه من دولة علمانية الى دولة دينية كنسية تسيطر عليها أفكار ومفاهيم هي عملياً نتاج تحالفات دينية سياسية بين الأفكار الديمقراطية الأمريكية وعدد من الأفكار المسيحية واليهودية · ونتيجة هذه التوليفة أعلنت هذه المجموعة بشكل غير رسمي ولادة دين جديد هو المسيحية الجديدة الذي يرفض التطور بما يخالف أرادته، فإما أن يصير العالم إلى ما يريده هذا الدين أو أن ينتهي ·

وبموازاة الحرب العسكرية والسياسية التي نفذتها الولايات المتحدة على ما أطلقت عليه الإرهاب الدولي برزت حرب ميدانية ثالثة هي حرب إعلامية · وإذا كانت الحرب العسكرية تفضي لنشر الموت في كل مكان وقتل الناس ، فان الحرب الإعلامية وظيفتها قتل الحقيقة ونشر الأكاذيب وامداد الناس بمعلومات مزورة من خلال مصادر خبرية رسمية صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون) ، التي ابتدعت ووفق استراتيجية ثابتة أساليب عديدة وحديثة في التضليل والتمويه عن الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية ومحاولة إلباس هذه الأهداف المدمرة المشبعة بالشر والخراب ثوباً أخلاقيا خيّراً · ومما سهل هذه المهمة على اليمين الأمريكى المتطرف ، خضوع الإعلام الأمريكي بوسائله وأدواته المهمة لهيمنة هذه المجموعة في الإدارة ، مما ساعد إلى حد كبير في تعميم الأكاذيب والتحليلات المضللة إضافة إلى التضييق على المستقلين بالصحافة والاعلام وانتهاك حرياتهم ومصادرتها بشكل لم يعرفوه من قبل ·

الجديد كذلك في الخطاب الأمريكى لفترة ما بعد 11 أيلول ، هو الحديث المكثف عن دمقرطة شعوب العالم والانحياز لحقوق الإنسان وليس لصالح الحكومات، وهي بكل تأكيد استراتيجية جديدة لا تتفق مع السجل الرسمي للإدارات الأمريكية السابقة التي ساندت وبنسب متفاوتة أعتى الديكتاتوريات وأسوأ الحكام في العالم · إلا أن هذا المعلن الأمريكى يتناقض بشكل كامل مع تداعيات الحرب الأمريكية على الإرهاب ، هذه الحرب التي غدت في الواقع حرباً على حقوق الإنسان وكرامته وأمنه ، حيث سادت البشرية حالة من الجزع وهي تنظر إلى الخروقات المذهلة التي تقترفها إدارة الرئيس بوش بحق القانون الدولي والإنسانى ممثلة في هذا الإهدار المريع لحقوق المعتقلين سواء داخل أمريكا أو خارجها ، في غوانتانامو أو في أفغانستان أو في العراق · كما تمكنت هذه الإدارة من خلق حالة من الهوس الأمني لدى المؤسسات والمواطنين في مختلف أنحاء العالم بما فيها الولايات المتحدة ذاتها ، وقد أظهرت تداعيات الإجراءات التي أعقبت 11 أيلول حالة الرعب الحقيقي التي سكنت قلوب الأمريكيين وأحدثت دوياً في عقولهم بسبب حرمانهم الحقوق الدستورية الأساسية ليس للوافدين إلى أمريكا بل للمواطنين الأمريكيين أنفسهم ، فقد ازدادت وبشكل مطرد حالات مصادرة الحريات وانتهاك حقوق الإنسان والإجراءات الاستثنائية التي تعاملت معها هذه الإدارة باعتبارها ضرورة ملحة تتجاوب مع طبيعة المرحلة ، وهي إجراءات لا يتم التعامل معها بشكل عابر ومرحلي تلبية لازمة طارئة ، بل إن العقل اليميني يروج لهذه الإجراءات ولما هو اشد منها واقسى في سبيل مواجهة حرب طويلة الأمد ، حرب تستدعي تهيئة الجميع لاستيعاب كافة القوانين والإجراءات الصارمة الخاصة بمصادرة وانتهاك حلم الحرية التي طالما بشرت بها الولايات المتحدة ·

وأخيراً هذا الكتاب جاء نتيجة جهد عامين ونصف بذلت خلالها كل جهد ممكن في الرصد والمتابعة من مختلف المصادر الصحافية والإعلامية لكل ما يصدر عن الإدارة الأمريكية ومراكز البحث والتفكير التابعة لها ، ونتيجة لهذا الرصد تراكم لديّ 76 مصطلحاً ، رتبتها بشكل أبجدي وعرفت كل مصطلح من خلال الظرف التاريخي الذي برز من خلاله والجهة التي عملت على بلورته واطلاقه بالشكل الذي انتهى إليه ، ثم اتبعت هذا كله تحليلاً نابعاً من رؤية شخصية ومحاولة ذاتية لفهم الأحداث ووضعها في سياقها التاريخي والموضوعي ، ليكتمل بذلك هذا الكتاب كمحاولة أولية من قبلي لفهم الإمبراطورية الأمريكية ··· حتى يتسنى لمن يريد أن يتصدى لهذا المشروع الأمريكي أن يستعين بـبينة ·

نبال تيسير خماش

الصفحات